إبراهيم داوود جرجس
علاء أبو بكر : بولس يقول دمروا المسيح وأبيدوا أهله . القاهرة ط 1, 2006 ,175 ص .
إطلالة :
إن علم مقارنة الأديان جليل ومفيد في ذاته, فكل حوار يشتم منه رائحة الطعن في الدين الآخر, هو حوار ينفّر ويبعّد ولا يقرب ويحمّل أهل دين على التنكر لدين آخر. فالمؤلف أبو بكر يطعن بصحّة الإنجيل وصحة تعاليم المسيحية.
يعتمد علاء أبو بكر على نصّ القرآن الكريم بتأويل الكتاب المقدس مرتكزا على تفسير يناسبه, بينما البحث العلمي الأكاديمي يتطلب عرضا لمفسرين مع إبقاء باب الاجتهاد مفتوحا, ففي التفسير رأي ونقل وحديث واجتهاد ومذهب وكلام وفقه وجهات. فالطبري إمام المفسرين بالمأثور يفسر القرآن بالحديث والزمخشري هو ذروة التفسير الاعتزالي وغيرهم. فما علاقة كل هذا والكتاب المقدس ليستند عليه أبو بكر؟
هناك اختلاف جوهري بين المسيحية والإسلام, بين بنوة المسيح لـله وإلهية الرب يسوع وصلب المسيح وقيامته وتجسد المسيح الربّ. ورغم ما في المواقف الجوهرية من تعارض لكن الحوار على أساس سمح وعرض للنصوص بشكل صحيح, يتخطى ظواهر الفروق إلى بواطن الأمور.
من شروط الحوار:
1- الحوار التي هي أحسن, الجدال الذي هو خصومة منبوذ ومذموم فواجب الاحتراس إذا كان ما يشوش الجدل أكثر مما يمهده وما يفسده أكثر مما يصلحه فحري أن نعدل عن ذلك. لذا يجب الاتزان وغربلة الألفاظ والتعابير والضبط وعدم الانفعال وتقبل الآخر كما هو وليس اتخاذ أسلوب الوعد والوعيد, التكسير والهجوم كلما قرانا نصا لا نؤمن به أو نسمع قولا لا نقبله, فهذا الأسلوب مرفوض وما هو إلا نتاج ضعف وخساسة.
2- الحوار عرض لا تبشير, عرض سَمح لموقف المتحاورين, فليس الحوار يهدف إلى التبشير ولا بغية اصطياد الخصم وإنما الحوار هو لفهم عقيدة الآخر كما هو يؤمن وليس الحوار وسيلة لاقتناص المؤمن فالحوار عرض ودود لعقيدة المتحاورين للتعارف والتفاهم ومن ثم للتقارب والاتحاد في سبيل اللـه وفهم الآخر ليس بالضرورة موافقته أو الإيمان بما يؤمن .
3- تعارف لا تجاف, الحوار الحق اطلاع موضوعيّ ودّي على معرفة المتحاورين ويقترض أن الاحترام والتقدير والحوار بين الفرقاء واجب أن يقوم على تقدير عقيدة الآخر لا رشق بين الفر قاء فكل إنسان يمتلك ويملك حرية الإيمان وان نعرف الآخر ونقبله كما هو فما من لزوم لفرض الرأي على الآخر واختلاف الإيمان والعقيدة ليس ملزما بالشتم والسبّ والضرب والنهب والسلب والتحطيم لبيوت الـله والأماكن المقدسة.
4- حديث مودّة, أي لا إكراه في الدين, احترام المحاور واجب وحق ويجب تقدير عقيدته الدينية لا تكفيرها وان كنا لا نؤمن بها البتة فالحوار يجب أن يكون في حد ذاته حديث مودة لا بغضاء حديث عاقل ذي معلومات أساسية مما تؤهله باستخدام الألفاظ الصحيحة لاهوتيا ودينيا وليس محاورا جاهلا لا يعي أسس الحوار.
5- حوار فهم الغير, يشترط في كل حوار سليم أن نفهم غيرنا حتى ولو كنا لا نوافقه الرأي, فالحوار الصحيح يقتضي فهم الغير قبل الحكم عليه ولا يصحّ أن يصدر حكمنا على محاورنا بالاستناد إلى ما عندنا وحده وواجب فهم الغير بحسب مصادر كل دين, فلا يجوز فهم دين بحسب دين آخر ومن المستحيل تفسير الكتاب المقدس بكتب غير معتمدة, ففهم النص المكتوب وبحسب الكتب المعتمدة من آباء الكنيسة والمجامع والسينودوسات هو ركيزة ولبنة أساسية في فهم الآخر وكذا الأمر بالنسبة للقرآن فيجب الأخذ بالمصادر الإسلامية والتفاسير المقررة.
6-الحوار الصحيح-يجمّع لا يفرّق, يُيسّر ولا يعسّر, وبدون خيانة للحقيقة, فالجامع بين المسيحية والإسلام الإيمان بالتوحيد مهما تباين فيه التأويل, فعصر رشق التهم من تحريف الكتاب المقدس قد ولى ومن يتزمت بمثل هذه الخرافات بعد أكثر من ألفي عام ومن يتشدق بالمعرفة وما هو إلا جاهل وقد أعطى اغسطين احد قادة الفكر في الإنسانية قاعدة مثلى للحوار: “إن قارئي إذا شاطرني عقائدي فليماشني وإذا شاطرني شكوكي فليبحث معي وإذا وجد نفسه على خطا فليرجع معه معي”. أو رسالة عبد اللـه بن إسماعيل الهاشمي إلى عبد المسيح بن اسحق الكندي ورسالة الكندي إلى الهاشمي في أيام الخليفة العباسي المأمون سنة 861 م, نقرا بها أسس الحوار وردا على ادعاءات وافتراءات علاء أبو بكر, فلو اطلع على هذه الرسالة والردّ لما كتب كتابه.
