حسّونة المصباحي
يزال أفلاطون دائم الحضور في المشهد الفلسفي العالمي،ولا تزال آثاره تعتبر مصادر أساسيّة لمختلف التيارات والمدارس الفلسفيّة.وفي البلدان المتقدمة مثل فرنسا وألمانيا ،والنمسا،تقوم كبريات دور النشر بنشر كتبه الشهيرة في طبعات شعبيّة ،بخسة الثمن لتيسير آنتشارها بين التلاميذ والطلبة وجمهور القراء العريض.وكان أفلاطون اول من آبتكر كلمة”فلسفة”.لذلك إذا ما سؤل احدهم:ما الفلسفة،؟كان الجواب على سؤاله:عليك أن تقرأ افلاطون!وقال أحدهم بإن الفلسفة الغربيّة برمتها ليست غير جملة من الملاحظات في أسفل صفحات محاورات أفلاطون”.
وقد ولد أفلاطون عام 427 ،ومات عام 347 قبل الميلاد عن سنّ تناهز الثمانين عاما. وطوال حياته ظلّ نفورا من الزاوج، ولم تعرف عنه أيّة علاقة مع النساء.وهو ينتمي الى الإرستقراطيّة الأثينيّة( نسبة الى مدينة اثينا). وكان لقاؤة بسقراط في سنوات شبابه منعرجا حاسما في مسيرته.فقد أصبح احد ابرز تلامذته،بل لعله أفضلهم جميعا بالنسبة لذلك الفيلسوف الذي كان يعجبه أن يمشي في الشوارع حافي القديمين،مطلقا أفكاره وكأنه يطلق العصافير من أقفاصها.وفي لقاءاته اليومية به،كان أفلاطون يتطرق مع معلمه الكبير الى مختلف القضايا الشائكة في أغلبها.وقد تمكن سقراط منذ البداية أن يحول مسار مريده من السياسة الى الفلسفة لتصبح همّه الأساسي. وكان افلاطون مقتنعا بأن الفلسفة يمكن أن توجّه الحكام الى فعل الخير،وتجنب آرتكاب ما يفسد حياة الشعوب والأمم.وبعد اعدام سقراط الذي كان “كارثة” بالنسبة له،طاف أفلاطون في العديد من المدن الاغريقيّة،وزار جنوب ايطاليا ليرتبط بعلاقة وثيقة مع ديون ،صهر الملك ديونسيوس الكبير.غير أن هذا الملك الطاغية سرعان ما طرده متهماإياه بالمشاركة مع ديون في التآمر ضده.وبعد وفاة ديونسيوس الكبير ،آعتلى آبنه الصغير العرش ،فعاد افلاطون ثانية الى جنوب ايطاليا بطلب من صديقه ديون. ساعيا الى توجيه الحاكم الجديد نحو “فعل الخير” ،غير أنه فشل مرة أخرى فعاد الى أثينا مُوجع القلب.مع ذلك سافر للمرة الثالثة الى جنوب ايطاليا محاولا اصلاح ذات البين بين صديقه ديون وديونسيوس الصغير غير أنه وجد البلاد غارقة في حرب أهلية مُدمّرة أجبرته على العودة الى أثينا ليتذوق مرة أخرى مرارة الفشل والخيبة .وآعتمادا على ذلك، آعتبر المفكر الكبير جورج شتاينار أن أفلاطون هو أول فيلسوف سعى إلى أن يكون له نفوذ سياسيّ للتحرر من برجه العاجي. وربّما لهذا السبب قبل أن يتقرّب من الحكام الطغاة ،غاضّا الطرف عن جرائمهم ،ومظالمهم، ومقدما تبريرات وبراهين فلسفية لإقناع الناس بصواب مسعاه،وصحّة نظريته.ولعل هايدغر حاول هو أيضا أن يكون أفلاطون عصره بهدف الإشعاع خارج المجال الجامعيّ الضيّق.لذلك آرتمى في أحضان النازية معتبرا إيّاها “آنطلاقة” الى مستقبل أفضل،و”ولادة جديدة” للألمانيا التي كانت آنذاك تئنّ تحت وطأة نكبة الحرب الكونية الأولى.
وكان أفلاطون قد أسس عند عودته من رحلته الأولى الى جنوب ايطاليا، ما أصبح يسمّة ب”الأكاديميّة”،جامعا من حوله طلبة ومريدين كان هدفهم الدفاع عن الموسيقى والآداب والفضائل الأخلاقية. وفي بداية مسيرته الفلسفية ،آنصبّ آهتمام أفلاطون على مسألة في غاية الأهميّة تمثلت في كيفيّة بناء المدينة الفاضلة حيث لا يمكن للإنسان الأكثر تعقّلا وحكمة ان يقتل فيها.وبذلك أصبح التنظيم السياسيّ يشغل تفكيره.كما انه آنشغل بقضايا ومسائل أخرى تتصل بالأخلاق والاستيتيقا والمنطق والميتافيزيقا.ويرى الفرنسيّ نيكولا ميليه أن الفلسفة الأفلاطونيّة هي بمثلبة اللغز المحيّر بالنسبة للكثيرين.فقد يكون افلاطون اول من وضع الختم النهائي للفلسفة ولمصيرها.ونحن نراه تائها في سماء الأفكار تماما مثل ظلّ.
وأفلاطون هو مؤلف كتاب”الجمهوريّة” الذي يعبره جلّ الفلاسفة الكتاب الأكثر طموحا لآستخدام النظريّة .وفي هذا الكتاب يلجأ أفلاطون الى الصور لا لتعريف المعرفة فحسب،بل وأيضا لتعريف الفلسفة ذاتها.وأفلاطون هنا يفكر في تربية “ملوكه الفلاسفة” الذين من المحتمل أن يصبحوا حكاما .وقد فعل ذلك مدفوعا بالخيبات التي وَسَمتْ جميع تجاربه السياسية.ومن “جمهوريته”،أطرد أفلاطون الشعراء بآعتبارهم متقيّدين دائما بظواهر الأشياء،وبالتالي عاجزين عن النظر الى ما وراءها.وفي كتابه “المجتمع المفتوح” الذي صدر في فترة تصاعد الحركة الفاشية في ايطاليا،والنازية في المانيا في الثلاثينات من القرن الماضي،،آعتبرالمفكر الكبير كارل بوبر أن أفلاطون هو أول فيلسوف أسس للنظم الشموليه والرجعية بسبب إقصائه للشعراء من “جمهوريته”.
– See more at: http://elaph.com/Web/Qeraat/2016/6/1093542.html#sthash.o9jfgbby.dpuf