بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني
هـذا المقال ، مقـدمة للمقال الـقادم
من تراث جـريدة عـمّـا كـلدايا / سـدني ـ 2001
(( صاحـب الناقة والوالــــــــــــــــي ))
البابلي في حـــضرة الوالي يـسأله ماذا عـن الأحــــــــــــــــوال
رد عـليه الصدى بالإجـمال ( يا ذيب ليش تعَـوي ؟ حالك مثل حالي )
يحكى أن رجلاً من ديار بابل ضاعـت ناقـته النزيلة ، وهـو في طريقه إلى تل الكهف في حـلب الجـميلة . سأل عـنها الكـثير وأمله وفـير وبعـد عـناء مرير رآها عـند إعـرابي من أهـل الشام كان قـد لـقـيَها تائهة فإمتـلكها . جاء الرجل إلى الإعـرابي فـسلم عـليه وطبع قـبلة على كـتـفـيه ، وإسترسل الحـديث معه ثم قال له : يا أخا العـرب لـقـد ضاعـت مني ناقـتي ، كانت مُسَـليتي فأخـذتْ معها مهجـتي ، تعـبتُ في البحـث عـنها ولم أجدها وبعـد جـهد مليل شاهدتُ مطلعـكَ الجـميل توسمتُ فـيك الخـليل أراك من أهل الشيمة والكـرم لا تقـبل الضيم وترد الذمم ، كل الشهامة منك والأصالة فـيك ، ومقـدما أشكرك لأقـول لك ها هي ناقـتي عـندك ! فـقال الإعـرابي : يا أخي في أرض القـبـيلة ، لـقـد أكرمْـتـني بكـلماتك النبـيلة وأغـرقـتـني بعـباراتك الهديلة ، صدقـتَ فـيما قـلت إلا في الأخـيرة ! أعـندك غـيرها بديلة ، فهذا جـمَلي وليس ناقـتك الهزيلة . قال الرجل : هلا نظرتَ أسفلها لترى ضرعها وحلمتيها ؟ قال الإعـرابي : نظرتُ وحـمدتُ ، فـلـقـد مَنَّ الله عـلي بجـمل ذي ذكـرَين ، فـشكـرتُ
إحـتار الرجل الـبابـليُّ في أمره وفـقـدَ وجه الصواب في الإعـرابي وسذاجـته ، ولما كان غـريـبا لم يجـد بدَّاً إلا أن يكـون أديـباً فـيعـرض أمره على الوالي لبـيـباً . فـقال للإعـرابي : أتـقـبل بقـضاء والي الشام فـنـذهـب إليه كِـلانا بسلام ؟ رد عـليه الإعـرابي فـورا: نعـم والله إنه والينا ، شيخ عـلينا معـلمنا وراعـينا ، وهـو سـيِّـد الـقـوم وأبونا ، نقـدم له الغـلة من زرعـنا والـعُـشـرَ من مدخـولنا ، وكل يوم نصلي ونـطـلب له عـمراً طـويلاً ونعـطي له ما بأيدينا ، نقـبِّل يده بشفاهـنا وهـو يرد لكـرَمنا عـناقاً وبَوساً عـلى خـدنا ، يربـتُ عـلى ظهـرنا ويكـثره عـلى من يتـصف باللطافة بـينـنا ، وعـليه فأنا أقـبل بقـضائه لـنا فإليه هـيا بنا . ولما وصلا إليه سلما عـليه ردَّ عـليهما السلام والغـمة فـيه ، سألاه : ما بك يا مولانا ؟ قال: نُـزعَـتْ عـني حمامتي وشاية ، كانت ترف جـناحـيها فـتهفُّ لي صيفا وتجاورني بريشها فـتـدفـئني شتاءا ، تدغـدغـني بمنقارها فأنتشي بها ليلا ، ومن شدة حـزني ، نفـضتُ عـباءتي فـلحـقـتْ بها رفـيقاتها ، وتركـتْ أعـشاشها ، فـنـثرتُ وراءها من الشعـير بعـض حـبات وإتخـذتُ من العـش محـرابي وقـلعـتي ، وقـلت لنفسي : يا ليت شعـري هل أبـيتن ليلة بعُـشِّ الدجى إني إذاً لـزهـيد وسعـيـد ، وأتركُ الموتى يدفـنون موتاهم ( ساذج وبلـيدُ ) . إستغـرب البابلي من إستـناحة الوالي وحسَـبَه مهووسا في كـلماته ، فـقال له : يا مولانا إن الحـمامات في أعـشاشها ساكـنات ، فـما الذي جاء بها إليك لتمنحـك الدفء والـدغـدغات ؟ ( وقـلب البابلي يقسم بالكائنات : هـذا النحـيب ودموع التماسيح شبـيهات)
