يوسف تيلجي
* المسيحية ، كانت الأكثر تطورا من باقي الأديان السماوية ، فهي الأوسع أنفتاحا وتقبلا للغير ، ولأجله نرى مثلا العالم الغربي وأميركا اللذان يدينا بأغلبية ساحقة بها ، بعيدين عن التطرف والتزمت ، وبنفس الوقت كانا الأكثر قبولا للأخر ، ولأجله نرى النسيج المجتمعي لهما ، أكثر أنسجاما وتناسقا / عدا بعض الحالات الشاذة ، من غيرها من الدول ، خاصة الدول العربية والأسلامية ، الأمر الذي جعل من هذه الدول / العالم الغربي وأميركا واليابان – البوذية .. ، الأكثر تطورا في شتى الميادين والقطاعات ، وسجلا قفزات حضارية ، وكل ذلك بسبب تحييد الدين عن الدولة وعن المجتمع ، وجعله ممارسة عقائديا في المعابد ، ولا حاكمية له ، خلاف المعتقد الأسلامي ، الذين أدخلوا الدين في كل تفاصيل الحياة وفي كل مفردات الحكم ، اضافة الى ألزامه أسريا ومن ثم مجتمعيا ، فزادت عبودية الفرد ، وتمعنت جهالة المجتمع فهوت الدولة في براثن التأخر .
* وفلسفة الفرد في الغرب ، عامة ، حر في تفكيره ومعتقده وتوجهه ، خياراته غير موجهة ، فأن كان ملتزم دينيا فهو مرتبط من ناحية أخرى بثقافة مجتمعية نشأ فيه ، فيجب عليه أحترام خصوصية المجتمع المنفتحة ، وأن كان لا دينيا أو ملحدا ، فهذا خياره لا يكفر ولا ينبذ من قبل الأخرين ، أما المسلم في بلاد العرب والمسلمين ، فهو ” غالبا ” يحيا حياة مزدوجة ، فهو ملتزم دينيا ظاهريا ، ولكنه يعيش حياته الخاصة البعيدة كل البعد عن ما يظهره للأخرين ، أنه فرد يعاني من أنفصام بالشخصية ، لأنه غير صادق لا مع نفسه ولا مع الاخرين !! وهو براء من هذا الخصام ، وذلك لأن هذا الوضع فرضه عليه الدين !! .
* أما دول العرب ، فهي دول حكامها باعوا الدنيا والأخرة معا ، فلو أخذنا ” العراق ” كنموذج ، فنكون أمام حالة تراجيدية لا مثيل لها في العالم ، فالحكام والساسة يتاجرون بالشعب ، ويبيعون مدنه ، ورجال الدين يتاجرون بالدين ، والمقطع النثري التالي / لكاتب المقال ، أروع ما يمثل الوضع الحالي لعراق اليوم ” ولا تعليق ” !! :
شعوب و حكام
وأسفي على شعوب
مقهورة
تلوط بها الحكام …
لا تفرق بالفعل
بحال الشعب
ان كان صاح
أو كن نيام ..
يمارسون فعلتهم بالرضا
و حسب ماتنص به
الاعراف
و الأحكام …
يضاجعونا يوميا
طوال العام
عدا رمضان
يقولون صيام …
يطبقون الشريعة بفعلتهم
عدا ذلك
يقولون حرام …
فوضع هكذا حاله ، هل يرتجى من الشعب أن يكون له دورا حضاريا وهو تحت ثقل من الظلم والقهر والفقر ، وأما حكامه فهم شراذمة / كانوا الأكثر تعاسة من بين كل البشر ، وبين ليلة وضحاها أصبحوا هم علية القوم وسادته .. وأستشهد بقصيدة الشاعر العراقي الملا عبود الكرخي (*1) ، ” وهي من الشعر الشعبي ” التي تصور وضع الحكام في العراق !! خاصة البرلمانيين ، وعرف عن الكرخي جرأته في النقد والسخرية وتضمين الأمثال الشعبية في قصائده وأشعاره . ومن ضمن قصائده الرائعة التي لم تنس تلك الابيات التي يتنقد فيها تفشي الفساد واستحواذ السياسيين على السلطة وتكريسها لمصالحهم الشخصية ، اذ يقول فيها:
لازم انميز الزين امن الزلم
وننتخب كلمن شهم صاحب علم
ونرفض اللي يجي كل يوم ابفلم
من ايشوف المنصب اشويه اندرچ
قيم الرگاع من ديرة عفچ
يا حكومتنه الرشيده ام الوقار
الفساد المالي عنوان الچ صار
ندري جابوكم ابدبابه وقطار
ليش ضليتوا سمچ ياكل سمچ
قيم الرگاع من ديرة عفچ
* أن طغيان الدين الأسلامي على تفاصيل الحياة العامة للمجتمع والخاصة للفرد ، جعل من عقلية المسلم محجورا عليها ، فأذا كان هناك ” دعاءا قبل وطأ الزوجة وكان هناك فتاوى جهاد النكاح و أحاديث شرب بول البعير وأيات السيف والرجم وقطع الرقاب والأيدي .. ” فكيف يتقدم العقل البشري ، أن الشيوخ والدعاة من العريفي والعودة واللحيدان والقرضاوي الى العرعور يجب أن يلغوا من العقلية الأنسانية وأن تشل يمناهم وأن يكمم أفواههم حتى تستقيم الحياة ، أن الحضارة لا تشيد بخطاب هؤلاء ، وفي نفس الوقت أن أستمروا ، فأن الجمع المنصت أليهم ستصب عقولهم في حقول الكره والحقد .
* أن الحضارة فعل وحراك عقلي مبني على العلم والتقنية وعلى الأدب الرفيع النبيل ، أن الحضارة ليست مظاهر ، الحضارة ليست بأرجاع عادة ” تطويل اللحى وحف الشارب ” ، الحضارة جهد أنساني لعقود طوال ، جهد تعاقبي لعقول مستنيرة ، لا جمود ولا تخلف ولا تكفير في النهج ، فبالتكاتف والأخاء تبنى الأوطان وليس بألغاء وتكفير الأخر ، فمتى خرجنا من شرنقة التخلف والتمذهب والطائفية والعنصرية ، عندئذ نكون قد خطونا أول خطوة على سلم الحضارة .
————————————
(*1) ولد الملا عبود الكرخي عام 1861 في جانب الكرخ في بغداد ومنها اخذ لقبه . وتوفى عام 1946 ، وكان والده ميسور الحال يعمل بتجارة الابل . ادخل عبود الى الكتاتيب كاقرانه في ذلك الزمان وعمره 6 سنوات ولما ترك الكتاتيب اخذ يرتاد حلقات الدرس في مساجد الكاظميه وبغداد . عند سن الخامسة عشر بدا والده باصطحابه معه في تجارته التي تتطلب السفر الى الدول المجاورة وبقي معه الى ان توفى عاد بعدها المله الى بغداد ليستقر بها ./ نقل من الموقع التالي www.iraqitorath.com .