د. فراس لوقا
ينظر الناس إلى رجل الدين نظرة احترام وإجلال، هذا الإنسان الذي كرّسَ حياته لله وللناس، زاهدا بالحياة ومفاتنها ومُغرياتها. طيّب المعشِر في العادة، ومتسامح يدعو إلى السلام ويجمع المتخاصمين، ويشجعهم على الغفران والعفو عند المقدرة. يحمل خصالا وقيما ممدوحة، وهو قدوة حسنة في أفعاله واقوالهِ، فيختار ألطف العبارات أكثر الكلمات تهذّبا، ويتأنّى في التعبير عن مشاعره، ويكتم غضبه صبورا، متحملا الإهانات والشتائم من دون انفعالات. لا يكذب أو يتحايل أو يراوغ في الكلام. ولأجل ذلك يستحق كلَّ التقدير والمهابة.
ولكن، لم يسمع عن رجل دين، يتفاخر على الملء بالشهادات الأكاديمية التي حصل عليها، ويتغنّى بعلمه، ويتكابر على الآخرين بمنصبهِ؟ يُهرولُ وراء التقاط الصور مع الرؤساء والوزراء والمدراء والضباط والجنود والمراتب والصحفيين والكتاّب ورجال الأعمال؟ مغرم بمظهره البطولي أمام الناس، يبحث عن المقاعد الأولى في المجالس، ويُريد أن يكون كلَّ يوم خبرا اعلاميا في كل القنوات الإعلامية، مهما كان مضمونهُ؟
لا يفقه رجل الدين هذا، أن كثرة الظهور الإعلامي سيجعله مادة إعلامية مستهلكة شكلا ومضمونا. كما لم يفهَم أن تكرار الجلوس أمام الكاميرا، والحديث في قضايا سياسية لا يفهم ابجديتها سيظهره متحالفا مع جبهة بالضدِ من جبهة أخرى، حتّى وإن لم يُسميها بعناوينها الصريحة. لا يدرك أنَّ انفعالاته امام الكاميرة ستجعله يفقد التركيز ويطلق تصريحات غير مدروسة وبالتالي سيعرضه للمُسألة القانونية؟ أو قد يكون فكر أن له حصانة وأن أصدقائه السياسيون الذين يتزاور معهم من أجل تعظيم صورته أمام الناس وتحسين سمعتهِم، سيكونون إلى جانبه ويتخلّون عن مصالحهم الشخصية والحزبية من أجل مساندته في منازلته مع معارضيه؟ كيف لم يفقه لعبة السياسة المبنية على المصالح سيكون لها كلمة الفصل، وأنه سيكون في مثل هذه الأجواء ضحيّة صراعات أحزاب، متأسفين على مصيره، أسف وامتعاض في الاعلام فقط، ليقولون له لقد أصدرنا بيانا يشجب ويندد ويستنكر ويستهجن و يستقبح ويعترض على ما حصل.
القانون يحرم ويجرم التشهير بالناس مهما كانت سلوكياتهم وفساد ضمائرهم، ومكانة رجل الدين واحترام الناس له لا تعطيه الحصانة والحق مطلقا في دينونة الناس علانية ليس قاضيا، ألم يقرأ: لا تدينوا لئّلا تُدانوا؟
التشهير بالناس والإشارة إليهم في القنوات التلفزيونية سلوك أقلّ ما يُقال عنها أنه تصرّف طائش وانفعالي ولا يليق برجل الدين، ومن حق أي مواطن تعرّض إلى الإهانة والتجريح في الإعلام أن يرفع شكوى على من اقترف هذه الطياشة ليستفسِر عن الغاية من وراء هذا التقسيط الإعلامي؟ ولصالح من يتم هذا التقسيط؟
الأجدر برجل الدين، وهو الانسان الروحاني والمثقف أن يعلِم الناس اللجوء إلى التسامح والمغفرة عند المقدرة، واللجوء الى المحاكم والقضاء. ان يُعلمهم التلفظ بتعابير لائقة، ويبتعدوا عن الكلام السوقي البذيء، ويكون هو قدوة حسنة في كل ما يعلمهم. عليه أن يكون فطنا ومتمدنا وأنيقا في اختيار تعابيرهِ، وألا يستخدم عبارات تثير مشاعر الكراهية والحقد ضدَّ هذا أو ذاك من الناس، مهما كانت أفعالهم سيّئة.
