Articles Arabic

في ذكـرى ميلاد جـليل الأمم المسيح يسوع

مايكل سـيـﭙـي /سـدني

بلغـتْ الفلسفة اليونانية أوجّها في عهـد أرسطو وسـقـراط وأفلاطون قـبل ما يزيد على أربعة قـرون من بدء التأريخ الميلادي ، تلك الفـلسفة التي لا يزال يدرسها فـطاحل المعـرفة والمنطق إلى يومنا هـذا ومعها كان الإغـريق يصنعـون لهم آلهة يعـبدونها في حـين كانت أقـوام أخرى تسجـد للنار كالفرس ، أما أقـوام أخـرى فآلهتهم كانت البقـر أو التـنين …

لكـن شعـب بيث نهـرين كان منهـمكاً بالعـلوم الصرفة وبناء القـوة العسكـرية وسن القوانين إضافة إلى عـبادة الأوثان ومع تلك الأنواع من العـبادات كان شعـب الله المنحـدر من الآباء الأوائل الكـلدانيّي الأصل إبراهيم وإسحق ويعـقـوب يؤمنون بالله الواحد إضافة إلى إعـتـزازهم وتـشـبثهم بأصولهم القومية وجـذور أجـدادهم المتغـلغـلة في أرض الرافـدين ، وإستطاع بعـض قادتهم الملتهـبـين حـماسا وحـبا لقـوميتهم توحـيد جـموعهم والحـفاظ على هـويتهم بعـد هجـرتهم إلى ديار بعـيدة ، وفي جانب آخر كان أنبـياؤهم المنبثـقـون من بين صفـوفهم يؤمّـلونهم بخلاص قريب من التـشرد والعـبودية للأجـنبي وبمجيء ملك مخلـِّـص وهُم ينتظرونه بفارغ الصبـر .

 

 

وفي ملء الزمان حـيث الفلسفة منـتعـشة في مكان ، والجـيوش مدججة بالسلاح في مكان آخر في حـين العِـلم متـقـدم عـند شعـوب أخـرى ، كان المذود المتواضع في بيت لحم محل ولادة طفل ليكـون أول فـدائي في العالم الذي أهـرق دمه فـدية من أجل محـبـيه ، ذلك هـو الرب يسوع المسيح ملك الملوك الذي ليست مملكـته على الأرض الفانية ، ورب الأرباب الذي لم يضع على كـتـفه رتبة يفـتخـر بها ولكـن قادة وملوكا خـرّوا له ساجـدين ، لم يوفـر لنفسه مالا ولا إحـتفـظ بإسمه أملاكا ولكـن أصحاب المال والأساطيل إنهاروا أمام تواضعه الذي جعـله فخـرا للأجـيال مدى الحياة .
إن أباطرة وعـظماء ، قادة وأمراء ، ملوكا ورؤساء لم يستطيعـوا وضع سنين عـمرهم على قارعة الطريق ولكـن الإبن الوحـيد ، الفادي الفريد ـ قسم تأريخ البشرية والكـون إلى نصفـين ــ قـبل وبعـد ميلاده . يسوع المسيح هـذا إخـتار تلاميذه من بسطاء القوم ليُخجلَ بهم الحكماء ، أرسلهم رسلا وشهداء له بين البشر، فـتركـوا نزعاتهم الذاتية ، أموالهم الشخـصية ، روابطهم العاطفـية ، مواقعهم الإجـتماعـية ، دوافعهم النفسية ، مكـنوناتهم الداخـلية ، ليحـملوا الصليب ويتبعـوا ربهم بمحض إرادتهم غـير مجـبَـرين ولا خائـفـين لأنهم قـبـِلوا الدعـوة ونذروا أنفسهم لها . واليوم نحـن مقـبلون على توديع السنة الـواحـدة والعـشرين من الألـفـية الثالثة للميلاد المجـيد ، وفي المسكـونة معـلمون كـثيرون نذروا أنفسهم للسير وراء المسيح تلبـية لـندائه ونشر تعاليمه (ليكـونوا تلاميذه) يريدهم الرب أن يكـونوا قـدوة لنا نحن العـلمانيـين المتعـلمين ، نتوقع منهم أن يتوشحـوا بوشاح البساطة كالمسيح وينكـروا ذاتهم مثل المسيح ، يحـبون القريب (وإن كان عَـدُوا) كما فعل المسيح ، لا يـبنون لهم خـزائن على الأرض كي نرى فـيهم صورة المسيح ، يؤدون طـقوسهم ومتطلبات خـدمة الرعـية بدون مقابل كما عمل المسيح ، لا بل يعـطون معادنهم وأوراقهم الخـضراء والحـمراء لغـيرهم (مجانا أخـذتم مجانا أعـطوا) فعـندئـذ يتميز الطالب عـن المعـلم ، والجـندي عـن القائد ، والعـلماني المتهافـت وراء هـذه الحياة الفانية عـن الإكـليروس الذي يتـقـدمنا إلى الحـياة الأبدية ، يحرمون أنفسهم من ملذات الدنيا كما كان المسيح ويتركـوها لنا نحن قـليلي الإيمان ، يتـنازلون عن الألقاب والرتب بتواضع لنجـري وراءها نحـن المتكـبرون ، يمتـنعـون عـن الجلوس في صدارة الديوان ليفرغ لنا نحـن الذين نحـب الظهـور، وبهـذا نعـرفهم أنهم تلاميذ الرب يسوع وهم الذين نذروا أنفسهم لحمل صليـبه ورفع مشعـله بمحـض إرادتهم ، عـسى أن نـتـشجع لنسلك خـطاهم ، ويكـونوا مِلحا لمائدتـنا الفاهـية ، وإن لم يتميزوا عـنا بتلك الصفات فلا فـرق بـينـنا وبـينهم وسنكـون جـميعـنا عـلمانيـين كـنسيـين وقادة روحـيـين دنيويـين ، ونصبح كـلنا راع وكـلنا مسؤولين عـن رعـيتـنا وحـينئـذ سيمكـننا الحـصول عـلى إجازة مشروع إقـتصادي لبناء بـيت للعـبادة نعـمل فـيه كمالكـين أو موظـفـين ونكـون قـد بعـنا المسيح ودمه وإستـلمنا دولارات رواتبنا كـتـحـصيل حاصل.

Follow Us