يوسف جريس شحادة
منتدى أبناء المخلص _ كفرياسيف
مقدمة
تداولت وسائل الاعلام المختلفة اعلان الحبر الأعظم عن “منح البركة” للمثليين، وفي هذا السياق نشر الاب مجدي هاشول تحت عنوان: “هل حقّا شرّع قداسة البابا ومجمع”.
الغريب العجيب ما يقول الاب هاشول: “تناول الإعلان موقف الكنيسة من المثليين الذين يطلبون منها البركة ليتقرّبوا من الله ويعيشوا وفق ارادته وقيم الانجيل” ويضيف الاب هاشول: “الكنيسة معلمة وليس من صلاحيتها ان تنقض تعليم الكتاب المقدس والتقليد الكنسي بما يخص ممارسة المثلية. لكنها تسمح بإعطاء بركة “عفوية، غير ليترجية وغير اعتيادية”
يا اب هاشول هل تعاليم الانجيل تعلّمك قبول المثليين كنسيا؟ اين وجدت في كل الكتاب المقدس عن بركة عادية وليترجية وغير ليترجية؟ وهل منح البركة لقبول المنحرف حسب الكتاب، ولربما في بعض المجتمعات والمفاهيم المدنية لأمر عادي هذا لكن نقارن نحن مع الكتاب المقدس، وهل انت يا اب هاشول تمنح البركة “لمومس” مثلا؟ وهل تناول غير معمّد من منطلق قولك: “الله رحوم ومحبّ وليتقرب من الله؟” وهل مثلا تسمح للسيدات الدخول للكنيسة كأنها ذاهبة لتستحم بالبحر؟ من منطلق “اريد رحمة لا ذبيحة”؟ والله محبة.
وتحت عنوان: “رسالة الكنيسة اريد رحمة لا ذبيحة” يقول الاب هاشول: “ان الله محبة وانه الراعي الصالح الذي يبحث عن الخروف الضال وهو الاب الرحيم.. ” ويستمر ويحاول شرح: “مفهوم البركات الليترجية وشروط تلقي بركة غير ليترجية. وهل البحث عن الخروف الضال يعني قبول المدمن على الخمر والفحشاء ان يحضر لباحة الكنيسة ويمارس…؟
محاولة الخوري هاشول شرعنة وموافقة لما نُشر على لسان البابا بكل الوسائل حتى بتشويه النصوص ومفهوم النص، امر مرفوض، كنا قد نشرنا مادة مسهبة لمعنى “اريد رحمة لا ذبيحة” واستندنا فقط على نصوص الكتاب المقدس بعهديه، هذا لا يعني يا اب هاشول ان الله يريد رحمة وقبول المنحرف حسب تعاليم الله بالكتاب المقدس، عن مفهوم البركة في الكتاب ادناه.
لن ندخل بتفاسير اهداف البابا مما نشر، لكن تحريف التعاليم الكتابية هي جريمة بحق الانسان.
البركة في الكتاب المقدس
مجموعة الكلمات “Eulogeo
” مركّبة من الظرف {Eu} حسَن، والجذر أو الأصل {log} يتكلّم ومن هنا تفيد: التحدّث الحسن، ومن حيث المضمون تدلّ على الرضى لتعبّر عن المدح والإطراء، سواء الأشخاص او ألآلهة، وهنا تقع اللفظة في المجال الدلالي لمعنى : “Eucharisteo” أي يشكر.
فئة الكلمات “Eulogeo
” وردت في الترجمة السبعينية ما يقارب ال 450 مرّة وغالبا ما تُرجمت الى {ברך_بارك} بشكل أساسي، منح البركة بقوّة، وتتضمّن عملية إعطاء البركة وحالة الذي وُهبت له.
لذلك فالبركة في الأصل هي اكتساب قوّة نافعة يستطيع الشخص ان ينقلها لآخرين وهي بذلك تناقض مع قوّة اللعنة المدمّرة {Kataraomai
_ קללה}، في العهد القديم وخصوصا سفر التكوين36 _12 .