يمكننا تلخيص الكتاب تحت العناوين التالية مجيبين باقتضاب, لانّ الغاية من ذلك إظهار البحث العلمي المتحضر الجامعي .
1- يظهر جهل المؤلف علاء جليا بفهم النص, يفهم النص وكان الكتاب المقدس في ظل قلب علاء وفي ذهنه نص آخر يملي عليه ما يكتب لا ما يفهم من النص المكتوب, ص13: “الإنجيل الذي بشرت به”, والمقصود قول بولس الرسول وفهم علاء: “سيأتي بأساس جديد من عنده يخالف ما عرفه الناس”, وكان الكاهن في القرن الواحد والعشرين عندما يكرز في الإنجيل كأنه أتى بإنجيل جديد من عنده! وص 73: ” مصلحي أهل الأرض {ملح الأرض} مت 16- 13 :5, حري به أن يرجع إلى التفاسير ليفهم مغزى ومعنى ” ملح الأرض”, وليس كما يدعي آنفا أو ما قاله: ” الفناء” فما من ذرة علاقة ومفهوم الملح في الكتاب المقدس يشمل معان عدة منها: يعطي دلالة على دوام أي تعاقد,عد18 :19 ” ميثاق دام كالذي تم بين الـله وداو ود” 2 أيام 13 :5 , “المؤمن “هو ملح الأرض كما في مت 5 :13, وهل مفهوم هذه العبارة يا أستاذ كما في مرقص البشير 9 : 50 أو لوقا 14 :34 ,14 :35 أو كو 4 :6 ؟
2- عدم توخي الأسس الأساسية للبحث العلمي, فمنها:
ا- ص37: ” انظر ما قالته التفاسير المسيحية”, لا ذكر لأي تفسير وحتى ما من مراجع.ص39: “أطلق علماء الكتاب المقدس”, وأين هم ومن هم ؟ وما هي كتبهم؟ ص40: “الكثير من أقوال علماء الكتاب المقدس” ص 45 يسرد كما من النصوص دون مرجع وللمزيد انظر ص 63, 86.
ب- الاقتباس من كتاب ويستشهد بآخر, فكيف يجوز أن يقتبس نصا من الإنجيل ولفت نظر القارئ إلى مؤلف آخر؟! إما انه لم يقرا الإنجيل لعدم فهمه النص واكتفى بالنقل أو تعذر عليه الوصول إلى الكتاب المقدس, ص23 يقتبس من سفر أعمال الرسل مستشهدا ب ” جمال الدين الشرقاوي”, وكأنه هو كاتب النص ,هذا ما يفهم علميا, ينظر ص 45و47,63 .
ج- ص24 “Theology من ثيوس بمعنى ما ينسب إلى زيوس أي علم اللاهوت المتعلق بالإله زيوس فلذلك عزيزي المسيحي انك تعبد حتى الآن هذا المعبود الوثني”. أما في ص31 ثيوس في اليونانية اللـه مستشهدا ” محمد سعيد العشماوي”, فأي رأي اصدق واين المعجم؟ وعلى أي قاموس استند! وكيف يناقض كتاباتهّ فلم ليّ الحقائق واجترار الزيف والزور.
3- استخدام عبارات شاذة بحق المنهج العلمي والعقلي واختيار هذه العبارات ما هي إلا استخفاف بذهن القارئ وحثالة الكاتب وحلوٌ أن يناقش الإنسان بعقل وعن معرفة الآخر وبشاعة هي الكتابة عن جهل وغباوة وفي هذه الحالة فرضيتان:
ا- إما الرد وعندها يثبت قول الحكمة إن من يداوي الجاهل فالدواء يثقل المداوي وتعيي المداوي.
ب- عدم الرد وعندها بظن هو ومن يصدّقه انه على حق , وهي حال أغلبية المجتمع العربي اليوم. فنقتبس عدة أمثلة لنبين عما نتحدث: ص 20: “إن بولس كافرا” ص22: “إن المسيح جلب العار على نفسه” ص27: “فكيف يؤخذ دين وعقيدة من كذاب ومنافق” ص39: “إن تعاليم بولس الشريرة المارقة عن المسيحية” ص48: “يكفيك أن تعلم أن بولس الرسول نشر دينه بالكذب” وللمزيد ينظر :ص 57,64,68,80,98,107,108,110,112.
4- أخطاء إملائية, حري بالمؤلف أن يصححها وجل من لا يخطئ, ص26 “لإله,31 للبشر, 32الام, 35 لإسرائيل, 50 الأم, 65 نجمع والمقصود مجمع, عبعد بدل بعد,
وأخطاء أخرى: ص20 يجمع الرسل والتلاميذ على إنهما واحد ولا فرق بينهما, ص41 يستشهد بنص من التوراة السامرية {تث18 :20} إلا أن الكاتب الجليل لا يذكر أي ترجمة اعتمد, والترجمة العربية الوحيدة المعتمدة اليوم في محافل البحث العلمي الجامعي هي من تحقيق بروفيسور حسيب جريس شحادة من إصدار الجمعية الوطنية الإسرائيلية للبحوث.
حسنٌ أن نقرأ في ص 3: “يعيش المسلمون والمسيحيين في أزهى حرية الرأي وعدم مصادرة الفكر”!؟
البون شاسع بين الموجود والمنشود وقائمة التساؤلات تصح أن تكون أطروحة فإذا هكذا الحال في عالمنا العربي فبوركت آراء علاء ومن يتشدّق بزيف أفكاره.