Articles Arabic

The Chaldean Helen Asmer, The Face Behind Queen Pu-A-Bi | Shubad, الكلدانية هيلين أسمر – الوجه الآخر للملكة ﭘوآبي

لا أعرف هل أن الظروف قد خدمتني أم أن الحظ قد أسعدني بمعرفة وصداقة عمالقة الثقافة العراقية وأنا في سن مبكر جداً، فمن ملكة الشعر البابلية (لميعة عباس عمارة) التي أحتضنتني ونشرت لي أول قصيدة عشق (عصفور أخضر) وأقتنت مني أول لوحة زيتية (أوهام شاعر) وأنا طالب في مطلع شبابي، إلى زمالتي لأسماء كبيرة في عالم الصحافة والأدب في مجلة فنون، أمثال رئيس التحرير، الصحفي المخضرم (د. محمد الجزائري)، ونائب رئيس التحرير، الأديب والصحفي اللامع (محمد شمسي) مؤلف رواية كوميديا الزواحف إلى زملائي في العمل في (مجلة فنون) عندما كنت أشرف على رئاسة (قسم الفنون التشكيلية والتاريخ والعمارة)، علاوة على أشرافي على (قسم التصميم والإخراج الفني) وأنا في مطلع العشرينات من عمري، رغم تخصصي وعملي في مجال هندسة الطيران البعيد عن إهتماماتي الأدبية والفنية والتاريخية، ولعل من أجمل الأصدقاء آنذاك (د. صفاء صنكور) رئيس صفحات قسم السينما و(د. خزعل الماجدي) رئيس قسم الصفحات الثقافية و(د. على عبد الأمير) رئيس قسم صفحات الموسيقى وغيرهم، ناهيكم عن الصديقة العزيزة والكاتبة اللامعة د. إرادة الجبوري، والعزيزة المخرجة السينمائية وأستاذة قسم السينما في كلية الفنون الجميلة، د. شذى العاملي، أما على صعيد الفن التشكيلي فقد كنت أستقبل في مكتبي في المجلة عمالقة الفن التشكيلي العراقي وألتقي بالعديد منهم في المعارض والمنتديات والجلسات الخاصة.

ذات مرة جاءني الصديق والأستاذ الرائع والنحات الكبير (أسماعيل فتاح الترك) صاحب نصب الشهيد والعشرات من الأعمال الشهيرة، ومعه أستاذي وصديقي الأحب الفنان التشكيلي (علي طالب) الحائز على العديد من الجوائز العالمية، فجلسنا في مرسمي في المنزل وشربنا أستكانات من الشاي المهيل من يد والدتي الطيبة الجميلة المحيا والروح، وكان الترك لا يشرب شايه إلا بالحليب وعادة ما يقول للوالدة: “عيوني أم عامر لا تحمين ﭼﺎيي الحليب إذا تصبيه من البطل”، وكانت والدتي مثل كل الأمهات العراقيات تفرح بالضيوف، وتقابلهم ببشاشتها المعروفة وثقافتها الواسعة والرفيعة.

ذات يوم كنت بصحبة أسماعيل الترك (ابو صهيل) والفنان الطبيب الجراح (علاء حسين بشير) والنحات (خالد الرحال) والفنان علي طالب في مطعم ومشرب (شهرزاد) في فندق الرشيد وكان أستاذ أسماعيل الترك يمطرنا بنكاته كما كان (بالعراقي ناصب) على (خالد الرحال) بخصوص التفاصيل التقنية لنصب الجندي المجهول في ساحة الإحتفالات، ومن ثم أضاف من باب التندر حادثة تحطم تمثال (الملكة ﭘوآبي) في المتحف العراقي، وكيف أن خالد الرحال أعاد صبه ووقعه بأسمه رغم أن العمل الأصلي كان من إبتكار الفنان الخالد (جواد سليم)، الذي نفذه في خمسينات القرن المنصرم بشكل بورتريه يمثل الآنسة الكلدانية (هلين أسمر)، التي كانت وقتذاك خطيبة الفنان التشكيلي (عيسى حنا دابش) شيخ الرسامين العراقين وأحد مؤسسي جمعية أصدقاء الفن عام 1940م، وقد بقي خالد يدافع عن نفسه بأنه من قام بصب العمل الجديد، وكنا نضحك بمودة. كما ذكر الرائع (أبو صهيل) حادثة أخرى لا مجال للخوض في تفاصيلها عن (نصب الجنود) في ساحة القصر الجمهوري للنحات (ميران السعدي). الحق، كان إسماعيل الترك (لروحه الرحمه)، لاسيما مع المقربين منه صاحب نكتة لاذعة، وبرغم ذلك كانت له شخصية محببة وكاريزما، تفرض محبتها وإحترامها على الجميع.

