يوسف تيلجي
أستهلال :
وددت في هذا المقال أن أبين قرءأتي الخاصة لرؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمستقبل المملكة العربية السعودية!!، وما سيواجهه من صعوبات ومشاكل وأزمات .. أولا سأستعرض ما قاله الأمير محمد مؤخرا في ظهور مع الأعلام في 27.10.2017 / سأسرده مختصرا ، ثم سأعرض قاعدة معلوماتية ، عامة ومختصرة عن الوضع السعودي المعقد ، وفي نهاية المقال سأرد رؤيتي الشخصية للموضوع مع خاتمة ، التي وضعت ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بين المطرقة والسنديان ، مطرقة ما يدعيه من تجديد وتحديث ونهضة في المملكة وسندان الوهابية والمؤسسة الدينية وتأثيرهم على المجتمع السعودي والمملكة عامة كدولة والوضع الدولي أيضا .. ! .
النص :
فيما يلي .. موجز لظهور أعلامي لولي العهد ، حسب موقع – العربية نت 27.10.2017 – نقل بتصرف / نشرت صفحة “ انفوغرافيك ” السعودية على تويتر ، فيديو لمدة دقيقتين جسد دعوة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي بالعودة إلى زمن الاعتدال قبل الثورة الخمينية 1979 والتي صدرت التطرف إلى المنطقة ، وقال الأمير : “ سنعود إلى ما كنا عليه ، سنعيش حياة طبيعية ، تترجم ديننا السمح وعاداتنا الطيبة ، ونتعايش مع العالم ، ونساهم في تنمية وطننا “ .. وعلق ناشرو الفيديو بكلمات تعكس رغبة واشتياق المجتمع السعودي لهذه القيم المعتدلة بقولهم : “ طالما كانت السعودية مثالاً يجمع الوسطية في الدين والقمة في مكارم الأخلاق ، أما التطرف فإلى زوال ، ولن يعيق ريادة المملكة في العالم وتقدم أبنائها في كل محفل “. . في إطار تعليقه على أسباب النقلة الجديدة في التوجهات السعودية ، قال ولي العهد : إن مشروع الصحوة انتشر في المنطقة بعد العام 1979 ، “ فلم نكن بهذا الشكل في السابق ، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه ، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب “. وتابع خلال جلسة نقاشية على هامش مبادرة مستقبل الأستثمار التي انطلقت اليوم في الرياض : “ 70 % من الشعب السعودي تحت سن الـ 30 ، وبصراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة ، سوف ندمرهم اليوم ، لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا ، ونتعايش مع العالم ، ونساهم في تنمية وطننا والعالم “. وأضاف : “ اتخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية بهذا الشأن ، وسوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل ، ولا أعتقد أن هذا يشكل تحدياً ، فنحن نمثل القيم السمحة والمعتدلة والصحيحة ، والحق معنا في كل ما نواجهه ” .
أضاءات / قاعدة معلوماتية :
1 . السعودية ، كدولة بدأت في عام 1744 ، وكانت تسمى / مرحليا ، الدولة السعودية الأولى 1744 ميلادي – 1818 هجري ، وبدأت حكاية الدولة السعودية الأولى مع أنبثاق تحالف محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب / واضع بذور المذهب الوهابي في السعودية . ونجح آل سعود في توحيد نجد بعد سنوات طويلة من الحروب المريرة ، وسقطت الإمارات المناوئة لهم تباعاً مثل العيينة والرياض والخرج والقصيم ، وساعد على ذلك انتشار أفكار ابن عبد الوهاب .. / نقل من موقع رصيف 22 ، والذي يهمنا هو هذه الحقبة – المرحلة الاولى للدولة ، وذلك لأرتباط نشأة الدولة السعودية بالمذهب الوهابي ، وهذه المرحلة هي التي أسست للوهابية في المملكة .
2 . أذن ما هي الوهابية ، من موقع المعرفة ، أنقل التالي عن الوهابية ( الوهابية حركة إسلامية قامت في شبه الجزيرة العربية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري على يد محمد بن عبد الوهاب ” 1703– 1792 “ بغية تنقية عقائد المسلمين والتخلص من العادات والممارسات التعبدية التي انتشرت في بلاد الإسلام وأن الوهابية مخالفة لعادات مثل التوسل بالقبور والأولياء والبدع بكافة أشكالها أو ما يطلق عليه بشكل عام اسم بدعة. نبعت الحركة الوهابية من أهل السنة و الجماعة ويصفها أتباعها بأنها دعوة إلى الرجوع للأسلام الصافي وهو طريقة السلف الصالح في إتباع القرآن والسنة ، أي عمليا نبذ اعتماد المذاهب الفقهية السنية الأربعة والاعتماد المباشر على النص القرآن والسنة ) . وهذا المذهب ( اصبح ” ديانة أخرى “ بعيدة كل البعد عن الاسلام . وقد أتخذ المذهب الوهابي الشيخ ابن تيمية كمرجع له / نقل من موقع xxwhabiaxx.blogspot.com ) .
