Articles Arabic

الحلقة الثالثة: مَن يكــون سـيـدنا ، المسيح أم الـﭘـطـرك ؟

بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني ــ 

قـرأتُ مقالة كـتـبها سيادة المطران باسل يلـدو في صفحـته / الـفـيسبوك بعـنـوان  : (( الوصية الثانية ــ لا تحـلف بإسم الله بالباطل )) وإرتأيتُ التعـلـيق عـليها فـكـتـبتُ تحـتها سؤالاً بسيطاً ولم يـرد عـليه . إما ليس متابعاً لمقالته أو رأى نـفسه محـرَجاً أمام سؤالي أنا العـلماني البسيط وهـو مطران ، فكـيف سيكـون موقـفه أمام المـفـكـر فلان وعلان ؟ …. ثم في مناسبة أخـرى كانت كـرازة لمطران ثانٍ يُـنـبّه المؤمنين بإسهاب إلى الوصية : أنْ لا يحـلـفـوا ! دون أن يـؤكـد لهم أن هـذه الـوصية هي مجـرّد ((( كـلمة الله عادية ــ وليست إلـزامية ــ بمعـنى ليست إجـبارية ))) وإنمانـفـهمها كأن الله يقـول : ((( إنه جـيـد أن لا تحـلـفمن الأفـضل أن لا تحـلـف ))) دون أن يأمُـرنا بها أمراً !. (( وهـنا أستسمح القارىء لأقـول له : حـبـذا لـو نسمع رأيه هـل أن الوصية هي كـلمة عادية وليست أمراً ؟ )) ….. وكـم يكـون رائعاً لـو المطران تـطـرّق في كـرازته إلى تـكـرار المسيح حـرف ( لا … الناهـية ) فـي أقـواله التالية   

ولا تـدعـوا أحـداً أباً لكم في الأرض ، لأن لكم أباً واحـداً )) ، ((ولا تـدعـوا أحـداً يـسميكم رابي … ولا تـدعـوا أحـداً أباً … ولا تـدعـوا أحـداً يسميكم مرشـداً … )) الملاحَـظ في هـذه الآيات أن المسيح أكــّـد عـلى : ولا  ولا  ولا ! فـيقـودني كـمؤمن إلى سؤال فـضولي : لماذا ألحّ المسيح عـلى هـذه الحـروف الناهـية … ولا  ولا  ؟

ثم يأتي السؤال المنـطقي : هـل نحـن بحاجة إلى أب ثالـث طالما لكـل واحـد منا أبَـوان (1) أب سماوي بقـدرته خـلـقـنا (2) أب بايـولوجي مِن صُلـْـبه أنجـبَـنا ؟ فإذا إبتـكـرنا أباً ثالثاً لـنا سـنـصبح مخالـفـين لـوصية ربنا ، فـهـل يصح أنْ نُـرضي الكاهـن بكلمة أبـونا ، ونـتجاهـل إرادة الله الآب في سمائـنا ؟

المسيح إنـتـقـد رجال الـدين بقـوله : (( يحـبون المقـعـد الأول في المآدب وصدور المجالس في المجامع وتـلـقــّي التحـيات في الساحات ، وأن يدعـوهم الناس : رابي )) .؟ إذن طالما أن الـﭘـطرك هـو خادم أمين بمثابة ــ تلميـذ المسيح المعـلم ــ فـلماذا نـدعـوه سـيـدنا ، ويسوع المسيح هـو سـيـدنا ؟ هل نخـدم سـيـدَين ؟ إن سؤالي ليس إستـفـزازاً وإثارة ، ولكـنه بحاجة إلى جـواب منـطـقي سـليم بجـدارة   

وحـتى لا يُعاتـبنا الـبعـض ، نـقـول مقـدماً أنـنا لسنا حُـكاماً ولا أمراءَ ! وإنما نـنـقـل كلام المسيح الـذي يـوصي شعـب الله بأن لا يـدعـون رجـل الـدين ( أبونا  أو  سـيـدنا ) فهـل نـطيع المسيح أم لا ؟ أما إذا أفاد رجال الـدين الـيـوم بأنهم يغـضون الـطرف عـن تلك التـوصيات ، عـنـدئـذ يكـون لـنا موضوع آخـر