ولأن علاقتي بالأستاذ عيسى حنا دابش، زوج السيدة هلين أسمر، تعود إلى منتصف عقد الثمانينات حيث كان يستقلبني في منزله في منطقة 52 ليصور أعمالي الفنية أو يحدثني عن تاريخ حركة الفن التشكيلي العراقي، فقد كنت أحد الفنانين الذين فاتحوا الأستاذ دابش لترؤس (الرابطة العالمية للفنانين التشكليين الكلدان) عام 1999م. وتشاء الصدف أن تستضيفني و(مديرة متحف ﭘنسلفينيا) أحدى الإذاعات الأمريكية للتحدث عن معرض (مجوهرات أور الكلدان المعار إلى متحف (دي آي أي) في ديترويت، وقد تناول الحوار عدد من الموضوعات منها تمثال الملكة (ﭘوآبي) التي ترجمها خطأً جارلس ليونارد وولي إلى (شِبعاد).

قررت بعد تلك المقابلة معاودة الإتصال بالأستاذ الراحل عيسى حنا دابش في كندا، الذي كنا كما تتذكر أبنته الطيبة (ياسمين) نتحدث في كل إتصال لساعة أو أكثر، وقد سألته ذات مرة عن صحة ما ذكره لنا أسماعيل الترك بحضور خالد الرحال وعلاء بشير وعلي طالب، فضحك (لروحه الرحمة) وقال: (هاك أحجي وية أم خلدون)، فتحدثت مع السيدة هلين التي أكدت بأن جواد كان بمثابة الأخ الروحي لعيسى، وذات يوم أثناء عملهما في المتحف العراقي تحت أشراف المربي (ساطع الحصري) خطر لجواد فكرة عرض مجوهرات (ﭘوآبي) على تمثال بدلاً من وضعها في خزنة زجاجية، وافق الأستاذ ساطع الحصري، فعرض جواد الفكرة على عيسى وقال له أن عنوان كتاب ليونارد وولي الشهير هو (أور الكلدان) وأنت وهيلين كلدان، لذلك ما هو رأيك أن أعمل لها بورتريه نحت، ونضع عليه مجوهرات الملكة (ﭘوآبي)، وافق عيسى وجاء بجواد إلى منزلنا وكنا آنذاك مخطوبين، وكان جواد يتغدى عندنا أو نذهب، عيسى وأنا إلى جلسة غداء أو عشاء في منزل عائلة جواد. وعندما عرض عليّ جواد الفكرة وافقت بخجل بعد إلحاح عيسى، لأنني أصلاً من قرية تلكيف وطباع العراقيات هو الحياء، وقد نفذ جواد التمثال وتم عرضه في المتحف العراقي وشعرت بفخر كبير أن تستقر مجوهرات ﭘوآبي على تمثال أمرأة عراقية كلدانية.

الحق أن ما يدعوني لذكر هذه التفاصيل هو أنني قد أنتبهت أثناء فرحة تتويج المنتخب العراقي بكأس خليجي 25 أنه قد تخلل عرض التتويج قيام أشخاص يمثلون شخصيات مستمدة من الحضارة الرافدية وتحديداً أحد أعظم ملوك الأرض، الملك الشمس البابلي نبوخذنصر ومعه كما قال المذيع الملكة شبعاد!! بإيصال الكأس إلى منصة التتويج، وأنا هنا برغم فرحي الجم بإستذكار هاتين الشخصيتين التاريخيتين الرافديتين، إلا أنني كنت آمل أن لا يقع منظمو الحفل وبينهم كما هو مفترض معنيين بالتاريخ الرافدي، إستخدام تسمية خاطئة (شبعاد) بل أن يستثمروا هذه الفرصة الذهبية التاريخية فيقوموا بتصويب هذه المغالطة، من خلال إستخدام الأسم الصحيح للملكة (ﭘوآبي)، لاسيما في محفل عالمي مثل خليجي 25، لكن وكما يقال بالعراقي ملحوﮔﮫ.

الحق أن ما يدعوني لذكر هذه التفاصيل أيضاً، إتصال أخي د. صباح ميخائيل يعقوب قيّا، الذي يعمل ضمن مجموعة (الصالون الثقافي الكلداني) على إحياء (سوق كلداني) في مدينة وندزر – كندا بأسم (شبعاد)، وذلك في شهر آذار من العام الجاري، وكان تساؤله أثناء إتصالنا الهاتفي مسلطاً على معرفة التاريخ والمعنى الدقيق لأسم (شبعاد)، وأيضاً ماهية معلوماتي عن تمثالها في المتحف العراقي، فوجدتها فرصة طيبة لإعادة كتابة هذه التفاصيل التي سبق لي وأن نشرتها قبل سنوات في مقالة عن أور الكلدان. آملاً أن يعتمد المثقفون العراقيون الأسم الصحيح (ﭘوآبي) والذي يعني باللغة الأكدية (حكمة أبي) وحرفياً (كلمة أبي).

علماً أن الكتابة المسمارية المستخدمة في الصورة المرفقة بالموضوع، قد قمت بتنفيذها مستخدماً برنامجي (الكوريل درو والأدوبي فوتوشاب) وفقاً لأسلوب الكتابة المسمارية الأركائية القديمة المعتمدة في أور من عهد سلالة أور الأولى في حدود 2600 ق.م. مرفق أيضاً أسم (ﭘوآبي) بالقلم الكلداني المستمد من بلاطة (نبوخذنصر) التي أكتشفها وولي في معبد الميناء جنوب قصر الملك (نبونائيد) في أور.

د. عامر حنا فتوحي

www.ChaldeanLegacy.com

Follow Us