3 . نبذة عن الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ، ولد في15 ذو الحجة1405 هـ–31 / 8 / 1985م ، لقى بن سلمان خلال فترة تعليمه عدداً من الدورات والبرامج المتخصصة ، وحصل على درجة البكالوريوس في القانون من جامعة الملك سعود . كانت بداية محمد بن سلمان في النشاط السياسي عندما تم تعيينه مستشاراً متفرغاً بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء السعودي في 10 أبريل 2007/ وكان عمره لا يتجاوز 22 عاما !! – وهذا أول صعود مثير للأنتباه ، وقبل أستلام مقاليد المناصب العليا كانت خبرته لا تذكر !! ، سوى بعض المراكز الشرفية ك ( عضو مجلس امناء مؤسسة ابن باز الخيرية، عضو مجلس إدارة جمعية البر بمنطقة الرياض ، عضو المجلس التنسيقي الأعلى للجمعيات الخيرية بمنطقة الرياض ، عضو مجلس إدارة جمعية البر بمنطقة الرياض . الرئيس الفخري للجمعية السعودية للإدارة .. ) ، أذن لا جامعة أجنبية ، ولا رتبة أو خدمة عسكرية ، ليستلم بعد ذلك مقاليد وزارة الدفاع وهو لم يتمم ال 30 عاما !! ، وللعلم هناك أمراء أحق منه في هكذا منصب ، كالأمير الفريق أول متعب بن عبدالـله رئيس الحرس الملكي – بن الملك السابق عبدالـله بن عبد العزيز !! .. ثم وفجاة يكتسح المناصب الملكية / في أنقلاب ملكي ، وينحي جانبا كلا من الأميرين مقرن بن عبدالعزيز / عمه – أصغر أبناء الملك عبد العزيز ، ومحمد بن نايف / أبن عمه ، ليكون وليا للعهد – تم أستقاء بعض المعلومات من الويكيبيديا .
القراءة :
أولا : شاب في مقتبل العمر / الأمير محمد بن سلمان ، أستلم سلطة بلد كالسعودية ، عدد نفوسه حسب أحصاءأت 2016 أكثر من 32 مليون نسمة ، ومن اكبر الدول المصدرة للنفط ، ومن أضخم أقتصادات المنطقة ، حيث يعتبر ” الاقتصاد السعودي الثالث من بين مجموعة العشرين في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية .. / نقل من موقع الرياض في 18 يناير 2016 ” ، هذا من جانب ، ومن جانب أخر تسيطر على شؤون المملكة المجتمعية والدينية مؤسسة دينية عريقة ، تعتبر من أعقد المؤسسات في العالم ، ( ومن المعروف تاريخيا أن طبيعة العلاقة بين النظام السعودي وعلماء الدين بدأت بشراكة بينهما ، حيث كانت العائلة المالكة تكتسب شرعيتها الدينية والسياسية من دعم المؤسسة الدينية الوهابية لها ، لكن بعد اكتشاف النفط وتراكم الثروات النفطية ، وبناء المؤسسات السياسية تراجعت حصة المؤسسة الدينية في هذه الشراكة بحسب ما بينه الكاتب والباحث الكويتي حامد الحمود / موقع العربي ) ، مما سبق يستوجب على الأمير / الملك القادم ، أن يبدأ بتهذيب هذه المؤسسة ، وهذا الأمر أراه من أصعب الأمور ، وذلك لتغلغلها في المجتمع السعودي ، علما أن هذه المؤسسة الدينية ، ذات سطوة وثقل مجتمعي أضافة الى دورها الأساسي دينيا ، وقد صبغوا الأسلام بصبغة وهابية متطرفة كفرت حتى المسلمين ، فقد جاء في موقع www.mezan.net حول تطرف الوهابية التالي ( تعتقد الوهابية أنهم وحدهم أهل التوحيد الخالص ، وأما سائر المسلمين فهم مشركون لا حرمة لدمائهم وذراريهم وأموالهم ، ودارهم دار حرب وشرك ..) .
