(سفر التكوين 19: 14- 26)
فَخَرَجَ لُوطٌ وَكَلَّمَ أَصْهَارَهُ الآخِذِينَ بَنَاتِهِ وَقَالَ: «قُومُوا اخْرُجُوا مِنْ هذَا الْمَكَانِ، لأَنَّ الرَّبَّ مُهْلِكٌ الْمَدِينَةَ». فَكَانَ كَمَازِحٍ فِي أَعْيُنِ أَصْهَارِهِ. وَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ كَانَ الْمَلاَكَانِ يُعَجِّلاَنِ لُوطًا قَائِلَيْنِ: «قُمْ خُذِ امْرَأَتَكَ وَابْنَتَيْكَ الْمَوْجُودَتَيْنِ لِئَلاَّ تَهْلِكَ بِإِثْمِ الْمَدِينَةِ». وَلَمَّا تَوَانَى، أَمْسَكَ الرَّجُلاَنِ بِيَدِهِ وَبِيَدِ امْرَأَتِهِ وَبِيَدِ ابْنَتَيْهِ، لِشَفَقَةِ الرَّبِّ عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَاهُ وَوَضَعَاهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ لَمَّا أَخْرَجَاهُمْ إِلَى خَارِجٍ أَنَّهُ قَالَ: «اهْرُبْ لِحَيَاتِكَ. لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ، وَلاَ تَقِفْ فِي كُلِّ الدَّائِرَةِ. اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلاَّ تَهْلِكَ». فَقَالَ لَهُمَا لُوطٌ: «لاَ يَا سَيِّدُ». هُوَذَا عَبْدُكَ قَدْ وَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ، وَعَظَّمْتَ لُطْفَكَ الَّذِي صَنَعْتَ إِلَيَّ بِاسْتِبْقَاءِ نَفْسِي، وَأَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَهْرُبَ إِلَى الْجَبَلِ لَعَلَّ الشَّرَّ يُدْرِكُنِي فَأَمُوتَ. هُوَذَا الْمَدِينَةُ هذِهِ قَرِيبَةٌ لِلْهَرَبِ إِلَيْهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ. أَهْرُبُ إِلَى هُنَاكَ. أَلَيْسَتْ هِيَ صَغِيرَةً؟ فَتَحْيَا نَفْسِي». فَقَالَ لَهُ: «إِنِّي قَدْ رَفَعْتُ وَجْهَكَ فِي هذَا الأَمْرِ أَيْضًا، أَنْ لاَ أَقْلِبَ الْمَدِينَةَ الَّتِي تَكَلَّمْتَ عَنْهَا. أَسْرِعِ اهْرُبْ إِلَى هُنَاكَ لأَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئًا حَتَّى تَجِيءَ إِلَى هُنَاكَ». لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُ الْمَدِينَةِ «صُوغَرَ». وَإِذْ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَى الأَرْضِ دَخَلَ لُوطٌ إِلَى صُوغَرَ، فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ، وَكُلَّ الدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ، وَنَبَاتِ الأَرْضِ. وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ.
«قُومُوا اخْرُجُوا مِنْ هذَا الْمَكَانِ، لأَنَّ الرَّبَّ مُهْلِكٌ الْمَدِينَةَ»
ليس خافياً على الإنسان المتحضر في اي بقعة من العالم ألا ويعترف بأهمية حضارة بين النهرين التي شاركت بكل قوتها في إغناء علوم الانسانية والحضارة الروحية السامية للعالم، بما هو مفيد لإنسان اليوم في عصر التكنولوجيا إنما يقف مبهوتاً امام عظمتها، ولهذا انهال عليها على مدى التاريخ الطامعون بخيراتها لتدميرها من أساسها وسرقة حتى حجارة أركانها. هؤلاء هم القوى الإستعمارية والإرهابية، هذه القوى الغازية التي أتت باسم الفتوحات والتحرير والتي ليست إلا لجعلها مثل أرض البادية التي أتوا منها. وأما الناس والحكّام الذين هي تحت حكمهم ليسوا إلا سارقي وناهبي خيراتها ونابشي جسمها لأنهم يعرفون ان الأرض ليست أرضهم وهم غرباء عنها، فحملوا ما استطاعوا حمله من خيراتها لجعلها أرض جرداء.
