يُحـكى عـن ملِـكٍ في قـديم الزمان كان يحـكـم شعـبه بَـطشاً وظـُـلماً في كـل أوان ، يُـكـلـّمهـم بهـذيان تارة ، وتارة أخـرى بفـلـَـتان ، والناس أصاب لسانهـم السوَفان وحـتى أغـلب عـقلائهم صاروا كالخـرفان ، يصيح عـليهـم ( باع ) فـيستجـيـبـون له ( ماع ) وهـم أبناء الـذوات أصحاب القـلاع . وذات يوم خـطر بـباله فأراد أن يَعْـرف مكانـته عـند شعـبه وتـقـيـيمهـم لجـنابه ، فـجـمع وجَهاءهم مع الرعـية في مجـلسه ، ولكي يضمن صراحـتهـم معه في ديوانه ، قال لهـم :
أسألكـم سؤالاً وأريد من كـل واحـد جـوابه بصراحة وإلاّ فالويل له ، يجـلب الوبال عـلى نفـسه وآمرُ بقـطع رأسه :
مَن الذي جـعـلني ملِكاً عـليكـم ، هـل الله جَـلّ جـلاله الذي أنا أعـبده ، أم أنـتم أحـبـبتُـموني وإخـترتموني لأملِـك عـليكـم بشريعة الله وتعاليمه ؟
ذعـر الوُجهاء في حـضرته وجـميعـهـم واقـفـون أمامه وصار كل واحـد يرتجـف في مكانه خـوفاً من أن يـبـول عـلى نـفـسه ، ولا يدري بماذا يجـيـب كي يسلم من عـقابه ، فإضطر أحـدهـم إلى الإجابة أولاً ، وكـُـلـّه أمل في أن ينال حـظوة عـنده ، فـقال :
يا فـخامة الملك إني أجـيـبك صراحة ، إن الله سبحانه يحـبّـنا كـثيراً فـبعـث بك إلينا ملكاً ، وكـلنا لك سمعاً وطاعة……. فـرَدّ عـليه الملك وقال له : ( لست صريحاً يا جـبان وسوف يُـفـصل رأسك عـن جـسدك الآن ) .
تـقـدّمَ وجـيه ثان وقال :
سيدي الملك ، أنا لا أقـبل بالهـوان أجـيـبك كالشجـعان ، فـنحـن إخـترناك مَلكاً عـلينا مدى الزمان ……. فـقال له الملك : ( يا منافـق ، أنـت لم تـقـبل بالهـوان بل قـد صرعـك الهـوان ، واليوم سوف يَضربُ السيفُ عـنقـَـك بلا هـوان ) .
أما الثالث فـقال : يا جـلالة الملك تستحـق كـل المُـلك ونحـن دونك ، وأنت كـفـوء بقـدرتـك عـظيمٌ شأنـك ، والله بعـثـك إلينا ونحـن نحـبّـك ……. فـقال له الملك : ( أنت أكـثرهـم كـذباً وبهـتاناً ، سآمرُ بفـصل جـسدك لـيؤتى أمامي برأسك ) .
وأخـيراً تقـدّم (( رابع من عامة القـوم )) وجاء إلى الأمام وقال :
يا أيها الملك العـظيم ، جـواب هـؤلاء جـميعـهـم لا يفي بالمرام ، فالرأس عـزيز والنفـس ضعـيفة والصراحة شيمة المقـدام ، فها رأسي أمامك أولاً ! لأعـتـرف لك بالتمام : الله لم يُرسِـلكَ لنا ، ولا نحـن إخـترناك لـتـقـودنا ، ولا أنت مستحـق هـذا المقام بـينـنا ، بل إن الحـقـيقة التي يجـب أن تُـبان هي أنـنا شـلة شعـب منافـق وجـبان !! في غـيابك نكـثر عـليك الشتائم في الديوان ، وفي حـضورك نقـبّـل يدك ونرفـع من منزلتك فـوق كل إنسان ، لـذلك فإنـنا نستحـق واحـداً مثلك في هـذا الزمان ، أترك الإيمان ولا تـقِـس بالقـبّان ، ولتكـن أنت عـلينا ، لا سيفاً واحـداً بل سيفـين ! …….. نهـض الملك معـجـباً وقال : (جُـرأتك لا تـقاس بالميزان يا إبن القـنان ، ومن بـين شعـبي لم أرَ مثلك شجاعاً إنساناً ، فـلكَ مني مكـرمة ومكانة وصولجان ، بعـد موتي وليس الآن ) .
لو دعانا الملك الولهان وحـضَرنا عـنده في الديوان ، يسألنا لغايته دون أنْ يأخـذ جـوابنا بالحـسبان … فـهل سنماثل الوجـيه الأول في جُـبنه ؟ أم نـتـشبّه بالثاني لـنـفاقه ؟ أم سنـقـلـد الثالث في تملقه ؟ أم نـُحاكي الرابع !!! إفـتخاراً بعـزة نفـسه وأصالته ؟