+تُصبح البركة مؤثرة بسبب الكلمات جنبا الى جنب مع الاعمال وتستثمر قوة نافعة: أنت الان مبارك الرب {تكوين 29 :26: “أَنْ لاَ تَصْنَعَ بِنَا شَرًّا، كَمَا لَمْ نَمَسَّكَ وَكَمَا لَمْ نَصْنَعْ بِكَ إِلاَّ خَيْرًا وَصَرَفْنَاكَ بِسَلاَمٍ. أَنْتَ الآنَ مُبَارَكُ الرَّبِّ»} الاعمال التي تصاحب اعلان البركة لها دلالتها الرمزية، مثلا وضع الايدي {تكوين} او رفع الأيدي والأذرع {خروج} او التقبيل والعناق {تكوين.} او لمس الثياب او الهُدب { 2 ملوك.} او وضع اليد تحت الفخذ {تكوين}
تعمل البركة الممنوحة دون شرط او قيد لا يمكن الغائها فهي دائمة، تكوين و2 صم، مناسبات مختلفة للبركة عند لقاء شخص او مغادرته راجع تكوين والميلاد راعوث وقارن لوقا والزواج والموت تك.
انتبه خاصة لبركة الوارث، قبل ان يموت رأس العائلة فهو أساسا ينقُل قوّته لابنه البكر، يستطيع أي شخص ان يبارك_يلعن ولكن اعطي بعض الأشخاص سلطانا ليباركوا ليلعنوا، ملكيصادق: تك وبلعام الرائي العدد 22 والقادة الملهمين مثل يشوع
كانت البركة في الأزمنة المبكّرة لها صفة متبادلة فيمكن من اعلى شأنًا او أدني شأنًا ان يمنح البركة مثل ملكيصادق وإبراهيم ويعقوب مع فرعون تكوين
تعطي البركة خصوبة للناس سفر التكوين، وفي الماشية والأرض وهي تعمل تصاعديًّا بالنمو المستمر في الأجيال المتتابعة وافقيا في السلام والامن من الأعداء {انتبه لأفقي وعامودي رمزا ودلالة للصليب}
قصة بلعام {العدد} تبرهن سلطة الله على المباركة، قصة بلعام العراف والله إله إسرائيل هو صاحب السلطان لنطق البركة. ان نطق البركات في قصة بلعام لها مكانتها الحقيقية في النطق الرسمي للبركات واللعنات قارن سفر التكوين والتثنية ان البركة تعود الى لغة الرائي وهي تختلف عن وعد الخلاص النبوي من طريقة وصفها للخلاص مثلا العدد.
ان الحادثة الفاصلة في فهم البركة في تاريخ إسرائيل يرد في المقدّمة التمهيدية لقصص الإباء قارن تك 12 حيث يشمل النص على وصية ثلاثية ووعد سداسي.
في الوصية الثلاثية ينبغي على إبراهيم ان يترك ارضه وعشيرته وعائلته واضعا حدًّا لنهج الحياة المستمرة من اجل ان يرتحل تجاه مصير مجهول وغير واضح.
في الوعد السداسي يرد الجذر “ברך” 5 مرات وتصبح البركة موضوع وعد الله للأزمنة المستقبلية في التكوين 12 لم يدعَ الابن بشكل خاص كالموعود فيه فالبركة لابراهيم، بل البركة هي امة عظيمة والاسم العظيم الذي ستناله هذه الامة يجيء موافقا لفترة داود وسليمان قارن 2 صم.
على كلٍّ فان سفر التكوين يأخذ بتقليد ابن الموعد والازدهار في القصص الابائية تكوين العبارة الختامية: “تتبارك فيك جميع قبائل الأرض” تك، تفهم هذه الجملة في سياق نص التكوين 11 _1 حيث تُذكر خمس لعنات على الجنس البشري وفي المقابل تك تضع “امام” كل قبائل الأرض.
تاريخ البركة يشمل التحرر من النير الباطل تك 17 :3 والتيه تك 12 _11 :4 والعبودية 25 :9 وخراب ودمار الأمم تك 9 _1 :11 وهكذا فان نص التكوين 3 _1 :12 يمدّ جسرا بين تاريخ الآباء وبين الامة البشرية بوعد البركة.
بعد استيطان إسرائيل في كنعان بدا صراع واحتدم بين آلهة البعل البعليم والله الذي اخرجهم من مصر وظهرت حدة الصراع في الروايات عن إيليا النبي 1 مل 19 _17.