وأما من ناحية اخرى فنرى أبناءَها عبر التاريخ كيف استقبلوا هؤلاء المحتلين واستضافوهم في عقر دارهم وجعلوهم هم أصحاب الدار وقاموا بخدمتهم وتقديم كل ما يلزم لهم لكي يرضوهم ويقول لهم هؤلاء في النهاية “عَفَرم”، أنتم أحسن خَدَم أمينين (أهل الذمة).
وأما البعض الآخر الذي يرثي على الوضع ويراوغ ولا يخطو ابعد من مكانه، ويتباكى على الأطلال بقوله: أسفاً (حرامات) هذه هي أرضنا وبلدنا وحضارتنا وثقافتنا كيف نتركها؟ ولا يتجرأ حتى ان يسمّيها بأسمها الحقيقي (بل ويقول للذي هاجر ليستقر في بر الأمان انه قد “أَّخان”)! حيث ان كل ما يقدر هؤلاء قوله هو: ان المسيحية كانت هنا قبل مجيء الإسلام، وقد تعايشنا بالأخوّة معهم “بالمحبة والوئام” (كذباً)، متناسين (وناكرين) أصلهم وتاريخ تلك الحضارة العظيمة بين النهرين قبل دخول المسيحية، وكأن المسيحيين الذين جاؤوا بعد ذلك قد نزلوا من كوكب اخر، وسكانها الأصليين قد انقرضوا.
كثيرا من المسيحيين الكلدان يتفاخرون بأنهم في زمن العباسيين قدّموا للدولة كثيرا في الترجمة والطب وووووالخ، وكانوا سبب ازدهارها، اي قدموا خدمتهم كـ”أهل ذمة” وهذه الخدمات كانت رصاصة في انتحارهم امام البدو، وتلك كانت نهايتنا كشعب له ثقافته وهويته وحضارته.
وكون المسيحيين برضاهم قد قبلوا ان تكون حضارة البادية تغطي على حضارة بابل العظيمة ويستبدلوها برعاة الإبل، والجميع يعملون في خدمتهم ويتسابقون من الذي يكون عبدهم الأمين والأفضل من قرينه. واليوم بعض الزعماء الكنسيين يأخذون ذاك الزمن مثالاً لهم كي يستمروا في تقديم أفضل خدمة لأحفاد البادية العربان وإخوانهم أهل الجبال من وراء الجبال، كي يقضوا على ما تبقى منا ومن حضارتنا الأصيلة التي نحن الكلدان وريثها الشرعي.
ان ما شهدناه مؤخراً من خروج جماعي لشعبنا من المدن والقرى الكلدانية لهو مثل ما فعل الملاك مع لوط عندما أمسك بيد لوط وبيد زوجته وبيد ابنتيه واخرجهم من بيتهم ومدينتهم.
(مثل حكمة سليمان في سفر الملوك الأول: الفصل 3: 16- 27):
16 حينئذ أتت امرأتان إلى الملك ووقفتا بين يديه. 17 فقالت المرأة الواحدة: استمع يا سيدي. إني أنا وهذه المرأة ساكنتان في بيت واحد، وقد ولدت معها في البيت. 18 وفي اليوم الثالث بعد ولادتي ولدت هذه المرأة أيضا، وكنا معا، ولم يكن معنا غريب في البيت غيرنا نحن كلتينا في البيت. 19 فمات ابن هذه في الليل، لأنها اضطجعت عليه. 20 فقامت في وسط الليل وأخذت ابني من جانبي وأمتك نائمة، وأضجعته في حضنها، وأضجعت ابنها الميت في حضني. 21 فلما قمت صباحا لأرضع ابني، إذا هو ميت. ولما تأملت فيه في الصباح، إذا هو ليس ابني الذي ولدته. 22 وكانت المرأة الأخرى تقول: كلا، بل ابني الحي وابنك الميت. وهذه تقول: لا، بل ابنك الميت وابني الحي. وتكلمتا أمام الملك. 23 فقال الملك: هذه تقول: هذا ابني الحي وابنك الميت، وتلك تقول: لا، بل ابنك الميت وابني الحي. 24 فقال الملك: ايتوني بسيف. فأتوا بسيف بين يدي الملك. 25 فقال الملك: اشطروا الولد الحي اثنين، وأعطوا نصفا للواحدة ونصفا للأخرى. 26 فتكلمت المرأة التي ابنها الحي إلى الملك، لأن أحشاءها اضطرمت على ابنها، وقالت: استمع يا سيدي. أعطوها الولد الحي ولا تميتوه. وأما تلك فقالت: لا يكون لي ولا لك، اشطروه. 27 فأجاب الملك وقال: أعطوها الولد الحي ولا تميتوه فإنها أمه.
