بقلم الدكتور منير عيسى
أن برنامج العمل الوطني المشترك للتعاون بين الاحزاب السياسية في البلد المعني، هو صيغة نوعية متطورة للعمل بين الاحزاب، سارت عليه القوى التقدمية في مختلف بلدان العالم في الاربعينات من القرن العشرين, وشكلت لذلك جبهات وتحالفات بهدف اسقاط النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية. لكن في مرحلة السلم عموما, فأن برنامج الحد الادنى للتعاون الوطني, هو برنامج لبناء الوطن, حيث اعتادت الاحزاب السياسية في مرحلة الانعطافات الكبرى من تاريخ ومصير الشعوب والاوطان, أن تتفق عليه, كبرنامج عمل للتعاون ضمن اطار الحدود الدنيا الممكنة, والذي يجمع كل الاحزاب السياسية الفاعلة في البلد المعني, بهدف العمل المشترك, لتنفيذ مهمات محددة في مرحلة تاريخية معينة, لكي لا تتقاتل ولا تتنافس هذه الاحزاب على المصالح وعلى السلطة, في مرحلة التحرر الوطني بعد خروج الاستعمار من الوطن, في اطار العمل لتعزيز الرقابة على عمل السلطة وتطبيق القانون والدستور مع بداية بناء دولة المؤسسات والحريات وتحقيق الانجازات للقضاء على الفساد والبيروقراطية والتطرف, ولتأمين الاستقرار والتنمية وحل الخلافات بطريق الحوار والحرص. لكن الملاحظ و نقول ذلك بمرارة, أن احزابنا العربية وغير العربية وقياداتنا السياسية والرسمية في الشرق الاوسط, فشلت فشلا ذريعا في انجاز هذه المهمة التأريخية وتحقيق التعاون المطلوب. ولم تنجح هذه القيادات السياسية والاحزاب العربية وغير العربية اطلاقا, سواءا, الاحزاب الحاكمة او الاحزاب المعارضة للحكم, والتي تواجدت في تلك السنوات باختلاف اسمائها ومسمياتها وايديولوجياتها وافكارها وطروحاتها, من اقصى اليسار الى اقصى اليمين, ومن الاحزاب القومية الى الاحزاب الاممية, ومن الاحزاب المحافظة الى الاحزاب الليبرالية, مرورا بالاحزاب العلمانية والملكية والجمهورية والدينية, واعني الاحزاب التي تواجدت وعملت في مرحلة وسنوات الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين, لم تنجح في تنفيذ برنامج الحد الادنى من التعاون الوطني. ولكن الغريب والعجيب, والذي لا يتماشى مع منطق الامور ومع تفكير العقل البشري السليم, بأن هذه القيادات والاحزاب, لم تتعظ الى اليوم من التاريخ, و من الفشل ومن النكبات ومن الحروب والماسي والصراعات المتكررة والتي حصلت خلال قرن من الزمان, حيث كررت هذه الاحزاب والقيادات وتكرر اليوم, نفس الية التفكير, ونفس الاخطاء, ونفس الممارسات خلال تواجدها بالحكم او المعارضة. نعم, واكرر, فقد اعادت هذه الاحزاب والقيادات العربية وغير العربية في القرن الواحد والعشرين, نفس الاخطاء و نفس الممارسات التي قامت بها في القرن العشرين, وكأن الزمن لم يمضي من هنا. بدءا من بلدان شمال افريقيا, وانتهاء ببلدان الهلال الخصيب, هذا الهلال الذي يعاني اليوم من التصحر ومن ندرة المياه ومن تغير المناخ, ومن الظروف السياسية غير المستقره التي تدفع بأبناء وشباب هذا الهلال الخصيب, اليوم, الى الهجرة, وما القوارب الغارقة, و القوارب التي تغرق في البحر الابيض المتوسط يوميا, وهي تحاول قطع المسافة, بين عالمين, وبين قارتين, وبين نوعين من التفكير, ما هذه الماسي اليومية, الا صرخة بصوت عال من شعوبنا المغلوبة على امرها, بوجه انظمة القمع الرسمية في شرقنا الاوسط, صرخة بوجه هؤلاء القادة الفاشلين والذين عجزوا منذ 100 سنة والى اليوم, من تاريخ الشرق الاوسط الحديث, عن قيادة شعوبهم وامتهم وبلدانهم الى بر الامان وتوفير الحياة المستقرة اللائقة بالبشر. اقول, هذه الاحزاب وهؤلاء القادة في شرقنا الاوسط المغلوب على امره, كرروا فشلهم المأساوي في القرن الواحد والعشرن, فبدل التعاون والبناء والحوار الحضاري, تقاتلت هذه الاحزاب والقيادات ومراكز القوى, ليس دفاعا عن الوطن والشعب, بل بالعكس, تصارعت وتكالبت وتنافست من اجل السلطة والتسلط والمصالح والكراسي والمناصب والمغانم, وعلى حساب الجماهير الشعبية المحرومة من