أجاب الوالي : إن الحـمامات الوديعات لا تطمئن إلا عـند الولاة . ولِمَ الريـبة ! أما يُحكى عـن سليمان كان يناغي الطير وهي جُـثــَّـمٌ راغـبات ؟ ثم أردف : حـلـلـتما أهلا ونزلـتما سهلاً وأقـضي لكما إذا طلـبتما أمراً . حكى البابلي قـصته وأفـضى للوالي أمره . ثم تـقـدم الإعـرابي وقال : هـذا جـملي يا طويل العـمر وأنت مولاي مدى الدهـر، والبابلي يحاججـني في الأمر ويقـول عـن جـملي أنه ناقـته ، فإقـضِ بـينـنا أدامك الله والينا لـنا وله . فـلما تـفحَّـصَ الوالي العـلة قال : إنه جملك أيها الشامي ، خـذه وإذهـب في طريقك إنه لك . فـقـبَّل الإعـرابي يد الوالي ثم خـرج . ولما رأى الرجل في الوالي الخَـصْمَ والحَكَمَ سكـت ولله أمره سلـَّم ، وعـندئذ بالخـروج هَـمَّ . وهـنا إستوقـفه الوالي سائلا إياه : كم ثمن ناقـتك ؟ قال الرجل ألف درهم حـفـظك الله . فأمر أن يُعـطى له ألف درهم وبعـض زيادة . تعـجـب الرجل البابلي وقال: ما هـذا يا مولاي؟ قال الوالي : تلك كانت ناقـتك وهـذا ثمنها وبعـض الزيادة لك ! فاستغـرب الرجل وقال : إن كـنتَ تـقـرُّ بأنها خاصتي ، فـلماذا قـضيتَ وأعـطـيتَ له ناقـتي ؟ .
أجاب الوالي وقال
بسذاجة هـذا الخـبل .. وأمثاله الذين لا يفـرقـون بـين الناقة والجمل .. أصبحـتُ أنا واليهم وسأبقى راعـيهم طِوال الـزمن المقـبل ..
أتريدني أن أعَـلِّمه ليستـنير عـقله ، وغـدا تـُعـرَفُ حـقـيقـتي عـنده ، فأفـقـد ولاءه ولن يفـتح لي صرَّته ، وأخسر الـعُـشـرَ والغلات ، كـنزي في الحـياة والممات ؟ أما أنت فإنك واحد بذكائك ، لا تهمني طاعـتك ، ولا يقلقـني دهاؤك ، طالما أنت بعـيد ولا أقـبل بإقـترابك ، وإلا فستـكشف حـيلتي وتدرك خـدعـتي وتـنزع عـني عـباءتي
قال له البابلي : يعـرف الناس بأنك هـيطل ، يوم نفـضتَ العـباءة يا ذابل ، إبتسمَ الوالي وقال يا عاقـل ، كـبـيرهم في مجلسي غافـل ، وكل مَن في المجلس أهـبل ، أحسبهم كالأصنام ولا أخجل
هـزَّ البابلي رأسه الناجل ، والدرهم الحـرام في يـده يقـول : أفـتخـرُ ! مدينـتي بابل ، أجاهـر بالحق ولا أمهل ، الثعـلب في الغابة ماكـر، وجلده في الأسواق وافـر، والشاري في فـلوسه زاخـر ، ومن يعـيش بالحـيلة يموت بالفـقـر . فالفـقـر ليس دائماً بالمال بل تـراه في الخـُـلق والخـصال
تحية كبيرة أخي ابو مارتن …
لا تعلم كم انني استمتعت وانا استرسل بقراءة نثريتك الجميلة … وكأنني اقرأ في ادب قصة ( الف ليلة وليلة ) قصة تحوي بعدين رائعين وهدفين يوصلان ماضينا في الحكمة وحاضرنا في الحياة
على الرغم من ان هذا الموضوع كتب كما اشرت إلى العام 2001 ألاّ ان روح القصة تنطبق على احداث يومنا هذا ولا تبتعد عمّا سنعانيه غداً ….
(( ما دامت الخراف ستبقى خرافاً والثعالب ثعالباً فالذئاب تخطف ماطاب لها منهم ))
اغلبية شعبنا اليوم يعيش على حكمة (( انطينا دك ورقص وسفرات وخذ منّا كرامتنا مع الهلاهل والرقصات والقبلات على الأيادي المقدسات )) تحياتي
الرب يبارك حياتكم جميً