عندما يفقد رجلّ الدين توازنه إعلاميا، ويتخبط في مواقفه، فيقول مثلا أنا لستُ سياسياً، ثم يدعو جهة سياسية إلى المشاركة في الحكم وإدارة الدولة، فهذا تدخل فاضح في الشأن السياسي؟ عندما يتوعد الحكومة بأن هناك تجمعات (لوبيات) في هذا البلد وذاك، هي مساندة لك، وستتحرك من أجل قضيته، فهَل يرغب في تهديد الأمن الوطني وإثارة الفتنة بين الناس وبين الفرقاء السياسيين؟ هل يريد من حلفائه أن يتجاوز القانون، ويواصِل إهانة معارضيه وتسقطهم إعلاميا، من دون حسيب أو رقيب؟ أوليس ذلك سلوكا يماثل السلوكيات التي ينتقدها هو في الآخرين، ويتهمهم بأن هناك دولا وأنظمة عالمية تدعمهم، فكيفَ ينهى عن خلق وتأتي بمثله؟
ولكن، لأنه ليس مختصا في الإعلام، ولكونه يبحث عن الظهور والاستحواذ على الشاشة، بحجةِ كشف الحقائق بجرأة وشفافية، وبيان مفهوميّته ومرجعيّته في كلِّ القضايا، سيقع في زلات لسان ويرتكب هفوات، وينتقده الناس. ومثل هذه الشخصية لا تتحمّل النقد في العادة، فيمتعَض ويغضب، ويسوء أداءه الإداري، لأنه لا يفكّر ولا يتصوّر للحظة أن كثرةَ الظهور الإعلامي في قنوات مدعومة من جهات سياسية بالضد من جهات سياسية اخرى سيجعله معرضا للانتقادات من محللين يتوقفون عند كل كلمة، وهناك مَن يراقبون لغة جسده وتحركاته وانفعالاته التي تظهر على الشاشة، وسيكتشِف المختصون التوتّر الذي يشعر به والخوف الذي يعتريه، وينكشف ضعفه أمام الناس، وهذه أزمة محرجة بالنسبة له، هو الذي يحاوِل تسويق صورة مثالية عن نفسه، ففقد أصبح رجل السياسة الذي يتوسّل القنوات الإعلامية لتستقبله من أجل تسويق برامجه السياسية، ليحظى بما يتمنّاه من امتيازات اجتماعية، وليعلِن: أنا السلطان والقاضي والأمر والناهي، والدليل كمَّ البيانات والرسائل التي وصلت مؤيدة لي من كلِّ حدبٍ وصوب، من دون أن يتقصّى عن هذه الجهات وما هي نواياها الخفيفة من وراء مساندته، فالمثل يقول، عدو عدوّك صديق.
مسكينٌ هذا الزعيم، ففي عصر التواصل الاجتماعي، مدّة كلَّ أزمة إعلامية هو أربعة أيام، وستنتهي بعدها هذه الأزمة الإعلامية، لتواجه الحقيقة التي لا يُمكن الهرب منه، وهو القضاء، فهو مواطن يؤمن بالقانون والقضاء، ويعترف به، ولا يصح التصريح طيشاً بتدويل القضية، فكل الدول تحترم الإجراءات القضائية، حتّى لو تأسفت ونددت اعلاميا.
وأقول لكلِ مَن يُطلب من الرئيس سحب قراره وارجاع المرسوم، لقد فقد المرسوم قيمته المعنوية الآن. يكفي استجداء. فلو افترضنا جدلاً أن الرئيس سحب قراره، سيكون مثل إرجاع المُصاصة للطفل الذي سُحبتَ منه، فيبكي ويذهب إلى زاوية الغرفة ويصرخ ويضرب يديه ورجليه في كل مكان، فيتوسل الجميع: اعطيه المُصاصة وخلّصنا، والله بعد ما يسويها.
من بغداد أقول، أللهُمَّ اشهد أني بلغّتُ.
وللحديث بقيّة.
: بالاضافة الى ما تفضل به الأخ فراس لوقا المحترم، نود ان نضيف ونسأل السؤال التالي
ما معنى وجود رجل دين مستبد ومتكبر وظالم على رأس كنيسة مقدسة، وهو يقوم بمحاربة الرعية وخداعهم وتضليلهم منذ بداية اعتلائه للعرش ولحد الآن، ويرتكب حماقات وآثام، وينحاز الى فعل الشر، ويرعب ويرهب ويشتم ويسب رجال الدين ( اساقفة، كهنة، رهبان )، ويشوه سمعتهم في الأعلام، ويطرد البعض منهم ، لكونهم لا يركعون الا لله ، ويعارضون افكاره المزيفة ومعتقداته الهرطوقية، على الرغم من انهم يتصفون بالنزاهة والأمانة والاخلاص والتواضع وبقلوب بريئة ونظيفة وخالية من الغيرة والحسد والحقد، ولا يمارسون النفاق والخداع وتسطير الأكاذيب، ولا يزرعون الشكوك في ايمانهم، وانما يلتزمون بوصايا ربهم والههم يسوع المسيح له المجد، ولا يشبهونه بموسى ومحمد، ولا ينكرون بتولية امه الطاهرة مريم العذراء ؟
: من اقوال الحكماء نذكر ما يلي
“اولاً : “الانسان الملوث داخلياً لا يستوعب وجود بشر أنقياء
“ثانياً : “ويل للظالم من دموع مظلوم لا تجف .. وقلوب ترفع شكواها الى خالقها