يمكن فهم البركة في سفر التثنية ان تنال كل الامة عطايا المجتمع المتحضر كبركة من الله تثنية وعبّر عن بركة الله في مصطلحين من هذا العالم. وهذا نقيض لمفهوم البركة في التكوين 24 و 18، انتبه ان سفر التثنية هنا لا يتحدث عن البركة في شكل وعد غير مشروط، لكن الوعد في جملة محدّدة: “وان سمعت سمعا لصوت الرب…” تث 28 فالوعد اذا هو مادة عهد بين الله وإسرائيل فعلى إسرائيل ان تلتزم بحفظ هذا الوعد.
الجانب العكسي لهذه البركة المشروطة هي اللعنة التي تلازم اخفاق إسرائيل في حفظها لالتزامها هذه هي دلالة الوصية في التثنية لوضع البركة على جبل جرزيم واللعنة على جبل عيبال وهما الاختيارين الذي ينبغي على إسرائيل ان تختار بينهما تث 19 .
الى جانب الله المانح الحقيقي للبركة فهناك وسطاء للبركة: الملوك والانبياء والكهنة ودور الملك ليس بأمر بارز ولكن الوعد الذي أعطاه ناثان 2 صم يُظهر ان الملكية الداووديّة توصل البركة فقد كان الهيكل الأول في اورشليم مُكرّسا بعمل البركة المزدوجة بواسطة سليمان قبل وبعد صلاة التكريس 1 مل، والمدى الذي يظهر فيه الملك كجالب البركة يظهر بوضوح في النصوص الذي تتكلم عن ملك جديد_المسيح الذي سيُجْلِب البركة لامته والسلام والرفاهية اشعياء
كان جزء من مهمات الأنبياء الأوائل هو ان يتشفّعوا من اجل بركات الله على الامة مثلا إيليا في 1 مل واليشع 2 مل وعاموس.
أعلن الأنبياء المتأخرون السعادة وذلك في عمل الله في المستقبل والتي صوّرها كأنها خلاص ارضي ورُؤِيَت كأنها مملكة سلام مسيحي قارن اش وزكريا 9 وحياة هادئة مزدهرة، ميخا وصفنيا وعيشة رخاء اشعياء، وهلاك الأعداء وسعادة عامة وشاملة.
البركة لها الدور الهام في العبادة الإسرائيلية ويظهر ذلك في تدشين سليمان للهيكل 1 مل، فالهيكل كمكان مقدّس هو المكان الحقيقي لنوال البركة للامة والأرض.
كانت تُمنح البركة للأعضاء أي جماعة العبادة عندما يرجعون لمنازلهم، قارن مز الخ. وكانت الجماعة تجيب بتسبيح الله مستخدمة الكلمة نفسها “ברך
” مزمور.
ان لاهوت البركة في التقليد الكهنوتي يستلزم وجود بيوت العبادة، لذا فمنح البركة هو امتياز خاص بالكهنة اللاويين فيخبرنا سفر اللاويين بأول نطق بالبركة الكهنوتية في نهاية اول خدمة للذبيحة في خيمة الاجتماع وقد تثبّتت بظهور مجد الله.
يُسجل سفر العدد كلمات البركة الكهنوتية لتُقال في نهاية كل خدمة عمل في العبادة: “يبارك الرب ويحرسك..” هذه البركة المقفّاة تنقسم الى ثلاثة اقسام أجزاء، كل منها يصف بركة الله وتسرد مواعيده، حمايته ونعمته والسعادة والسلام والاطمئنان بينما مفهوم البركة في التكوين يحتضن ويشمل الكل وفي النهاية يقصد الله ان يبارك كل البشرية.
إعلانات البركة والتسبيح في اليهودية الربانية واسعة الانتشار هي ففي القطعة الأولى من المشناة لفيفة البركات “ברכות” التي تتضمّن تسابيح عديدة وتقدّم بالصيغة “مُسبّح الرب” ولقد كان الرابيّون على علم بالتسابيح اللائقة لمعظم الحالات المتنوعة الأكثر انتشارا للحياة اليومية والدينية.
لا يقدّم العهد الجديد توضيحا لمفهوم وعمل البركة الأساسي ومجموعة الكلمات التي تشترك مع الجذر Eulog
ترد 67 مرة في العهد الجديد وكثيرا ما نجدها عند لوقا ورسائل بولس.
يرد المعنى الجماليّ لِ Eulogia في اللغة اليونانية الكلاسيكية ويلمّح اليها في صورة استنكارية في رومية 18 :16: “لان مثل هؤلاء لا يخدمون…”.
