الحـلـقة الأولى
بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني ــ
نـشر رابي نوئيل فـرمان السناطي مقاله ((بين الكـرّ والـفـرّ، مرحلة جـديدة بشأن خـيار الكهـنة المتـزوجـين والعـزاب)) ذكـر فـيه عـن الأخلاقـيات والتحـديات العاصفة بالكـنيسة ، موحـياً بأنه من طبقة الـتـقـدميّـين وجـماعة التحـرّريّـين ، يلـوم شريحة المتعـصبـين الـداعـين إلى التمسك بالأصل والتي يسميها ــ الرجـوع إلى الـوراء… أي متخـلـفـين ــ ثم يـؤيـد الـفـتاوي المجـددة للـﭘاﭘا فـرانسيس ، وبالإتجاه ذاته لـتـطلعات الـﭘـطرك لـويس ، وخـلـص إلى الـقـول :
((أن إقـتصار الكهـنـوت اللاتيني عـلى العـزوبـية ، ليس حالة عـقائـدية ، وأنه لا مناص من العـودة إلى معالجة الخـيار الآخـر في هـذا الشأن ، عاجلا أم آجلا)) ….
نـفهم من تعابـيـره ((لا مناص ، عاجلاً أم آجلاً)) !! أن في نهاية المطاف لا بـد من إتاحة الـفـرصة للأخـذ بالخـيار الآخـر أي زواج الكهـنة. والحـقـيقة إن ذلك ليس من إستـنـتاجاته وإنما ضرورة الحالة والـواقع ستـفـرض ذاتها يوماً مثـلما نـرى ملامحها ونـلـمسها الـيـوم … إني أراه ملـزَماً لـلـدفاع عـن هـذا الخـيار ربما ــ لكـونه متـزوجاً ــ .
عـن تأيـيـده للـﭘـطرك لـويس ، أقـول له :
جـيـد أن تـدعـم حـسنات سـيـدك أياً كان ، ولكـن ألا تـشعـر أن واجـبك يقـتـضي أيضاً تـنـبـيهه إلى سـلـبـياته حـباً به كي يتجـنبها وذلك لصالحه ؟ . بمعـنى إنْ كان رابي نـوئيل السناطي رجـل محـبة وإصلاح ( ومن الكهـنة ـ الكـتبة المقـربين إلى غـبطـته ) ويشجـع حـسنات الـﭘـطرك لـويس ويـذكـرها عـلـناً أمام الـناس والتي إستـلم إكـراميتها ــ إيفاداً سياحـياً ــ كـمسؤول سكـرتارية البطريركـية لـفـترة معايشة منعـشة لا بأس بها لأنّ مَن يتعـب يلعـب … أقـول: أما كان الأوجـب بالرابي أن يكـون جـريئاً ، ورجُـلَ خـير لـيُـقـوّم مُهـتـرئات الـﭘـطرك ذاته وعـلناً أيضاً بما ينـسجم مع نـظام الكـنيسة ، فـينـبّهه إلى زلاته ؟.
كما فـعـل مار ﭘـولس مع مار ﭘـطرس وأمام الـناس دون تـردّد ، ولم يتحـسّـب أنه خـلـيفة المسيح هامة الرسل ، لأنه كان يستحـق اللـوم ولم يقـل ( أخاف يـزعـل ) ؟ … عـلماً أن صاحـب الغـبطة لـويس ساكـو نـفـسه وهـو الـقـدوة ، نـشر عـلـناً سلبـيات بعـض المطارنة ــ المكافـئين له في الـ درغاً ــ ! فهـل يمنع أحـداً محاكاته ؟ يا أخي : إذا عـرفـتَ الحـق فالحـق يحـرّرك … المسيح الحـق يحـررك إنْ عـرفـته ( الأمثلة موثـقة ) . … حـبـذا لـو تـتأمّـل أقـوال ساكـو الـﭘـطرك ، وأنت حـر في الأخـذ بها أو رفـضها :
(1) ليس بوَسع إنسان مسؤول وشريف أنْ يكـتـم كـلمته لأنَّ الصَّمت مَوْت لـلـذات وللآخـر
(2) لم تبـقَ في الكـنيسة عـقـلية نخـبة تملك السلطة والبقـية تـطـيعها
إن الغاية هي إصلاح كـل مَن يـزيغ عـن طريق الحـق ، فحـين تـذكـر إيجابـيات الإنسان فـقـط ــ دون سلبـياته ــ هـو نفاق بعـينه لا يناسب شخـصكم كـكاهـن يهـمه رضا الله وليس الإنـسان ! بل في رأيي هـو غـدر قـبل أن يكـون إخلاصاً وإحـتـراماً ! . فأنا حـين أحـب شخـصاً وأجُـلــّه ، لا أخـدعه بتملـق ولا أقـول له (( منـوّر )) وشعاع الـنـور لم ينبعـث من وجهه ، ولا أتجاهـل أخـطاءه التي تـشـوّهه عـنـد الغـيـر ، بل أنـبّهه إليها فـيُـصلِحها لـيـرتـقي في نـظـر الآخـرين ! . إن رابي نوئيل السناطي لم ينـتـقـد الـﭘـطرك لـويس يوماً ، عـمّا يفـتي به من تـصريحات تستحـق الإنـتـقاد فعلاً ولصالحه سواءاً كانت أخـطاءً تأريخـية ، عـقائـدية ، إجـتماعـية ، سياسية ، أدبـية ، بل وحـتى لـفـظية … أمّا إذا كان ــ رابي ــ فاقـد الجـرأة ، فـفاقـد الشيء لا يُـعـطيه ، وهـو معـذور.
