Articles Arabic

الدين في أوروبا.. الاعتراف والحيادية والفصل

بموجب سياسة التسامح صارت الديانات مستقلة عن الدولة منظمة في إطار ترابطي بإمكانها الحصول على وضعية مؤسسات خيرية تساعدها في الحصول على المال.

خلاصة من بحث: محمد بشاري ‘الإسلام في أوروبا الدولة المساجد الحلال’، ضمن الكتاب 112 (أبريل 2016) ”الإسلام في أوروبا’ الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

hhhhhhnnbn

ميدل ايست أونلاين

الاعتراف بالدين

لنأخذ مثال بلدين أوروبيين: المملكة المتحدة والدنمارك، فهذان البلدان يعترفان بوجود ديانة هي السائدة أو المسيطرة. ففي إنجلترا تتميز الكنيسة الأنجليكانية بوضعية الكنيسة “القائمة”، وهي تتميز بوضعية الاستقلالية المالية تجاه الدولة. لكل من الاثنين من رؤساء الأساقفة ولأربع وعشرين أسقفاً مكان في مجلس اللوردات، وكل الاجتماعات البرلمانية تبدأ بصلاة معينة. وبموجب قانون عام 1944 تتضمن التربية العامة دروساً في التربية الدينية. وبالرغم من هذا الاعتراف بديانة “رسمية” فإن الإسلام يتميز بوضعية ترابطية وبتعاون وثيق مع الدولة.

التسامح الديني موجود في المملكة المتحدة، وذلك بموجب عقد التسامح العائد لعام 1688. الديانات مستقلة تماماً عن الدولة وهي منظمة في إطار ترابطي. بإمكانها الحصول على وضعية مؤسسات خيرية تساعدها في الحصول على وضعية مالية لها حسناتها مع الإعفاء من كل الضرائب على مواردها.

في ظل هذا الإطار القانوني المرن، تقوم المئات من المنظمات الإسلامية بتطوير نشاطاتها. ثم إن هذه المنظمات قد أعادت تجميع نفسها في منظمات أخذت مع الوقت بعداً سياسياً مؤكداً. من “اتحاد المنظمات الإسلامية” في الستينيات، والذي طرح نفسه جهاز تنسيق وتواصل مع السلطات العامة، تم الانتقال عام 1991 للطلب بـ”برلمان إسلامي” وعام 1997 لخلق “مجلس ثقافي بريطاني إسلامي”، بما يماثل جسماً تمثيلياً للجماعات الإسلامية التي تكافح من أجل الدفاع عن حقوق المسلمين، في إطار البحث عن الخير المشترك لكل البريطانيين.

وفيما يخص التربية العامة، يجب أن نسجل أن الجمعيات الإسلامية تتعاون على المستوى المحلي مع السلطات المسؤولة (سلطات التربية المحلية)، وقد استجابت هذه بما يتناسب في المدارس العامة (الرسمية) مع الطلبات الخاصة المتعلقة بالزي الموحد للبنات، ودروس السباحة والتربية الرياضية؛ وهكذا ومنذ عام 1986 وضعت الحكومة بتصرف المنشآت المدرسية دليلاً يوضح الخطوط العامة القادرة على مساعدتها في إدارة وتنظيم هذا النوع من الأسئلة.

أما في الدنمارك، فإن البروتستانتية اللوثرية هي الديانة الوطنية وتحظى بدعم الدولة، وذلك بموجب المادة الرابعة من الدستور. والملك الذي يجب أن ينتمي إلى هذه الكنيسة هو –أيضاً- رأسها. ولكن عملياً، فإن سلطته تؤمن بواسطة وزير الشؤون الكنسية. وبالفعل فإن الكنيسة اللوثرية هي كنيسة تعتبر بمثابة سلطة إدارية لا شخصية معنوية لها، وهي موضوعة بتصرف هذه الوزارة، أما مدبرو الطائفة فلهم وضعية الموظفين. تنتفع الكنيسة البروتستانتية اللوثرية من ضريبة شعائرية تتوجب على المواطنين المعمدين في هذه الديانة، والذين لم يتقدموا بطلب للإعفاء منها: تقوم البلديات بجمع هذه الضريبة التي تتراوح بين (0.39%) و(1.5%) من الدخل الخاضع للضريبة. كما تستفيد “الديانة الوطنية” –أيضاً- من مساعدة الدولة المخصصة –أساساً- أجوراً لبعض مدبري الشعائر وموظفي وزارة الشؤون الكنسية، كما لترميم الكنائس. ثم إن دولة الدنمارك تولي الكنيسة الوطنية بعض المهام العامة والمدنية، مثل خدمة مواكب الدفن والتسجيل في الحالة المدنية.