ملاحـظة لغـوية

إنّ أغـلـب الكــُـتــّاب لا ينـظـرون إلى الـﭘـطرك ساكـو فاعلاً مرفـوعاً من الناحـية النحـوّية ، وهـو صاحـب السيادة والـنيافة والعـظمة ! وإنما مجـروراً جَـرّاً بحـرف ياء ( ــيـ ) ! فـيـكـتـبـون : جاء أبـيــنا الـﭘـطرك ساكـو ، راح أبــيــنا الـﭘـطرك ساكـو ، ذكـرَ أبــيــنا الـﭘـطرك ساكـو .! والمفـروض أن يرفـعـوه رفـعاً بالواو : جاء أبـونا !! )) ……. المهم الآن دعـونا نـتـعـلم من المتـواضعـين وهـذه أمثـلة

اولا) قال الـﭘـطريرك صفـير : “ جاهـدت ، كل حـياتي ، لأستحـق لـقـب ــ الحـقـير ــ الذي حمله أسلافـنا ، السعـيدو الـذكـر ، فعاشوا بتواضع وكـرامة ، وكـرسوا ذاتهم للخـدمة ، يقـينا أن ملكـوت الله ليس أكلا وشربا لا ذهـبا ولا فـضة ، بل بـرّ وسلامٌ ، صفاء ومحـبة   

ثانيا) ﭘـطريرك آخـر وقع رسالة كما يلي : …. الإمضاء : ــ الحـقـيـر ــ الـﭘـطريرك يوسف تـيان

فـنسأل الـﭘـطرك ساكـو المحـترم ، هـل يتـواضع بمستوى يسمي نـفـسه ( الـحـقـيـر) والتي تعـني المتواضع ؟

إن كـهـنة بعـض كـنائس اللاتين الكاثـوليك يرفـضون كـلمة

 ( Father )

وعـوّضوها بـ

( Brother )

مثـلما نـسمي راهـب الـدير (( أخـونا )) وهـذا مقـبـول فكلاهما ــ الكاهـن والراهـب ــ تلاميـذ المسيح قـدوة لـنا . وهـنا نـتابع قائـلـين : إن كان الإكـليروس متـواضعاً يرفـض تـمجـيـد ذاته ، هـل يمنع مِن تسميته أخـونا أياً كانت درجـته ، خاصة وإنـنا جـميعـنا إخـوة يسوع ؟ أليس رائعاً أن أساوي كـل إكـليروس بأخي ؟ حـبـذا لـو يتـفـضل أي إكـليريكي أو لاهـوتي ويجـيـب عـن سؤالـنا للـفائـدة العامة

إن أفـكاراً كـهـذه لستُ أنا مبتـكـرها وإنما أعـلى سلطة كـنسية المتمثـلة بالـﭘاﭘا فـرانسيس حـيث يقـول للإكـليروس : ( إنّ الذي يـبحـث عـن مجـده الخاص ، لن يتـمكـن من التعـرّف عـلى يسوع )

وفي 19 آذار 2018  في يوم عـيد الـقـديس يوسف في بازيليك الـقـديس بطرس ، أثـناء إحـتـفاله بالـقـداس الإلهي عـنـد الإحـتـفال بسيامة ثلاثة أساقـفة جُـدد ، حـثّ البابا فـرانسيس قائلاً

(( يجـب عـلى الأسقـف أن يخـدم ، لا أن يسيطر … تجـنّبوا تجـربة أن تصبحـوا أمراء ، أحـبّوا بمحـبّة أبويّة وأخـويّة جميع الذي أوكلهم الله إليكم ، لا سيما الكهنة والشمامسة معاونيكم في الكهـنـوت ))

كـونوا قـريـبـين من كهـنـتكم وليجـدوكم بقـربهم دائماً عـنـدما يحـتاجـون إليكم . إقـتربوا أيضاً من الفـقـراء والضعـفاء والمحـتاجـين للمساعـدة والإستـقـبال . شجِّعـوا المؤمنين عـلى التعاون في الإلـتـزام الرسولي وأصغـوا إليهم

ولـنـتـذكــّـر أن يسوع جاء ليحـررنا حـين قال : ( إن عـرفـتـم الحـق ، فالحـق يحـرركم ) فإذا عـرفـنا الحـق ، لم نعُـد عـبـيـداً لغـيـرنا ، فهـل مِن إعـتـراض عـلى كلام المسيح ؟ .. نـنـتـظـر جـواباً