المهم في موضوعـنا ، طالما أن عـزوبـية الكاهـن أو زواجَه إخـتياري يخـص ــ مشاعـره الـذاتية ــ فـفي نـظري ، يكـون أولى مناقـشته مع الطلاب المقـبلـين إلى التسجـيل في معاهـد الكهـنـوت لأنه يخـصهم ولـيس غـيرهم ، أما نحـن المتـفـرجـون من خارج حـدود ساحة الملعـب نعـطي رأينا لصالحهم حـين نلاحـظ عـنـد الإكـلـيروس ( بتـنـوّع درجـتهم ــ درغـهم) زيغاناً ، شـذوذاً ، إنحـرافاً ، إستغلالاً ، إهمالاً ، ظلماً ، حـراماً وغـيرها …. كي يعـرفـوا أنهم تحـت المرصاد فـيـتـحـفــّـظـوا إلى الـحـدّ الـذي يصون كـهـنـوتهم.
ثم ينـتـقـل السناطي إلى كِـتاب ــ لا تـنـسونا ــ للـﭘـطرك لـويس الـذي يُـعـبّـر عـن رأيه بهـذا الصدد:
((لا يمكـن البتّ أن الكهـنة العـزاب أفـضل من الكهـنة المتـزوجين ولا العكس . بإعـتـقادي أن البتولية – العـزوبـية هي إخـتيار وهي دعـوة خاصة . ويتـوجـب عـلى الكـنيسة أن تـقـبل كلا الحالتين : إذا كان لأحـد ما ، الموهـبة لأن يـبقى عازبا هـذا أمر جـيـد ، ولكـن بالنسبة إليّ ، ليست الـدعـوة إلى الكهـنوت مرتبطة بالعـزوبـية. وبإعـتـقادي إن الكـنيسة في الغـرب ، سوف تـتـدرّج ، مع الزمن ، نحـو هـذا الإتجاه بسبب قـلة الكهـنة والثقافة المتغـيرة)) .
كـنت أتمنى أن يكـتب الفاضل السناطي وهـو كاهـن في الكـنيسة التي يفـتخـر بها ، ويسأل غـبطة الـﭘـطرك وكل مَن يرى نفسه جـديرا بالإجابة من أجـل تـنـويـرنا عـن: أولاً :
يستخـدم الـﭘـطرك لـويس كـلمة ــ بإعـتـقادي ــ !! بصورة يموّه عـلى القارىء البسيط كأنها (( ظـن )) !! وفي الحـقـيقة إن الإعـتـقاد من العـقـيـدة ، فالأمر يكـون إيماناً محـسوماً مسبقاً وليس ظـناً قابلاً للصح والخـطأ مثـلما أقـول ــ أنا أعـتـقـد بالله ــ فالأمر مؤكـد عـنـدي .. وعـليه فالـﭘـطرك يرى نـفسه فـيلسـوفاً عـلى غـرار المـفـكـرين . إنه يستخـدمها في مقابلاته مثـلما أوردها في كـتابه ( آباؤه السريان ) فـنـكـر بتـولية مريم أم المسيح بمعـناها المألـوف الـذي تُعـلـّـمنا إياه الكـنيسة ! ومـؤكـداً أن المراد بها معـنـوي وليس مادياً ! … حـيث يقـول : ((بإعـتـقاديليس المقـصود المفهـوم المادي الضيق ، بل المفـهـوم الـروحي )) ويضيف: ((مريم بكـر في قـلـبها)) !! ومع الأسف فالـﭘـطرك لم يـؤكـد لـنا إنْ كانت مريم أم الله المسيح ، بكـراً في كـبـدها أيضاً أم لا.
