الدكتور فراس لوقا
الاعتراف بالخطأ فضيلة، والاعتراف بالهزيمة مرجلّة.
بعد جعجعة غضبية معاصرة لـ “سيفون الجدة” ودراما تقدم مزيجًا متنوعًا من الشجب والتنديد، تخللها بعض العروض المسرحية من قبل المظاهرات والاحتجاجات، وكأننا في حلقة من “برنامج المقالب”، خرجت رئاسة الجمهورية لتُعلن لنا أنها رفضت التظلم الذي قدّمه البطريرك! ويبدو أن الحلقة المقبلة ستكون مليئة بالإثارة، فماذا سيفعل البطريرك الآن؟!
وبالنسبة للاتهامات بـ“الجهل الدستوري” و“التبعية والخنوع” و“عدم الأهلية” وغيرها من الأوصاف الرائعة التي يُقال أنها تطلق على رئاسة الجمهورية، يبدو أن الرئاسة قررت أن تجلس في غرفة المشاهدة وتتناول الشاميّة، فقد اختارت عدم رفع دعاوى قضائية ضد البطريرك. أو ربما كانت تريد أن تحتفظ بتذكرتها للعرض المقبل؟
لكن، يبدو أن اكتشف البطريرك “وصفة سحرية” للتدويل! يُقال أن التهديد بتدويل القضية هو المفتاح الجديد لحلّ كل المشاكل. ربما هذه وصفة عصرية؟ ففي الواقع، يمر البلد بأفضل حالات الاستقرار منذ زمن الديناصورات، على ما يبدو، ولا أعتقد أن أحدهم سيُساقط قلبه للتخلي عن هذا الاستقرار من أجل موضة تدويل جديدة!
أما بالنسبة لأولئك الذين يعاطفون مع البطريرك، فلربما هم يحاولون الحصول على بعض النقاط في لعبة السياسة التي يسمونها “عدو عدوي هو صديقي” … حتى تتغير القواعد، بالطبع. والبطريرك؟ أعتقد أنه لا يجد أصدقاء حقيقيين هنا، فكل شيء يبدو مثل حلقة من “الجميع يخون الجميع”.
وأما الفاتيكان، فهم على ما يبدو مشغولون جدًا بالأمور الإدارية ليكونوا قلقين حول التهديدات والتجاذبات. وبالنسبة لرؤساء الدول والمسؤولين، أتوقع أنهم سيقدمون له “كأس الشاي” وبعض العبارات الرنانة قبل أن يرشدوه إلى الباب مع تمنياتهم بيوم أفضل.
أوه، تبدو الأمور وكأننا في فيلم من نوعية الكوميديا السوداء! يرغب البطريرك في “تدويل” القضية، وهذه طريقة مبتكرة للخروج من مأزق الأمور المحلية. لكن السؤال الحقيقي هو: هل الأمور حقًا بذلك السوء في الداخل لدرجة اللجوء إلى الساحة الدولية؟ أو ربما هذا مجرد استراتيجية لجذب الانتباه؟
وبالطبع، هناك الحكومة، التي يبدو أنها تقف جاهزة مع كومة من الردود، منتظرةً أن تطلق النار في كل الاتجاهات. يا له من مشهد، البطريرك ضد الحكومة في مباراة بوكس على الهواء مباشرة!
وهنا نأتي إلى الجزء المثير للاهتمام: المحكمة الجنائية الدولية. لا يمكنني أن أتخيل وجه موظف استعلامات المحكمة عندما يسأل فريق الدفاع: “هل حاولتم حل هذه القضية محليًا أولاً؟” وأنا متأكد من أن الرد سيكون شيئًا في نوعية: “أوه، لم نفكر في ذلك!”
بصراحة، الوضع يبدو كأنه حلقة متميزة من برنامج تلفزيون الواقع. فما الذي سيحدث في الحلقة المقبلة، يا تُرى؟!
ألا يشعر فريق الدفاع وكأنه في مسلسل كوميدي، حين يحاول تقديم قضيته إلى المحكمة الجنائية الدولية؟ ربما فاتهم مراجعة “كتيب المبتدئين في القانون الدولي”، حيث يمكنهم الاكتشاف بأن العراق ليس طرفًا في ميثاق روما. أما تلك المسألة حول استكمالية المحكمة، فهي كالكريزما التي يفتقدها شخص في حفلة. يحاول الجميع أن يجد له مكانًا، لكن دون جدوى.
أتساءل عندما يطرح فريق الدفاع أدلتهم أمام القضاء: هل سيتم تقديم مقاطع فيديو من YouTube كأدلة إثبات؟ وهل تذكر الأوقات التي قضتها المحاكم العراقية وهي تواجه الأمور الضخمة، مثل محاكمة طاغية العصر؟ أه، تلك الأيام الجيدة. وعندما يأتي الحديث عن الكلف المالية، أظن أنه قد يكون من الأفضل أن نحضر حفلة تمويل جماعي. لقد سمعت أن هناك الكثير من الناس الذين يحبون دعم قضايا تبدو غير واقعية!
وفي الختام، ربما يجب على البطريرك أن يجلس في غرفة هادئة، بعيدًا عن كل هذا الضجيج، ويستمع إلى بعض الموسيقى التأملية، ربما “صوت الهزيمة”، وهو يعيد التفكير في الاستراتيجيات المستقبلية. لأن الأمور، على ما يبدو، لا تسير كما هو متوقع.
أوه، لقد تذكرت اللحظة المبهرة حين حاولت البحث عن الدعم في أربيل. تلك اللحظة التي شعرت فيها أن الكلمات المواسية قد تأتي في صورة زخات مطر، لكن كل ما حصلت عليه كان بضعة نقاط معتدلة، بالكاد تروي عطشك، لأنهم هم يتوسلون المطر من بغداد وليس من مُجيب. هل كان ذلك بمثابة محاولة لتحفيزك؟ لا أعتقد. لقد بدا أكثر مثابةً لمواعدة غناء لطائر الكيوي الذي يشدو بـ: “هاي، شاهدني أتعثر مثلك”.
وبالطبع، إذا كنت تفكر في طرق مبتكرة للتخلص من هذه الحفرة العميقة التي حفرتها لنفسك، لا تتردد! ولكن، إذا كنت تبحث عن أفكار جديدة، ربما تكون الطيور السوداء التي تتربص فوق رأسك هي المستشارين المثاليين. أعتقد أنهم لديهم بعض الحيل في جعبتهم، إذا كنت ترغب في الضحك قليلاً على نفسك.
وفي النهاية، الاعتراف بالهزيمة؟ حسنًا، ربما يكون هذا هو القليل من العقلانية التي يمكن أن تظهرها في هذه الأوقات المحيرة.