ابسط الحقوق, هذه القيادات تسببت في خراب الوطن واذلال الشعب, مستخدمة الشعارات الكاذبة والعبارات الطنانة, و مراعية وخادمة, كعبد ذليل, مصالح الدول الاقليمية والكبرى الاجنبية, وعلى حساب مصالح شعوبهم وبلدانهم, حيث, استخدموا و يستخدمون هذه الامور والسياسات والتكتيكات ويوظفونها لصالحهم ولبقائهم بالسلطة و لخدمتهم, حتى و لو تناقض هذا الامر, مع مصالح الوطن والشعب. وهكذا وفي نهاية المطاف, وكمحصلة للتحليل السياسي لهذه المرحلة التاريخية, نرى بأن هذه الاحزاب والقوى والقيادات الفاشلة, ونتيجة لتسلطها وفسادها وطغيانها, فهي قد خربت و دمرت الاوطان والبلدان والمجتمعات بالشرق الاوسط, وذلك في نهاية القرن العشرين, وكما يتجلى هذا الامر اليوم بوضوح اكثر تماما, في الربع الاول من القرن الحادي والعشرين, و كما هو حاصل عمليا و بالواقع, بعيدا عن الاكاذيب وعن التهريج وبعيدا عن الشعارات والخطابات والمؤتمرات والمقالات والمقابلات والتصريحات. ان هذه الاحزاب, دمرت هذه البلدان وحولتها الى بلدان فاشلة نتيجة لسياساتها الرعناء. ان السياسة الرعناء لهذه الاحزاب والقيادات والتي تسببت في تدمير الاوطان, في الماضي, والحاضر, تتمثل في الامور التالية. باختصار شديد, السياسة الرعناء لهذه الاحزاب نلخصها بالاتي, الصراعات والتناحرات فيما بينها, و الحروب العبثية بالنيابة عن القوى الكبرى, والتامر, والفوضى, وغياب الدراسات والتخطيط الاستراتيجي في بناء الاقتصاد الوطني, وغياب الخطط والمختصين والاكفاء من كوادر علمية مؤهلة في كل المجالات, وما يتطلبه ذلك من تنظيم للموارد المادية والطاقات والعوامل البشرية, هذا اضافة الى غياب الديمقراطية, وعدم احترام حقوق الانسان, وغياب التطبيق العملي للقانون والدستور, وكذلك مشكلة سيطرة مراكز القوى على المواقع الحساسة في الدولة والمؤسسات, و عسكرة المجتمع, بعيدا عن المهنية ومصلحة الشعب, وانتشار الولاءات الشخصية والعشائرية والطائفية والعنصرية والجهوية والمحسوبية والفساد, والركض وراء المصالح المادية الشخصية, وبكلمة واحدة, كانت هذه الامور مجتمعة, هي المقياس الاوحد, للوطنية والقيم والمبادئ. وهكذا فأن اي غياب, بسبب, الظروف المستجدة او الطارئة, للزعيم الاوحد, والقائد الصامد, والبطل الخالد, والرجل الاول, من الزعامة وقيادة البلاد, فهذا يعني بالضرورة, نهاية منهج سياسي كامل وانتهاء مرحلة تأريخية كاملة, بنت عليها الجماهير امالا كبيرة, مهما كانت مصداقية ذلك الزعيم واعماله واخطائه, وذلك بسبب غياب مفهوم القيادة والادارة الجماعية على ارض الواقع, وهذا ما حصل في اغلب بلدان الشرق الاوسط في مرحلة الهزائم والانتكاسات. ان خلافات القادة والاحزاب, وصراعاتهم, دمرت كل شي ولم تبقي ولم تذر, دمرت الوطن, وخلقت نخبة طفيلية متسلطة حاكمة ومستفيدة, خاصة من العسكر والبيروقراطيين, وبانظمة ديكتاتورية لا شغل لها ولا شاغل سوى, جعجعة الخطابات, ورفع الشعارات, واقامة الاحتفالات, فلا تنمية اقتصادية حقيقية, ولا بناء دولة مدنية تقوم على سيادة القانون والدستور وفصل السلطات. أن هذه النخب الحاكمة الفاسدة اثبتت عجزها عن المواجهة مع الاعداء الحقيقيين في اول امتحان لها, وما السودان اليوم, الا اكبر واخر مثال على ذلك. والنتيجة من هذا كله أن بلداننا وشعوبنا تأخرت مقارنة مع باقي الدول والشعوب الاخرى, بسبب فشل أحزابنا وقياداتنا, نتيجة وجود الشخص غير المناسب في المكان المناسب, في سلم المسؤوليات والمناصب في ادارة الدولة والمجتمع. نعم لقد فشل قادتنا وفشلت احزابنا, في بناء أوطان تتسع للجميع وتحقق الاستقرار لشعوبنا المختلفة وتسعى لبناء المجتمع والبلد العصري الحديث القائم على اسس حضارية وعلمية وتقنية معاصرة, في عالم اصبحت دولة اليوم تتنافس على غزو الكواكب والفضاء, وتتبارى في الذكاء الاصطناعي, وفي تأمين الحياة اللائقة للشعوب وضمان فرص العمل والعدالة والامن والامان والصحة والتعليم والخدمات والسكن والسعادة والاستقرار لشعوبها