“اشطروا الولد الحي اثنين”
أيها الأخ الكلداني: اترك بلدك الذي إضطهدك ولا تشارك في تمزيق جسمك، الى ان يأتي ذلك اليوم وترجع، ولكن الآن خذ معك ما هو أثمن ما عندك وسِر في الأرض، لأن أرض اللـه واسعة الى ان تستقر في بر الأمان، ولا تنسى من ان تحمل معك هويتك الكلدانية البابلية متفاخرا، وسمِّي أبناءَك بأسماء الآباء والأجداد، وتكلم بالارامية – الكلدانية أينما استقريت وتكون هي لغتك الاولى في بيتك وبين جماعتك “community” (لا أقصد في الكنيسة لأنه مع كل الأسف لقد طغت فيها لغة البادية على لغتنا وطقسنا من جراء اصحاب التأوين والتلوين)، وأما بين الناس فاستعمل لغة البلد الذي استوطنت فيه وجعلك مواطناً من الدرجة الأولى، ويضمن لك جميع حقوقك الإنسانية التي لم تحلم بها يوماً ومن اقتنائها، ولا حتى المطالبة بها وأنت في أرضك الأم في هذا الزمن الفاسد.
(سفر التكوين 12: 1- 5)
1 وقال الرب لأبرام: اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك، وتكون بركة وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض، فذهب أبرام كما قال له الرب وذهب معه لوط. وكان أبرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران فأخذ أبرام ساراي امرأته، ولوطا ابن أخيه، وكل مقتنياتهما التي اقتنيا والنفوس التي امتلكا في حاران. وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان. فأتوا إلى أرض كنعان.
(سفر التكوين 15: 7)
7 وقال له: أنا الرب الذي أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها.
ان الهروب الى بر الأمان يا اخوتي هو الحل السليم كي لا تُفقد حياة اي إنسان (على صورة اللـه ومثاله) لأنها لا تُثمن ولا تُعوّض، وكي لا تُسفك منها حتى ولو نقطة دم واحدة هباءاً وهدراً من أجل حراسة جدران عجماء، وان لا نكون حارساً – ناطورا – للمومياء.
ماذا حصّلوا اولئك الذين قُتلوا في حرب العروبة القادسية؟(لا اقول استشهدوا)، وفي حرب الخليج الاولى والثانية؟ وفي الصراعات الداخلية لحد هذا اليوم؟ وحتى الذين قُتلوا في الستينات والسبعينات في جبال شمال العراق، اذ هدمت قرانا جميعها واحرقت؟ وقبلها على مدى التاريخ؟؟؟ ماذا حصّلوا من غير الهلاك والدمار؟ ألم تكن نسمتنا اكثر من %60 في العراق عندما غزت القوات الاسلامية بلادنا؟ وما هو حجمنا اليوم؟؟؟
فالحكمة من هذه كلها فلنأخذها من الإنجيل المقدس ومن الحياة الأرضية لربنا يسوع المسيح كما يقول مار متي (2: 13- 23):
وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ».فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. …. فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ». فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. لكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ عِوَضًا عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ، خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ. وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ، انْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ. وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا».
في الختام:
سوف نرجع الى بابل عندما تأتينا رسالة من السماء وتقول: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ».
اننا بابليّون اينما استقرينا، واننا كلدان وهذه هويتنا.
الأب نوئيل كوركيس
كاهن الرب الى الأبد
الاب نوئيل المحترم
.. مقال رائع واتفق مع كل كلمة فيه واني كتبت مقالا بهذا المعنى مباشرة بعد احتلال داعش للموصل سابعث لكم نسخة منه لاعادة نشره ان امكن..تحياتي
داود الجركو
نعم الهجرة الان وليس غدا
https://kaldaya.me/2017/02/28/5427