الجزء السابع: مقالات مهمة للمرحوم الاب العلامة ألبير ابونا عالجت ازمة كنيسة الكلدانية في ذلك، ولكن تعيش في اسوء زمن لها اليوم!!!
كلدايا مي: نختار مواضيع التي تعالج ظروف اليوم اتعس مما كان يوم امس
1- كنيستـي واحـدة
هكذا ارادها المسيح، وهكذا أنشأها، وهكذا يريدها حتى النهاية: “انت الصخرة، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي”، ولم يقل المسيح “كنائسي “.
ولدى قراءتنـا الفصل السابع عشر من انجيل القديس يوحنا، نتأكد من رغبة المسيح الملِحّـة في ان تكون كنيسته “واحدة”، على مثال الوحدة القائمة بين اقانيم الثالوث الأقدس: “ليكونوا واحدًا، كما نحن واحد … ليكونوا بأجمعهم واحدًا …” (يوحنا 17/7،21…). بل قدّمَ المسيح وحدةَ كنيسته علامة أكيدة على مصداقية رسالته: “ليؤمن العالم بأنك انت ارسلتني” (يوحنا 17/21). وقد شبَّـهَ القديس بولس وحدة المسيح مع كنيسته بوحدة الرأس مع الجسد، وأشار إلى ان الكنيسة هي جسد المسيح السري الواحـد.
ولكن إلاَّ تشعر كنيستي بخطيئة الانقسام؟ أهي كنيسة واحدة أو كنائس متعددة وطوائف متنافسة؟ وإلى متى ستظل على هذه الحال، رغم إرادة المسيح الصريحة في ان تكون واحدة؟ ألا يمكن حقًا وضع حـدّ لهذه المعثرة؟
ولكـن أين هذه الوحـدة؟ فما إن اختفى المسيح عن الانظار بالصعود، حتى شرعت اختلافات بل خلافات تظهر بين الرسل انفسهم. وإذا استطاعوا التغلّبَ عليها، فان الصعوبات والمشاكل اعترضت سبيل كنيسة المسيح في الأجيال اللاحقة، حتى اضطرّت إلى عقد مجمع نيقية (سنة 325)، ثم مجمع القسطنطينية (سنة 381) لوضع حدّ لبعض الافكار المضِلّة عن الثالوث وعن المسيح. وكان القرن الخامس حقلاً خصبًا فيه نمت وانتشرت افكار فلسفية وآراء لاهوتية أدّت إلى جدالات حامية في الكنيسة، وتمحورت حول شخص المسيح وطبيعتيه الالهية والإنسانية، وتمخضت عن مواقف لا تمتُّ إلى روح المسيح بصلـة. فقد أذكت الاحقاد والاحساد بين مختلف فئات المسيحيين افضت إلى انشقاقات مؤسفة وإلى انفصالات وتباعد، ما نزال تعاني منها حتى اليوم.
وإذا كانت الدوافع الظاهرة التي أدت إلى هذه الانشقاقات هي كريستولوجية، إذ راحت كل فئـة تتمسك بأفكارها اللاهوتية وتأبى التنازل عنها، فإن الدوافع الحقيقية الكامنة تحت هذه الذرائع كانت اعتبارات بشرية تتلخص بالكبرياء وحب المناصب والكراسي الكبرى في المسيحية والهيمنة الفكرية والكنسية، رافقها الكثير من روح العداء والانتقام بين مختلف الفئات والمدارس المسيحية. وكانت نتيجة ذلك ان انقسمت كنيسة المسيح الواحدة إلى كنائس متعددة ومختلفة في عقائدها وتقاليدها وليتورجياتها: جذع واحد أدى إلى فروع عديد ومختلفة، كل منها يدّعـي بأنه الأصل، وبأنه يمتلك الحقيقة الكاملة. اما الآخرون فعلى ضلال مبيـن !.
واستمرت هذه الحالة المؤسفة إلى الآن. فما يزال كل فريق متمسكًا بموقفه بتزمّت شديد، ولو ان وطأته قد خفت الآن قليلاً، ويأبى الانفتاج لتلقّي محبة المسيح التي توحّد ولا تفرّق.