حيادية الدولة

يقر الدستور البلجيكي في المادة الحادية والعشرين منه باستقلالية العبادات تجاه الدولة. وبالرغم من هذه الاستقلالية فإن الدولة تأخذ على عاتقها معالجة أجور مدبري العبادات. والتعليم الديني يحظى بالمكافأة، وهو ممول من قبل الجماعات اللغوية في كل المدارس سواء كانت طائفية أم لا.

إلا أن الحدث المهم هو أن الدولة وبقرار ملكي تعترف ببعض الطوائف، آخذة بالاعتبار “منفعتها السياسية”.

عدا التكفل بالمدبرين وبالتعليم الديني، فإن هذا الاعتراف وبموجب قانون 4 مايو (أيار) 1870 إنما يتضمن بعض الحسنات الأخرى:

– حضور المرشدين في السجون والمستشفيات والقوات المسلحة والمطارات ودفع مرتباتهم.

– تولي دفع بدل السكن أو دفع تعويض لصالح مدبري العبادة.

إن العبادات التي تحظى بالاعتراف العمومي هي: الكثلكة، البروتستانتية، اليهودية، الأنجليكانية والكنيسة الأرثوذكسية.

وقد تم الاعتراف بالإسلام بموجب القانون الصادر في 9 يوليو (تموز) 1974. إلا أن هذا الاعتراف قد تم على المستوى الوطني وليس البلدي.

وبعد سيرورة طويلة بدأت في التسعينيات، وبعد انتخابات نظمت في أوساط الجماعات الإسلامية عام 1998، جرى انتخاب هيئة تنفيذية لمسلمي بلجيكا، وقد حظيت باعتراف رسمي من جانب دولة بلجيكا عام 1999. هذا وقد عين قانون عام 1974 المركز الإسلامي في بروكسل بوصفه الممثل الأساسي لمسلمي بلجيكا، إلا أن المسلمين أنفسهم لم يعترفوا بذلك أبداً. ودون الدخول في التفاصيل، نشير إلى أنه وعلى المستوى الفدرالي، فإن وزارة العدل هي التي تتولى دفع أجور ونفقات الأئمة ومرشدي السجن، أما وزارة الداخلية فهي التي تعطي بدورها الإذن بإقامة الأئمة الغرباء.

في حالة ألمانيا لا بد أولاً من التذكير بأن معاهدة وستفاليا عام 1648 قد كرست ترسيخ ديانتين: الكثلكة والبروتستانتية. في 1919 أكد دستور دولة فايمار عدم تكريس دين خاص بالدولة، معترفاً بحرية الضمير والدين. ولكن نظراً لما حدث من اضطهاد في الرايخ الثالث وتحت الحكم النازي، فإن الدولة قد اعترفت قانونياً بالوظيفة الاجتماعية للأديان.

والعلاقة بين الدولة والأديان قد اتخذت نسقاً حيث يتقارب القانون الأساسي مع دساتير مختلف الأقاليم. يضمن القانون الأساسي الحرية الدينية ولا يعترف بكنيسة للدولة. بإمكان الجماعات الدينية المعترف بها جمع الضريبة وأن تنظم نفسها إدارياً بكل حرية. والذين يشرفون فيها على العبادات يتلقون أجورهم من الدولة. أما الطوائف المعترف بها فهي الكاثوليك، الكنيسة الإنجيلية، المردون، عديد من الكنائس الأرثوذكسية، البروتستانت والطائفة اليهودية. والإسلام لا يحظى بالاعتراف.

church

على مستوى الأقاليم يحظى الإسلام بعديد من الامتيازات في مجال التعليم والثقافة والممارسة الدينية (…) فعلى مستوى الأقاليم تنظَّمُ مختلف مظاهر إمكانات الرؤية العامة.

إننا نلحظ وجود اختلاف في مقاربات النظرة إلى الإسلام في الأقاليم المختلفة: ففي برلين ثمة إرادة التعامل مع الإسلام مثل سائر الأديان الأخرى. أما في بادن فرنمبرغ فالأفضلية هي للمسيحية واليهودية. تتخذ معظم الأقاليم موقفاً معتدلاًيختلف تبعاً للاهتمامات السياسية ولقدرة الجمعيات الإسلامية على التحرك.