إذن ساكـو يعـتـقـد! بأن ولادة المسيح كانـت طبـيعـية كما وُلِـد أي منا ! …. وهـنا حان الوقـت لنـسأله : إذا كانت بتـولية مريم العـذراء بإعـتـقادك روحـية وليست مادية ، مخالـفاً المعـنى الـذي عـلـّـمتـنا إياه الكـنيسة ، أليس حـريّ بك وأنت الـقـدوة والرئيس والمرجع والكـردينال والأب ــ وغـيـر شـكـل ــ !! أن تـصحح لـنا وأمام جـميع المسيحـيـيـن في كـرازاتـك ، مفهـوم الكـنيسة الخـطأ كي يكـون إعـتـقادك الـفـذ هـذا واضحا دون إخـفائه عـنا !. وإستـناداً إلى إعـتـقادك هـذا ، يمكـنـنا الـقـول أنـنا لـن نكـون بحاجة إلى مناقـشـتـك ولا الإستيضاح منك بشأن عـقـيـدة ((المحـبول بها بلا دنس أصلي)) لأن أمرها محسوم عـنـدك أصلاً لصالح معـناها المعـنـوي (( لا مادي ))… ولا يسعـنا إلاّ أن نـقـول : يا حـيـف عـلى مطارنة سنهادسـك. ثانياً :
إن زواج الكاهـن أو عـزوبـيته ــ معـروفة لـدى الجميع منـطـقـياً وتأريخـياً ــ ! إلاّ أن رابي نـوئيل فـرمان يـوضحها في مقاله وكأنها غامضة دون أن يضيف شيئاً جـديـداً ، فـيقـول : إنها ليست مِن صُلـب العـقـيـدة المسيحـية! ((يا أخي ، مَن قال أنها مِن صُلـب العـقـيـدة المسيحـية؟؟ )) وهـل تـظن أنّ القارىء ساذج لا يعـرف أنّ خـلـيفة المسيح مار ﭘـطـرس كانت له زوجةً ؟ بالإضافة إلى الإسـتـنـتاج المنـطقي أن المبشرين الأوائل بعـد قـيامة المسيح مباشرة وإجـتماع الرسل في أورشليم وما تلاه من إجـتماعات عَـبر الـزمن مع المؤمنين ، كانـوا خـليطاً عـزاباً ومتـزوجـين ، مَهامّهم أسمى من أنْ يفـرزوا هـذا عـن ذاك ، بل في بـداية إنـتـشار المسيحـية ولسنوات طويلة ، لم يُسَـن قانـون يمنع زواج رجـل الـدين ولم يـوصِ به أحـد . ملاحـظة مهمة أذكــّـرك بها:
من الطبـيعي أنّ ــ خادم الـمـذبح يأكـل من الـمـذبح ــ … ولكـن في الـوقـت ذاته يقـول الـرسول ﭘـولس : (( كـنا نـشتغـل بتعـب وكـد ليلاً ونهاراً ، لكي لا نـثـقـل عـلى أحـد منكم )) ….. ولهـذا السبب فإن رجـل الـدين في الماضي كان يعـمل بعـرق جـبـيـنه بـفـرح وقـناعة ، لضمان رزقه بالإضافة إلى مهـمته الـتبـشيرية ولم يتـذمّـر !! إسأل الـقـدامى …… والـيـوم عـنـدنا هـكـذا نموذج ــ رفعة رأس ــ لا حاجة إلى ذِكـر الإسم. ثالـثاً :
رابي نـوئيل السناطي في مقاله يمتـدح الـﭘـطرك واصفاً إياه بالجـريء وبـواضع الـنـقاط عـلى الحـروف …. يا عـزيزي نـوئيل، أتحـدى الـﭘـطرك أن يكـون بإمكانه وضع نـقاطه عـلى حـروفـنا !! ثم كـل واحـد ــ أنا وأنت أيضاً ــ يمكـنـنا أن نكـون جـريئـين بأرض خاوية ! أو أمام مجـموعة أشخاص صامتين لا يحـرّكـون ساكـناً كأنّ لا وجـود لهم ، وإن نـطـقـوا فـلا أكـثر من (( نعـم نعـم )) . فالشاعـر يقـول : وإذا ما خلا الجـبانُ بأرضٍ ،، طـلـبَ الطعـنَ وحـدَه والـنـزالا ــــــــــــــــــ فـيكـون جـريئاً
أما عـن عـبق ذاكـرتـك في المكـرسين من دومنـيكـيّـيـن وكـهـنة أبرشـيّـيـن ، وإستراحـتك في ظلالهم الـوارفة وإحـتـضانهم أحـياء في شـغاف الـقـلـوب ، فـبكلامك هـذا حـفـزتـنا وأحـيَـيْـتَ فـينا ذكـرى إنـتـقال العـلامة المؤرخ الـدكـتـور الـذائع الصيت إلى الحـياة الأبـدية ، وحـيـنها ! تـقـدّمتْ سيدة لمقابلة المرحـوم الـﭘـطرك بـيـداويـذ وطـفـلـتها بـيـدها ! فـطـلـبَـت منه عـدم الـتعـرّض إلى إستحـقاقاتها ، فـكان لها ما أرادت… خـلـينا نـكـتـفي بهـذا يا أخي.