إنـتباهة : يوجـد تـقـلـيـد موروث في المجـتـمع العشائـري الكـردي يقـول (( شـيخ كـُـري شـيخ )) يعني : شـيخ إبن شـيخ !! مفاده أنّ أبناء العـشيرة ملـزَمـون بالخـنـوع لإبن الشيخ كـخـضوعهم لأبـيه الشيخ . إنّ أبناء الكـنيسة ليسوا ملـزمين عـلى إتباع تـقالـيـد ضيقة عـشائـرية

************

يَعـتـقـد البُسطاء ( أقـصد المثـقـفـين الأميـيّن ، ذوي ربطة عـنق وأحـذية لماعة ) أنّ رجـل الـدين مهما كان بسيط المعـرفة قـلـيل الـثـقافة ضعـيـف الشخـصية فإن مكانـته في نـظـرهم أعـلى من كـل الـرجال العـلمانيـيـن : أساتـذة الجامعات ، عـلماء المخـتـبرات ، قادة المجـتـمعات ، طياري المركـبات الفـضائية ، خـبراء الإلكـتـرونيات ، المؤلـفـون والفلاسفة وروّاد الـمكـتـبات !! … لأن هـؤلاء الناس السُـذج المثـقـفـين الأميـيـن منـبهـرون من كـلمة ( درغا ) ويجـهـلـون معـناها فـيـقـولـون عـن الكاهـن : عـنـده درغا ، ولا يعـرفـون أن معـناها درجة ….. وهي وقار لصاحـبها ، يحـتـرمه الجـميع ، وهـو بـوقاره يحـتـرم الجـميع أيضاً دون أن يتعالى عـليهم

فالكاهـن الشاب حـديث الـرّسامة ، درجـته الكهـنوتية أقـل من الــطرك الـذي يتميز بصلاحـيات ، ولكـن لا محاباة عـنـد الله ، فلا يَحـرمه من كـرامة وإنسانية مساوية للآخـر . عـلماً أن الدرجة الكهـنـوتية للمطران والـﭘـطـرك والـﭘاﭘا هي واحـدة = درجة الأسـقـفـية ، أما ألقابهم الأخـرى هي إدارية

ولإيضاح مفهـوم الـدرجات ، نـقـول

المدرس ومـديـر المدرسة والمديـر العام للـتـربـية ووزير الـتـربـية ورئيس الـوزراء ، لكل منهم درجته الوظيفـية الخاصة أياً كانت تحـصيلاتهم الأكاديمية ، نحـترمهم جـميعهم بمقـدار واحـد مع إحـتـفاظ كـل منهم بشخـصيته وعـنـوان وظيفـته وصلاحـياته والمساحة الجـغـرافـية لإدارته …. ولكـن القانون لا يميّز بـين قـيمتهم الإنـسانية إطلاقاً ، ولا يفـرض إحـتـراما بارزاً لأحـد دون الآخـر  

وللعـلم فـقـط … شاءت الصدف في سنين حـياتي الـتـدريسية أنْ حـضر إلى قاعة محاضرتي مديـر مدرستي مرات ومرات ــ والمـدير العام للـتـربـية مرة واحـدة ــ في زيارة تـفـقـدية ، فكان يطرق الباب قائلاً : تسمح أستاذ ! فأرحّـب به ويـدخـل ويقـف الطلاب إحـتـراماً له ، دون أن يتحـسّب منـصبه أو درجـته الوظيفـية ومقارنـتها بالمدرس … وفي عام 1979 قابلتُ وزير الـتـربـية لضرورة معـينة فـقال : تـفـضل أخي دون أن يحـسب نـفـسه سـيـداً !! وهـل هـناك أرقى من أن يـحـسبني أخـيه ؟ إنها مسألة ذوق وتـربـية وإحـتـرام وأخلاق وكـياسة في التعامل . وإذا تـصرّف شخـص ــ أي كان ــ بـدون ذوق ولا إحـترام للمقابل ، فإنها عـنجهـية منه ، نـتـركه ولا نعاتبه

إنـتـظرونا في الحـلـقة الرابعة

Follow Us