Articles Arabic

بين القديم والمعاصر

منقول من صفحة

Thabet Habeb Yousif Al Mekko

ان التجدد ليس حسب الكتاب المقدس مجرد ظهور امور جديدة في مجال ما مثل الاختراعات والادوات التي تتطور بحكم خبرة الانسان، كلا التجدد هو وضع الكون كله على صورته الاصلية بالمسيح. يقول مار بولس : “إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا.” (2 كو 5: 17).

اذن مقياس التجديد هو المسيح وقيامته هي الفاصل بين زمن تقلب العالم فيه في امور قديمة طرأت عليه بسبب الابتعاد عن الله. كل حياة الكنيسة وتعليمها وتفسيرها وطقوسها ليست سوى حداثة وتجديد. نعم الكنيسة تستخدم لغة وكلمات ورموز تبدو من العهد القديم، ولكنها مجددة بالمسيح. لا بل ظهرت حقيقتها مع بقاء شكلها وصورتها، مثلا: صورة الحمل الفصحي الذي انقذ بني اسرائيل بدمه يوم الخروج ظهرت حقيقته بالمسيح الذي خلص البشرية من الخطيئة، صورة الحمل بقت ولكنها اصبحت من رمز حقيقة، ومن محدودية امرا شاملا مطلقا.

قد يظن البعض، وقد توهم الكثيرون، ان معيار التجديد هو مواكبة ما يحدث في العالم من نقلات تكنولوجية وتقلبات نفسية واجتماعية،  ليست بالضرورة سليمة، وعوضا عن ايجاد صخرة ثابتة متمثلة بالكتاب المقدس والتقليد الكنسي وموروث الكنيسة الحي للاستناد عليها امام جرف التيارات الحالية، اوجدوا ارضية هشة من خلال مجاراة هذه التيارات وانعكاساتها على الحياة الكنسية من خلال ايجاد مساحة اكبر للفكر الاستهلاكي، مثلا: اصبح الزمن المقدس خاضعا لقياسات وحسابات الواقع العملي. الموقف امام الله والخشوع الذي اختزل كثيرا، مثلا: تجد الكثيرين لا يميزون بين داخل الكنيسة وخارجها، بين المقدس والدنيوي، تبريرات بخصوص الغاء الصوم وتجريده من معاني كثيرة. كذلك من خلال فقدان الكثير من الامور التي تخص البعد الجماعي لصالح امور فردية، مثلا: اصبح هدر الوقت بصورة انفرادية مع وسائل التواصل الاجتماعي اكثر من الوقت المستخدم للصلاة الجماعية الصباحية والمسائية وغيرها.  والاسوأ من هذا كله ما نجده اليوم لدى للكثير من المسيحيين الذين ينظرون الى الكنيسة نظرة من الخارج وكأنها منظمة او حزب او دولة وينجرفون خلف الاعلام الذي يصنف الافكار والمواقف ضمن خانات اليمين واليسار والتحرر والتقليد وغيرها. اليوم نجد اصوات تطالب برضوخ الكنيسة لقوانين العدم والضياع التي تشرعها الحكومات اليسارية مثل مباركة المثليين.

اليوم نجد الكثيرين من الذين وقعوا في وهم نقد الماضي بأنه رجعي وغير صالح للتطبيق، وهنا اقصد حياة الكنيسة في كل القرون وصولا الى هؤلاء. انه حكم مأساوي اذا ما وصف حياة الكنيسة منذ انطلاقها وحتى هذا العصر ” بالقديم”، لانه منذ قيامة المسيح لا يوجد سوى الجديد. انه حكم مجحف بحق كل جهود المسيحيين ورجالات الكنيسة، هناك من يزدري حياة الرهبان الاوائل واصفا اياهم بالتخلف، وهناك من يتطلع الى هندسة للكنيسة لا تختلف عن قاعة المسرح بشيء ظنا منه ان الهندسة القديمة قديمة. لا نستطيع ان نحكم روحانية الكنيسة ولاهوتها بانه قديم لانه قائم على المسيح والا فاننا نجازف بالغاء فعل المسيح والروح القدس كل هذه القرون.

ان جهود الاباء وارث الكنيسة الحي الذي يجسد حضور المسيح القائم بيننا هو معيار للكلام عن الجديد وصخرة ثابتة نقف عليها برجاء حي ونحن واثقين ان الكون كله سيخضع للمسيح الديان العادل.

Follow Us