ويُـدخِـلـنا رابي نوئيل السـناطي في أزقة ضيقة ــ شـلـك بـيها يا خـويا ــ ومع ذلك سـنـرافـقه متـلحّـفـين بالكـتاب المقـدّس درعاً يـقي أجسادنا من الـقـناصة الجـبناء :
إن رابي نـوئيل داعـية لحـقـوق المرأة للسبب الـذي ذكـرتُه في مطلع هـذا المقال ! ويقـول : إن الـفـصل الإداري ــ أكـثر منه العـقائـدي ــ في نـظر الـداعـين إلى عـزوبـية الكـهـنة ، يمكـن أن يمس بمكان المرأة ودورها في الكـنيسة الجامعة… ويضيف : الأصوات تـتـزايـد للمطالبة بالمكانة اللائـقة للقارورات ( ماسيرات وعـلمانيات ) في التعـليم! ….
إن تعـبـيـره ((يمس بمكان المرأة ودورها في الكـنيسة الجامعة)) ليس بالضرورة أن يرتـبط بعـزوبـية الكاهـن ، ثم يطالب بمكانة لائـقة لـقاروراته ومع ذلك نـقـول له : لِـمَ لا؟ ها هـو سِـفـر الخـروج يقـول :
(أخـذت مريم الـنبـية أخـت هارون الـدف بـيـدها ، وخـرجَـت جـميع الـنـساء وراءها بـدفـوف ورقـص) . إذن ما المانع لـقاروراتـك في بـداية الـقـداس من أن يقـلـدنَ مريمَ أخـت هارون ورفـيقاتها الـنساء ؟ ….. أما تـوصية مار ﭘـولس لهـن ــ بالسكـوت في الكـنيسة ــ فالآن نـؤجـل تعـلـيقـنا عـليه ، وسيمكـنـنا بعـض الشيء أن نـلـطــّـف فـهـمنا لـتـوصيته كي يقـبـلها المجـدّدون الـتـقـدّمـيـون …. ومع ذلك نـقـول : طالما يَـقـرَأن الـيـوم الرسالة وغـيرها في الـقـداس ، هـل من مانع (( عـقائـدي أو أخلاقي )) أن يَـقـرَأن الإنجـيل في الـقـداس عـوضاً عـن رجـل الـدين المحـتـفِـل بالـقـداس أياً كان ؟ الـيـوم رسموا شماسات وغـداً سنلاحـظ رسامة كاهـنات ومطرانات طالما لا يوجـد موانع (( عـقائـديات أو أخلاقـيات )) …. فلا تحـمل هَـمّاً يا عـزيزي ، إن مكانـتهـن محـفـوظة بـين طـيّات الـقـلـوب الـدافـئات .
أما إنـضواء جـميع الكـنائس تحـت خـيمة واحـدة نـراها جـميلة ، ولكـن الـﭘـطرك الكاثـوليكي ساكـو نـفـسه ، رفـضها فـكـرياً ــ لكي تكـون الهـيمنة بـيـده ويتباهى بسلطـته ــ والـدليل هـو رفْـضُه الإنـصياع لـرغـبة روما بقـضية الأب أيـوب / كـنـدا في زمن المطران شـلـيطا ! فـهـل تعاتب الكـنائس الأخـرى؟ عـلماً أني أوردتُ تـوقعاتي ــ الصحـيحة الـدامغة ــ عـن الـوحـدة المسيحـية الفارغة منـذ سنين ، وذكـرتها في مقالي الأخـير بعـنـوان : (( ما أعـظـمـك لـويس ساكـو ﭘـطركاً ذكـيا مراوغاً )) 6/1/2020 ، مع تعـلـيقات سابقة بشأن رسامة كاهـن ستأتيكم في الحـلـقة الثانية !! وأعاد ذكـرها سيادة المطران إبراهـيم إبراهـيم في كـرازته الأخـيرة 26/1/2020 عـن الكـرسي والمغـريات الثلاثة …..