الإسلام هو الديانة الثالثة في ألمانيا لكنه لا يحظى بالاعتراف الرسمي. أما السبب الأساسي الذي يشار إليه فهو تعدد الجمعيات الإسلامية واستحالة إمكانية تحدثها بصوت واحد. إن الانفجار داخل الجماعة هو أمر فعلي وله أصوله في التعددية الإثنية التي تكوّن الجماعة الإسلامية (أتراك، من البوسنة، إيرانيون، مغاربة). يبدو أن الاعتراف بها سائر نحو التقدم، وذلك منذ أن تبنى المسلمون إرادة توحدهم.

العلمنة والفصل

منذ عام 1946 يعلن الدستور الفرنسي أن فرنسا “جمهورية غير قابلة للانقسام، علمانية ديمقراطية واجتماعية” وبموجب المادة الثانية الشهيرة في قانون 9 ديسمبر (كانون الأول) 1905 المتعلقة بالفصل بين الكنائس والدولة فإن “الجمهورية لا تعترف ولا تساعد أي طائفة”.

وإذا كان هذا الفصل قد منع أي مساعدة مباشرة أو غير مباشرة لصالح جماعة دينية، فإن نظام الفصل هذا غير كامل. إذ إن قانون الفصل هذا ينص في المادة الثانية عشرة منه على “أن الأبنية (…) التي تستخدم في الممارسة العامة للعبادات أو لسكن المدبرين (…) هي أبنية تظل ملكاً للدولة، والمديريات والبلديات ومنشآت عامة للتعاون بين البلديات إذ تختص بكونها مكان عبادات”.

بل إن القانون الصادر في 31 ديسمبر (كانون الأول) 1959 حول العلاقات بين الدولة ومؤسسات التعليم الخاص قد نص على أن بإمكان هذه الأخيرة الاستفادة من إعانات عمومية إذا ما تم ذلك بموجب عقد مع الدولة.

ثم إن نظام الحق المشترك المحدد بموجب القانون الصادر في 9 ديسمبر (كانون الأول) 1905 لا يطبق على كامل الأراضي الفرنسية. إن حقل تطبيقه محدود في المرتنيك وغواديلوب والمايوت، وحتى في فرنسا نفسها لا يطبق على كامل الأراضي. ففي مديريات الرين الأعلى والأسفل وفي الموسيل والتي كانت جزءاً من الإمبراطورية الألمانية حين تم الأخذ بقانون الانفصال، ما زال القانون التصالحي هو المطبق، فما زال الاعتراف قائماً بالطوائف الأربع: الكاثوليك، اللوثريون، الإصلاحيون، والطائفة الإسرائيلية. والدولة تدفع أجور المدبرين، والدروس الدينية ما زالت تعطى في المدارس العمومية.

بموجب قانون الفصل المشار إليه، يحظى الإسلام في فرنسا بكثير من الإجحاف. بوصفه آخر الديانات التي وُجدت في فرنسا، يصادف الإسلام عديد الإعاقات:

– التأخر الصارخ في بناء أماكن العبادة مقارنة مع الأديان الأخرى.

– نقص في المقابر الإسلامية والمرشدين في المستشفيات وفي الجيش.

– وجود أئمة معظمهم غرباء وقليلو الثقافة.

ظل الإسلام في فرنسا موزعاً بين عدة جمعيات، تترابط بقوة مع البلدان الأصل التي أتى منها السكان المسلمون (المعهد الإسلامي لجامع باريس- الجزائر؛ الاتحاد الوطني لمسلمي فرنسا، وتجمع مسلمي فرنسا- المغرب؛ لجنة التضامن بين المسلمين والأتراك في فرنسا- تركيا). أو مثل اتحاد الجمعيات الإسلامية في فرنسا (UOIF) القريب من منظمات أخرى مثل الإخوان المسلمين والذي يطور رؤية متشددة عن الإسلام.

ثم إن المجتمع الفرنسي يطور عوائق بطرحه المزج شبه الممنهج بين المسلمين والإرهابيين، وقد جاءت أحداث شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 لتعزز هذه الظاهرة. ثم اندفاعة يقوم بها اليمين المتطرف والمعادي للإسلام مستفيداً من مناخ متوتر ليجعل تقبل رهاب الإسلام مقبولاً.

 

 

Follow Us