* أذن أمام الأمير أن يبدأ بصد حاجز ومن ثم تفتيته ، علما أنه ليس من السهل حتى تحجيمه ، وهذا الأمر بات واضحا للعيان من معارضة المؤسسة الدينية لأبسط الأمور ، مثلا قيادة المرأة للسيارة ! ( وما حصل من أعتداءأت على النساء ! ) ، أما بخصوص الشرطة الدينية / الحسبة ، فقد تقلصت صلاحياتها ولكنها لم تلغى بعد ! .
* أن المجتمع السعودي مجتمع ذكوري صرف ، وهذا جلب الويلات ، فالنهضة التي يتكلم عنها ولي العهد لها مستلزمات وأليات ومتطلبات لا توجد في المملكة ، فلا زالت التقاليد والاعراف تؤمن ” بالمحرم ” مثلا ، فقد ( ذكرت تقارير صحفية في أوقات سابقة أن الهيئة منعت في بعض حوادث رجال الإطفاء من دخول منازل ومدارس للبنات اندلعت فيها حرائق ، بسبب عدم وجود “ محرم ” داخلها ، وأنه لا يجوز شرعاً أن تنكشف المرأة أمام رجال الإطفاء ، مما تسبب في وقوع مزيد من الضحايا / نقل من وكالة أنباء براثا في 2012-12-14 ) .
* المؤسسة الدينية في السعودية عريقة عمرها أكثر من 270 سنة ، متوغلة في مراكز الدولة ، وحتى بين أفراد العائلة المالكة ، وقد مدت جذورها في طبقات المجتمع السعودي ، فكيف للأمير أن يسلخها من جذورها ليقوم بنهضته المزعومة ! ، فهذه هي أول بواكير العاصفة التي يجب أن تؤخذ بنظر الأعتبار ! .
ثانيا : نسى الأمير محمد ، أن الأرهاب الدولي ، فكرا ونهجا وفعلا ومؤسساتيا / جوامع ومساجد ، ودعوة ، وأئمة ومنشورات ومحاضرات .. معظمه ينبع ويتدفق من المال السعودي ، وبمباركة الدولة والعائلة المالكة وبقيادة المؤسسة الدينية ! ، حتى أن عملية هجمات 11 سبتمبر2001، فأن أكثر المنفذين سعوديون ( عملية 11 سيبتيمبر شارك بها 17 خليجيا ومصري وواحد لبناني والخليجيون هم 15 سعوديا وامارتيان وجميعهم ينتمون إلى تنظيم القاعدة ، وكان من المفترض أن ينضم لهم عضو سعودي آخر هو تركي المطيري كان من اختيار بن لادن نفسه فيما تشتبه السلطات الأمريكية في أن يكون الخاطف العشرون هو محمد مانع القحطاني .. / نقل بتصرف من الويكيبيديا ) ، أن تغلغل المؤسسة الدينية السعودية وتتدخل الدولة والعائلة المالكة هو الامر الذي أدى الى التعتيم على أخر التحقيقات الاميريكية بشأن غزوة 11 سيتيمبر ، فقد جاء في موقع الجزيرة نيت في 9.10.2017 التالي : ( قالت صحيفة “ نيويورك بوست ” الأميركية إن أدلة جديدة ضد السعودية في الدعوى القضائية الخاصة بـهجمات 11 سبتمبر تظهر أن سفارتها بواشنطن ربما تكون قد مولت تجربة مسبقة على خطف الطائرات ، نفذها موظفان حكوميان في السعودية ، ما يعزز بدرجة أكبر الاتهامات بأن موظفين وعملاء تابعين للمملكة أداروا وساعدوا في تنفيذ الهجمات .. ) .
* وبخصوص هذه الجزئية لا أدري كيف للأمير محمد بن سلمان أن يغطي ويعتم ويضلل على هذا النشاط الأرهابي دوليا ، وحتى لو أستطاع ذلك داخليا ! ، أن قيادة الأرهاب تقوده عملة واحدة وجهيها هما السعودية وقطر ، ولحقت بهما تركيا التي تحلم برئيسها رجب طيب أردوغان بالأمبراطورية العثمانية ! .
