الاب بيتر لورنس
الكلدان المسيحيين ملتصقين بالجذور الكلدانية من حيث الفكر وفلسفة الحياة التي تربطهم بواقع الوجود، ويتعاملون معه على أنه حاضر يشكل لديهم تناغم وترابط مع الحدث الإيماني. يجسدونه من خلال فعل ليتورجي طقسي داخل كنيستهم التي تمثل هيكل أورشليم في العهد القديم الذي يتوجه إليه شعب الله ومن ضمنهم الرب يسوع المسيح للصلاة والتعبير عن الإيمان بإله إسرائيل، من خلال طقوس دينية تتخللها تطوافات (زياح) متشكلة من حركة، وكلمة (صلاة)، ورمز يجسد المفهوم الإيماني لهذه الجماعة. المسيحيون الكلدان مرتبطين ارتباط وثيق بالإنجيل وبشارته الخلاصية، لهذا وضعوا في طقوسهم كل ما يجسد هذه البشارة للتعبير عن إيمانهم بالمسيح الرب، ويجعلوها حاضرة كأنها فعل يتجدد في حياتهم اليومية والمسيح يحيا في وسطهم من خلال كلمته وجسده في طقس القداس. سوف نلاحظ هذا من خلال تفسيرنا لرتبة التطواف الى داخل الكنيسة وفتح سترة المذبح.
التطواف إلى داخل الكنيسة وفتح سترة المذبح
الكنيسة ليست هي قاعة احتفالات، لكنها بيت الله وعرش قدسه. لذا ادخل آباء الكنيسة في القرن الثالث هذا التطواف لتهيئة المؤمنين لسماع كلمة الله في عهديه القديم والجديد وتلقي بشرى الخلاص. الكلدان بالخصوص انطلاقاً من النص الإنجيلي التي تعبر عنه ريازة كنيستهم (تصميمها العمراني) بأن الكنيسة هي هيكل الله المقدس، التي في نهاية المطاف تصبح بمؤمنيها هياكل مقدسة عند تناول جسد ودم الرب يسوع. هذا التعبير يجسدونه منذ بداية القداس. في متى 27 / 50 – 51 (وصرخ أيضاً يسوع صرخة شديدة ولفظ الروح. وإذا حجاب المقدس قد انشق شطرين من الاعلى الى الاسفل، وزلزلت الأرض وتصدعت الصخور). لذا يتجه الكاهن مع الشعب المؤمن لملاقاة تجلي الله الذي ينبثق من قدس الأقداس نحو شعب الله بصلاة استعدادية وهي: (يا رب أمام عرش عظمتك المجيد، وكرسي وقارك العالي الرفيع، ومنبر عزة محبتك الرهيب، والمذبح الغافر الذي نصبه رمزك، ومسكن مجدك، نحن شعبك وغنم رعيتك، مع ألوف الكاروبيم المهللين لك، وربوات الساروفيم ورؤساء الملائكة الذين يخدمونك، نجثو ونسجد ونشكر ونسبح كل حين يا رب الكل، الآب والأبن والروح القدس الى الابد). تليها ترتيلة طقسية (دقنكي) تتناسب مع الموسم الطقسي لهذا الأحد. بعدها يترقب المؤمنون من خلال صلاة ترتيلة (لاخو مارا) تجلي الرب من عرشه المقدس: (واذا ما فاحت فينا يا ربنا والهنا، رائحة عذوبة حبك الطيب، واستنارت نفوسنا بمعرفة حقك، نؤهل لأن نالقي تجلي ابنك الحبيب من السماء، وهناك نشكرك ونسبحك بال انقطاع في كنيستك المكللة المملوءة من كل خير وغبطة، أنك أنت الرب وخالق الكل الى الأبد. ) وتفتح الستار.
رمزية فتح الستار
بعد موت يسوع المسيح على الصليب يقول النص الانجيلي: (وانشق حجاب المقدس من الاعلى الى الاسفل). النص واضح في تعبيره، حجاب المقدس انشق، ولم يرفع أو لا يكون له وجود. لماذا؟ لأن الله بعده قائم في عرشه وكمال مجده، والإنسان على الأرض منغمس في خطيئته ونقصانه البشري. بعدما أغلقت السماء بسبب خطيئة آدم الإنسان الكتابية، انفتحت من جديد بموت يسوع المسيح ابن الله على الصليب، لهذا السبب عندما تفتح سترة المذبح يواجه المؤمنون مذبح الرب والصليب مع المصلوب، لأن بسبب موت يسوع المسيح على الصليب انفتحت السماء من جديد نحو الأرض ومن يعيش عليها. ويدعو الرب يسوع من خلال ذبيحته مؤمنيه الى الاتحاد بهذا الكمال الالهي (كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي هو كامل). هذه الصلوات الاستعدادية في الطقس الكلداني تهيئ المؤمنين لهذه الدعوة الإلهية من خلال سماع كلمة الرب وتناول جسده ودمه المقدسين.
هذا الارث العظيم الذي استورثناه من آباء كنيستنا الأوائل لا يمكن الاستغناء عنه، أو استبداله بجديد، لانه مرتبط بالينبوع الإلهي ربنا يسوع المسيح مباشرةً.
تعليق أخير
ما ورد في مقالة غبطة البطريرك لويس ساكو الاخيرة: (ترتيلة فتح الستارة وترتيلة القرابين في القداس الكلداني) ما هي إلا مهزلة واستهزاء لهذه الرتبة المقدسة في القداس الكلداني. غايته أن يبرر جريمته الطقسية بحجة التجديد والاصالة وهو بعيد كل البعد عن معناها وعن فهم طقسنا الكلداني العريق المرتبط بالجذور الايمانية للرسل القديسين وآباء الكنيسة الأجلاء، ويجعل من سترة المذبح المقدس، بردة شباك في منزل أو قاعة احتفال. من المعيب علينا إكليروس وشعب كلداني بأن نقبل مثل هذا الاستخفاف بجواهر كنيستنا الكلدانية الاصيلة وحتى لو كانت من أعلى هرم في الكنيسة غبطة البطريرك المبجل لويس ساكو الكلي الطوبى. ولا يسعني إلا أن استشهد بنص من إنجيل متى 15/ 1 – 9 يصف وضعكم: (حينئذ جاء إلى يسوع كتبة وفريسيون الذين من أورشليم قائلين. لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ، فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزا. فأجاب وقال لهم: وأنتم أيضا، لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم. فإن الله أوصى قائلا : أكرم أباك وأمك، ومن يشتم أبا أو أما فليمت موتا. وأما أنتم فتقولون: من قال لأبيه أو أمه: قربان هو الذي تنتفع به مني. فلا يكرم أباه أو أمه. فقد ابطلتم وصية الله بسبب تقليدكم. يا مراؤون حسنا تنبأ عنكم إشعياء قائلا. يقترب إلي هذا الشعب بفمه، ويكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيدا. وباطلا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس).