Articles Arabic

وَكَانَا كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ

يوسف جريس شحادة

كفرياسيف_www.almohales.org

“وَكَانَا كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ، سَالِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلاَ لَوْمٍ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَدٌ، إِذْ كَانَتْ أَلِيصَابَاتُ عَاقِرًا. وَكَانَا كِلاَهُمَا مُتَقَدِّمَيْنِ فِي أَيَّامِهِمَا. فَبَيْنَمَا هُوَ يَكْهَنُ فِي نَوْبَةِ فِرْقَتِهِ أَمَامَ اللهِ، حَسَبَ عَادَةِ الْكَهَنُوتِ، أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى هَيْكَلِ الرَّبِّ وَيُبَخِّرَ”.{لوقا 9 _6 :1 }.

ما قصد لوقا من العنوان؟ لماذا وجب ذكر أنهما “وكانا كلاهما بارين” الحديث عن ذوي يوحنا. ذكر وشدد لوقا على الأمر في مستهل الآية لان هناك شيوخ وكهنة كانت من الخطاة ومن المجرمين أيضا لذلك وجب التوضيح على سيرتهما الحسنة وهم من الأبرار والصديقين وفي النهاية أضفنا التفسير الابائي وبذلك تكمل الصورة للمعنى.

“حَسَبَ عَادَةِ الْكَهَنُوتِ، أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى هَيْكَلِ الرَّبِّ وَيُبَخِّرَ”.. وردت القرعة في نصوص خدمة الكهنة صفحة في لفيفة الخدمة ص 30 بما معناه انه يجب إجراء قرعة بين الكهنة في وقت التبخير ومهام أخرى داخل الهيكل مثل من يذبح ومن يرمي ومن يشعل المنارة الخ. ولماذا تجرى قرعة أصلا؟ والسبب في القرعة ليشعر الكل بالمشاركة مثلما ورد في سفر المزامير {15 :55 حسب النص العبري الآية 15 والترجمة العربية 14: “الَّذِي مَعَهُ كَانَتْ تَحْلُو لَنَا الْعِشْرَةُ. إِلَى بَيْتِ اللهِ كُنَّا نَذْهَبُ فِي الْجُمْهُورِ.} وحين إجراء القرعة على المشتركين ان يكونوا بلباس الخدمة لأنه في حين فازوا بالقرعة يباشرون بالخدمة وذلك حسب تفسير المشناة.

يَدْخُلَ إِلَى هَيْكَلِ الرَّبِّ، الدخول لهيكل للرب للتبخير يجب على الكاهن ان يحمل المبخرة والمبخرة شكلها شكل الكَيْلَة وهي بالأحرى “كَيْلَة” بالعامية ” كِيلِة” وتبلغ حوالي 6.5 لترا وهناك حسب الرمبام أوان أخرى للخدمة في الهيكل ولها الأسماء والصفات والرموز.

وتفسير الآباء من كتاب الأب تادرس مالطي: “يعلِّق القديس أمبروسيوس على التعبير: “كانا كلاهما بارَّيْن أمام الله، سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم” بقوله: عبارة “بارّيْن أمام الله” لها مغزاها، فالأبرار أمام الناس ليسوا بالضرورة أبرارًا أمام الله. نظرة الإنسان تختلف عن نظرة الله، “لأن الإنسان ينظر إلى العينين، وأما الرب فينظر إلى القلب” 1 صم16: 7. فقد يبدو لي أن إنسانًا ما يستحق أن يُدعى بارًا، لكنه عند الرب ليس هكذا، لأن الدافع لقداسته هو التملُّق لا القلب البسيط. إذن فالإنسان لا يقدر أن يميِّز الخفيَّات، والمكافأة الكاملة هي أن نُحسب أبرارًا أمام الله، وكما يقول الرسول: “الذي مدحه ليس من الناس بل من الله” رو2: 29 مطوّب بحق ذاك الذي يتبرَّر أمام الله! مطوّب بحق ذاك الذي يتأهَّل أن يسمع الرب يقول عنه: “هوذا إسرائيلي حقًا لا غشَّ فيه” يو 1: 47. فالإسرائيلي الحقيقي هو الذي يرى الله ويُدرك أن الله يراه، كاشفًا خبايا قلبه.