ثالثا : ولا أدري أي حياة مجتمعية يتحدث عنها الأمير بقوله ( بالعودة إلى زمن الاعتدال قبل الثورة الخمينية 1979 والتي صدرت التطرف إلى المنطقة ، وقال سنعود إلى ما كنا عليه ، سنعيش حياة طبيعية ، تترجم ديننا السمح .. ) ، بداية أن كان هناك من تأثير للثورة الخمينية ، فأن معظم أنعكاسها كان منصبا على العراق ، ثم سوريا ولبنان ، أما السعودية فما نالها فهو قليل ! ، كذلك لم تكن هناك من حياة مجتمعية في السعودية قبل السبعينات ، حيث كانت السعودية منشغلة بحشد المجاهدين الى أفغانستان ! ، أما قوله ( بتدمير أي أفكار متطرفة اليوم .. ) ، فأعتقد أن هذا حلما ربيعيا سيتساقط سريعا ، لأنه يعني القضاء على شيوخ فتاوى الجهاد ! ، وتفتيت هيكلية المؤسسة الدينية شيوخا ومنهجا ودورا ، وكذلك المس ببعض أفراد العائلة المالكة وبعض أفراد الدولة ، وهذا هو شبه المستحيل ! .
رابعا : أن الأمير يتكلم عن نهضة ورؤية مستقبلية للمملكة ، وهذا يتطلب نهضة بل طفرة في المناهج التعليمية خاصة ، من الروضة وحتى الجامعة ، علما ان التدريس باللغة الأنكليزية محرم وفق المذهب الوهابي ، وحسب منهج مرجع الوهابية شيخ الأسلام بن تيمية ، فقد جاء في موقع / المجلس اليمني ، التالي ((قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه ” اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم “ فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ، ولا يصح لمسلم التكلم بغيره .. ( ص 203 ) . وقد سُئل الإمام أحمد بن حنبل عن الدعاء في الصلاة بالفارسية ؟ فكرهه . وقال : لسان سوء ولا يصح الحلف بها ولا الصلاة ولا سائر العبادات (ص 204 ) .. )) ، فأي نهضة والتكلم بغير العربية دينيا حرام !! .
خامسا : ولي العهد السعودي يؤكد ( بالعودة إلى زمن الاعتدال ) ، وهذا قول صريح وواضح على تطرف المملكة سابقا وحتى الأن ، وولي العهد يدرك ان الأمر أمر غاية في التعقيد والصعوبة ، خاصة بالنسبة لشاب لا يمتلك أي خبرة سياسية أو أقتصادية ، وليس له من دراية بالخطط الستراتيجية والتكتيكية ، نعم لديه مستشارين وخبراء ، ولكن هذا ليس مجديا أذا لم يمتلك الحاكم نفسه الخبرة والقدرة على أدارة الامور ، وهو حاليا مشغول بعاصفة الحزم في اليمن ، والأمير المدلل / من جانب أخر ، أصلا يعيش حالة من البذخ لا مثيل لها / حاله حال العائلة المالكة السعودية ، فقد جاء في موقع بوابة الوطن الألكترونية الأربعاء 19-10-2016 ، التالي (قام ولي ولي العهد السعودي ، الأمير محمد بن سلمان بشراء يخت قيمته حوالي 550 مليون دولار ، من مليادير روسي ، وفقًا ما ذكرته صحيفة “ نيويورك تايمز” الأمريكية السبت الماضي ) ..
خاتمة :
أنا لا أدري عن أي نهضة يتكلم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، فواقع الوضع السعودي ، كما يلي :
أن الأمير محمد جاء بأنقلاب ملكي ، بلا أي خبرة لا على مستوى المملكة ولا على المستوى الدولي ، معظم الأمراء الأخرين طامعين بالحكم ، وبنفس الوقت أغلب الأمراء أحق منه بولاية العهد ، المجتمع ذكوري ، تحكمه تقاليد وأعراف بالية قبلية شبه جاهلية ، الحكم وفق الشريعة الأسلامية – من قطع الرقاب وبتر الأيادي والجلد / أيستطيع أن يعطل ولي العهد أحكام القرأن !! ، هل بالأمكان أن يامر ولي العهد من دخول غير المسلمين الى مكة والمدينة !! ، كيف سيحل مشاكل الشيعة في الأحساء والقطيف ، حرب اليمن ، المشكلتين الأساسيتين أيران وقطر .. وغيرها . النهضة ليست كلام مرسل أيها الأمير ، أنما هي ثورة شاملة ، فكرية وتعليمية وأقتصادية وسياسية وأجتماعية .. ، ثورة في عقلية الأنسان السعودي ، تستوجب أمير خبير متمرس مع كوكبة من المستشارين ، أضافة الى مؤسسة دينية حداثوية .. كل هذا مفتقد لدى ” ولي العهد ، الدولة والمؤسسة الدينية ” ، لهذا سيبقى الأمير شاردا حائرا بين ” المطرقة والسندان ” !! .