لأكثر من أربعين مرة يحمل الجذر Eulog
معنى التسبيح والتمجيد والصفة Eulogetos تعني مبارك مُسبّح وهذا اشتقّ من المعنى العلماني اليوناني ويعني تكلم حسنا وفي السبعينية مبارك الله أي مسبّح الله وفي هذا السياق تأخذ شكل التمجيد، تسبحة زكريا لوقا 68 :1 وفي بعض الرسائل 2 كو 3 :1 واف 3 :1 و 1بط 3 :1 “مبارك الله” وشكل آخر للتمجيد موجود في اقحامات قصيرة للتسبيح في رسائل بولس، رو 25 :1 و 2كو 31 :11 وقد استطالت التسبحة في رو 13 :5 و 12 :7 .
ان تحيات الرئيس لا تعبّر عنها بالصفة التمجيدية Eulogetos باسم الفاعل في الماضي الكامل المبني للمجهول Eulogeo _Eulogemenos
هذا لا يمثّل فقط التسبيح والتحية ولكن الاعتراف بان الله قد بارك الشخص المعني.
يسوع على سبيل المثال، رُحّب به عند دخوله اورشليم بهتاف النصر مر 9 :11 ومز 26 :118 وهذا الترحيب هو نفسه أيضا ترحيب بمجيء ملكوت الله والذي يصاحب مجيء المسيح مر 10 :11 ويُطبّق على مريم ام المسيح لو 42 :1 .
يشهد العهد الجديد على العُرف اليهودي لتقديم التسبيح في المناسبات المختلفة على مسيرة الحياة اليومية لو 53 :24 و 34 _28 :2 و 64 :1 و 1كو 16 :14 ويع 10 _9 :3 وحسب هذه النصوص فان يسوع نطق بالبركة كصلاة على المائدة قبل وبعد تناول الوجبات مر 8 _4 :6 و 7 :8 و 23 _22 :14 ولو 24 :30 وكتواز بين euloeo و eucharisteo
نجد في مرقس 7 _6 :8 و 23 _22 :14 تظهر البركة على الطعام بانها تقدّم الشكر للخالق على العطايا.
حيثما ترد فئة الكلمة Eulogia
بمعنى “بركة_يبارك” 28 مرة في الاناجيل الازائية فان فكرة البركة واضحة في ثلاثة مواضع: مباركة الأطفال وتكليف يسوع للاثني عشر وعند ارتفاع يسوع القائم تاركا اتباعه.
في الأولى وضع يديه على الأطفال ومباركتهم راجع مر 20 _13 :10 والثاني تكليف يسوع عند متى 16 _1 :10
والثالثة بركة المسيح القائم في لوقا 52 _50 :24 وجود الربّ المُمَجّد مع كنيسته، راجع متى البشير 20 :28 قارن تكوين 3 :26. يستخدم بولس مفهوم البركة بشكل مدروس ويعطيها شكلا خلاصيا خريستولوجي، انظر غلاطية 8 :3 مقارنة مع التكوين 8 :12 فيك تتبارك: “فيمكن ان نقول ان بولس رأى الان إتمام الوعد بالبركة التي وعد بها إبراهيم على انه عمل المسيح في الفداء. ولم تعد البركة بعد في امة عظيمة او في اثمار ارض ولكن في روح المسيح الموعود به غل 14 :3.
يفسر بولس العلاقة بين البركة واللعنة خلال المسيح الذي حمل لعنة الناموس بموته غل 13 :3 ونال المؤمنون من كل الأمم بركة فداء الله في المسيح غل 14 :3 قارن افسس 3 :1 واع 26 _25 :3، العبارة في رو 29 :15 “بركة انجيل الحق” تعني تأثير كرازة المسيح في الكنيسة {Eulogias christiu
}.
والعلاقة بين البركة والعطايا راجع تكوين 11 :33 تظهر في 2 كو 6 _5 :9. تجعل اللغة العبرية ملء استخدام مفهوم “بركة ” في قصص الاباء تك 17 _16 :22 و16 _15 :48 قارن عبرانيين 12 :6 ومتى 34 :25.
ونضيف نصوص ذات طابع تهذيبي عن البركة لو 28 _27 :6 ورو 14 :12 و 1 كو 12 :4 و 1بط 9 :3.