يوضَّح العلامة أوريجينوس معنى تعبير “بارّيْن أمام الله” بقوله: قد لا يجد إنسان ما يشتكي به عليَّ بعد فحصه إيّاي، فإني بار أمام الناس… ولكن حكم الناس غير صحيح، فهم يجهلون إني يومًا ما أخطأت في الخفاء في داخل قلبي، ويجهلون إن كنت قد نظرت إلى امرأة واشتهيَّتها وعشت في زنا القلب. قد يراني الناس أتصدّق بحسب إمكانيَّاتي لكنهم يجهلون إن كنت أفعل ذلك لأجل وصيّة الله أم لطلب مديح الناس… طوبى للإنسان البار أمام الله، والذي مدْحه من الله، فالإنسان عاجز لا يقدر أن يحكم بعدل ووضوح. قد يمجِّد الناس من لا يستحق التمجيد، ويدينون من لا يستحق الإدانة. الله وحده عادل في المدح والإدانة

ويعلِّق العلامة أوريجينوس أيضًا على تعبير “بلا لوم” قائلًا: قيل عن الكنيسة بأنها “مجيدة لا دنس فيها ولا غضَن” (أف7: 25). ليس معنى هذا أن ابن الكنيسة لم يُخطئ قط، إنما يعيش في حياة التوبة. تعبير “بلا غضَن” يعني بغضه للإنسان العتيق وكفِّه عن الخطيّة، لذلك يكمِّل العبارة “لتكون مقدَّسة بلا عيب”، فقد ورثت النفس الخطيّة، لكنها تصير طاهرة بلا لوم إن زال عنها وسخ الخطيّة.

هذا ويُعلن الإنجيل برِّهما أمام الله وأنهما بلا لوم بالسلوك العملي في جميع وصايا الرب وأحكامه، وكأن البرّ الخفي يرتبط بطاعة الوصيّة وقبول أحكام الله؛ هذا هو طريق برّنا بالروح القدس الذي يهبنا في استحقاقات الدم أن ندخل إلى الوصيّة ونعيشها بالطاعة في فرح، ونتفهّم أحكام الله وتدابيره فنحمل روح التمييز فينا.

إذ عالج القديس أغسطينوس موضوع “البرّ في المسيح” حدَّثنا عن برّ زكريَّا وأليصابات

معلنًا أن رجال العهد القديم حُسبوا أبرارًا أيضًا في المسيح، خلال رجائهم في المسيَّا المنتظر الذي يقدَّم حياته مبذولة ثمنًا لبرّنا. ففي حديثه عن “الطبيعة والنعمة” يورد كلمات القديس أمبروسيوس، قائلًا: بلا شك عاش رجال العهد القديم بمثل هذا الإيمان في المسيح حتى قبل موته (على الصليب). فالمسيح وحده يرسل الروح القدس المعطَى لنا، خلاله تنسكب المحبَّة في قلوبنا، وبها وحدها يُحسب الأبرار أبرارًا وفي موضع آخر يؤكِّد القديس أغسطينوس أن برّ زكريَّا قائم على عمل السيِّد المسيح الذبيحي خلال ممَّارسته الكهنوتيّة وتقديمه الذبائح الحيوانيّة كرمز لذبيحة المسيح، قائلًا: اِعتاد زكريَّا بلا شك أن يقدَّم ذبائح عن خطاياه

إن كان زكريَّا يُحسب بارًا، لكن هذا لا يعني أنه لم يصنع خطيّة، فقد كرّر القديس أغسطينوس في مواضع كثيرة قول القديس أمبروسيوس: ليس أحد في العالم بلا خطيّة

يرى القديس أمبروسيوس أن زكريَّا وقد “أصابته القرعة أن يدخل الهيكل ويبخِّر” إنما يشير إلى السيِّد المسيح بكونه رئيس الكهنة الذي وحده يدخل إلى الأقداس السماويّة، يكْهِن لحسابنا ويشفع فينا بدمه، وأن إصابة القرعة تشير إلى إرساليته التي لم تكن من الناس بل من قِبل الآب.

Follow Us