والمضحك المبكي، ان كل سنة يُخصَّص في الكنائس المسيحية اسـبوع كامل – من 18 إلى 25 كانون الثاني – للصلاة من أجل وحدة المسيحيين، بدون ان يتنازل أيٌّ من المسؤولين – البطاركة والاساقفة، عن شيء في سبيل تحقيق هذه الوحـدة، انه اسبوع الضحك على الذقون وذرَ الرماد في العيون! فنحن نصلي من أجل الوحدة، ولكننا لا نحرك ساكنًا في سبيل تحقيق هذه الوحدة في واقعنا اليوم! لقد تمت في هذه السنوات الأخيرة – والحق يُقال – مبادرات كثيرة ورائعة تشير إلى حسن النية عند مختلف الفئات من المسيحيين. ولكن متى ستتحقق الخطوة الكبيرة الحاسمة؟ لقد سئمنا وملّت شعوبنا المسيحية من هذا التماطل في شؤون ما كان ينبغي ان تعطل الوحدة. وإلى متى يبقى البعير على التل؟ وأين الجرأة المسيحية التي تقول للمسؤولين: كفى الانتظار ايها السادة الكرام !.
وما لي اتكلم عن الوحدة بين مختلف الكنائس، في حين ان هذه الوحدة مفقودة حتى في حضن كنيسة واحدة. فان الحرية – وربما الانفلات – لدى بعض الكهنة أدت إلى الإعلان عن أمور أو تعاليم ليست متناغمة مع الحقيقة المسيحية الصافية. اما الطقوس والرتب الكنسية، فكل كنيسة محلية تتصرف تجاهها كما تشاء، بحسب مزاج كاهن الرعية. أما المسؤولون الكبار فمنشغلون بشؤونهم الخاصة، وكأن هذه الأمور لا تعنيهم من قريب ولا من بعيد. ولا أدري ماذا يمنع الرعاة الكنسيين من ان يتّحـدوا فيما بينهم ويضعوا حدًا لهذا التبعثر الذي يخلق الفوضى والارتباك حتى بين المؤمنين. فإذا ذهبتُ إلى مدينة أو قرية، وأردت إقامة القداس – وهذا امرٌ شرعي وواجب – أُضطرُّ إلى ان أسأل كاهن الرعية عن طريقة إقامة القداس في كنيسته، لئلا أخالف التقاليد التي خلقوها على هواهم. فهل هذه هي الوحدة المسيحية!!! ومن المسؤول عن هذه الفوضى؟ الا يمكن ضبط الأمور وتنظيمها؟
كيف يمكن ان تتحقق وحدة المسيحيين من الكلدان الكاثوليك والسريان الكاثوليك والارثودوكس الذين يؤمنون بالثالوث الاقدس، وبأن يسوع المسيح هو ربهم والههم، وان اليهود قد حكموا عليه بالموت على الصليب، وان مريم العذراء هي بتول والدة الله، مع الاثوريون النساطرة الذين يؤمنون مع السيد لويس ساكو بان لا اله الا اله المسلمين، ويحاربون الكنيسة الكاثوليكية، ويشوهون سمعتها، ويعتبرونها كنيسة وثنية، ويزرعوا الشكوك في الايمان الكاثوليكي، وينكروا بتولية مريم العذراء، ويرفضوا تقديم الولاء لقداسة البابا، بالاضافة الى ان المرجعية النسطورية تصر على ان يتم توحيد الكنيسة النسطورية مع الكنيسة الكاثوليكية للكلدان بعد مجييء المسيح الثاني ؟ وكيف يمكن ان تتحقق الوحدة المسيحية وقلوب اليهود النساطرة الهراطقة هي مملوءة بالحقد والكراهية تجاه الكلدان وكنيستهم الكاثوليكية، وقد كشفوا كل ذلك خلال حملتهم الاعلامية المزيفة التي شنوها ضد الكلدان بعد سقوط العراق عام 2003 ؟ ام ان الغرض من دعوة السيد ساكو للمسيحيين، وهو خارج عن القانون وهارب من وجه العدالة، للصلاة من اجل تحقيق وحدة المسيحيين هو فقط لالغاء الاسم القومي للكلدان واحتواء وأخضاع الكلدان والسريان المسيحيين وكنائسهم لسيطرته وسيطرة الاثوريين النساطرة، والتحكم بهم وتوجيههم على النحو الذي يخدم اهدافهم.