قــراءة معـمقة للمشروع الخلاصي بناءاً عـلى نصوص الكـتاب المقـدس
يعـقـوب بن إسحـق
الجـزء التاسع عشر
مقـدمة :
نـقـرأ في تكـوين (25/21-23) :” ثم دعا إسحق الى الرب لأجل امرأته ، لأنها كانت عاقـراً، فإستجابه الرب ، وحملت رفـقة إمرأته . واصطدم الولدان في جـوفها ، فـقالت : إن كان الأمر هكـذا ، فما لي والحياة . ومضت تستـشير الرب ، فـقال لها الرب : في جوفـك أمتان ومن أحشائك يتـفـرع شعـبان : شعب يقـوى على شعب والكـبـير يخـدم الصغـير”. الكاتب هنا يقـرأ التأريخ من واقعه الذي هو أن إسرائيل من نسل يعـقـوب ، وهـو يقـوى وله وجود جغـرافي وتأريخي في أرض الموعـد (أرض كـنعان) . هذا الوجود يبدأ منذ الحمل والولادة ، وهو ضمن مخـطط الـله الخلاصي لشعبه إسرائيل. ما سوف نحلله في هذا المقال ، هـو قـراءة الواقع التأريخي بموجب الحـدث الكـتابي في النص.
يعـقـوب وأخـوه عيسو:
الخلافات والصدامات بين الاخوين في عشيرة إسحق ، أدت الى تـقسيم العشيرة الى أمتين أو عشيرتين، هذا واضح بسبب زواج عيسو من بنات الحـثيـين (تك 26/34-35) . زواج عيسو أصاب أثراً كبيراً في نفسية إسحق وزوجته رفـقة مِن قِـبَل إبنهـم البكـر الذي سوف يكـون رئيس العشيرة بعـد أبيه . خيبة الامل هذه مِن قِـبَل الوالـدين بالإبن الأكـبر الذي لم يحافظ على نسل العشيرة وموروثها ، أدت الى توجيه الانظار الى الابن الاصغـر يعـقـوب . هذا التغـير في الاتجاه العشائري أوصلها الى صراعات وصدامات بين الاخوين دامت طويلاً . نلاحظها من خلال حـدثين :
الاول :
عـيسو يـبـيع بكـوريته الى أخيه يعـقـوب بسبب شهـوته (تك 25/29-34) .
الثاني :
يعـقـوب يخـتـلس البركة في تولـّي مهام العشيرة من أخيه عيسو بعـد وفاة أبـيهم إسحـق (تك27/ 1-45 ) أساس الصراع نابع من الوالدين ، بين نظام العشيرة في تولي الابن البكـر لمهامها بعـد رحيل الاب ، وبين سلامة النسل وأصالتها وموروث العشيرة وايمانها من جهة أخرى . هذه الصراعات يبـيّنها الكاتب منذ الحمل والولادة بهما ، حتى جعـلت من رفـقة ان تـقـول :” إن كان الامر هكـذا ، فما لي والحياة“.
خاتمة:
المسؤولية أمرٌ صعبٌ جـداً، قـراراتها قـد تؤدي الى الموت أحياناً . ما قـرأناه أعلاه يعـلمنا درساً عـميقاً في مفهوم السلطة والمسؤولية ، بين النظام الاداري والقانوني للمؤسسة ، والحفاظ على مقـوماتها . القانون ليس هو كل شيء ، القانون يحـفـظ حـقـوق وواجبات كل شخص في المؤسسة . أما مقـومات المؤسسة تحافظ على هيكليتها ، ومدى إستمرارها في تـقـديم ما هو أفـضل لاجل ديمومتها . عـنـدما يصبح القانون طاغي على مقـومات المؤسسة، لا محالة يؤدي ذلك الى التدهـور والنهاية. قـرار إسحق وبمساندة زوجته رفـقة إنه لأمرٌ صعـب جداً في تولي يعـقـوب رئاسة العشيرة من بعـد أبيه وليس عيسو . لأن إسحق أدرك جيداً ان مقـومات العشيرة والامانة على ميراثها وايمانها ، أهم كـثيراً من القانون القـبلي السائد في ذاك الزمان . هذا ما نتمناه من اصحاب السلطة في عالمنا اليوم ، ان يتعلموه من خبرة آبائـنا الذين ورثـنا عنهم الايمان والاصالة.
الاب پـيتر لورنس
