خُماسيّات عِنَ البطريركِ الأرعنِ

الأب يوسف جزراوي

مِن ديوان

(البطريركُ الأرعن)

عن دار ميشا

بغداد- المتنبي

أمريكا ( سان دييكو – ديترويت)

-١-

أيُّهَا البطريركُ الأُلْعُبَان

ما مِنْ يَومٍ مرَ مِنْ أيامَ ترحالي

سألتني عن مصابي

ويومَ طرقتَ بابي للعودةِ

جئتُكَ وقصدتُ البابَ أطرقهُ

بوهنِ غربةٍ يتسلّقنيّ

مِنَ ألفي إِلَى يائي

ولكنّكَ بِسفاهةٍ معهودةٍ

مَا سألتَ مَنَ الطّارقِ؟

وها أنْتَ عدتَ تسألُ

وتجبرني عَلَى الردِ

ولكنّي ما عدتُ أرَاكَ

كما كُنتَ زمانًا فِي عيني

فلا تكرهني عَلَى شيءٍ

فالعودةِ لا اكراها فِيهَا

فها أنذا مع كهنةٍ أخوةٍ

.طيّبا جروح كذبك المتوالي

………..

-٢-

كنيستي في ولادةٍ مُتَعَسْرةٍ

ترقدُ فِي صالةِ ولادةٍ قيصريّةٍ

الجميعُ ينتظرُ مولودًا بترقبٍ

…والطبيبُ كالشّعْبِ والاكليروس

الجميع فِي لظى مِنْ أمرهِ

بَيْنَ الوالِدِ والوَلِيدِ

أوْ الحاوية والمحتوى

وما ذَلِكَ الجنينُ الوَلِيدُ المُنتظر

.سِوَى إقالةِ الأرعن

………..

-٣-

الْكنيسةُ

الَّتي اِنْقَلَبَت بِهَا عربةُ النَّزاهة

فأجهضتِ السّلَامَ الرُّوحيّ

…حَتْماً ستهجرُ الشَّفَافِيَّةُ أروقتها

والْكنيسةُ الَّتي اتَّخَذت لَهَا

مِنْ أُطُرِ عجلاتِ عَرَبتِها سُتَرًا للنّجاةِ

.مِنْ البديهيِّ أنّها ستغرق.

وبابلُ الَّتي طُمست حضارتها

مُؤَكَّدًا أن تصيرَ طقوسها ماضيًا

…وَلَا يصلُها عَبِقَ التَّأريخ

إذْ وحدَها الْكنيسةُ

الَّتي خرجَت مِنْ رحمِهَا الحضاراتُ

كَانَ لَهَا مُنذُ عقْدٍ ولا يَزَالُ

صليبٌ وصالِبٌ

…مِسْمَارٌ وسمّارٌ

…فهي مصلوبةٌ عَلَى قارعةِ الفسادِ والتستّرِ

.!وَمَا من سَامريٍّ صالحٍ مرَّ عَلَيْهَا

…خيولُ أرعنها بِلَا خيّالٍ وَلَا بِرْسِيمٍ

وكُلّمَا اِمتَطَى القزم حصانَها

فَإِلَى المنيِّةِ يسحبُها

ثُمَّ يلجُ مَعَ الفجرِ خيطًا

فِي خرمِ الإبرةِ

.!لِيحُوكَ فِي الْمَسَاءِ كفنًا لَهَا

كنيسةٌ مخرومٌ سقفُ حدودها

وكريمةُ العَيْنِ أحلامُهَا

.!إثرَ حادثٍ مؤسفٍ فِي مُنْعَطِفِ واقعِها

ثوبُ عرسِها الأبيضُ

…صبغتهُ بالسّوادِ أدخنةُ عنترها القزم

وخلخالُها الأصفرُ

لَا يعزفُ الدَقّةَ

…فلِسانُ الحِجْلِ فِي نواحٍ عَلَيْهَا

رسا بِهِ الأمرُ

فَوْقَ قبقابِها الأخضرِ الكالحِ

.!كجَدُوبِ حاضرها

أمّا رأسُها

فمكلَّلٌ بشوكِ الأرضِ

.!ووشاحٌ أسودُ غطاءُ شعرِها

كُلّمَا رفعت رأسَها

ناظرةً أسرابَ أطيارها

.!يُلَقَّمُ الأرعنُ النّارَ بأَعِشَاشِها

فِي المجامعِ الكنسيّةِ

تفقدُ سماؤها الزّرقةَ

وتَصْطَبِغُ بِالسوادِ

لِيشربَ شعبها نَخْبَ دمارِها

.!فَكَمْ رضعتِ الأزماتُ لبنًا مِنْهَا

لِهَذَا فإنّني ماعدتُ أسألُها

مِنْ أينَ لَهَا هذهِ الأحْزانُ والفواجعُ

فأنَا عشتُ وعاصرتُ جُزءًا مِنْهَا

.وأعرفُ مَنْ أتى بِهَا إِلَيهَا

ولنبدأها مِنْ الأرعنِ

الَّذي بثَّ الرّعبَ في قَلْبِ شعبِها

وصيَّرَ إكليروسها

بيادقَ عَلَى رقعةِ شِطْرَنْجٍ

يقْتَادُهم إِلَى الدمارِ

.!فِي معاركَ خاسرةٌ حُروبُها

وَمَا مِنْ يَوْمٍ

زرعَ والينا القزم وأفرادُ حَاشِيتهِ

خطاياهم عَلَى شاطئِ النّدمِ

…وَلَا غسلوا آثامَهم بنهرِ التّوبةِ

………..

-٤-

مِثلُكِ أنَا يَا كنيستي

أُمسّدُ بِالصلاةِ والقلم والخدمةِ

كلمة البطريرك الضَّرِير

الخاويّة مِنَ العمقِ والإيمانِ

…كُلّمَا جنحت لترثيني أو تؤذيني

تحتَ اسمٍ مستعارٍ

فأنا بهجةُ المعنى

…المنشقّةُ عَنْ طيشه

لِذَا سأترك لَهُ تجاهلاً عَلَى رصيفِ الكلام

وبينما هو منهمكٌ

بفكِ طلاسم صمت تجاهلي

سأفكرُ بنصٍّ خضَبٍ بالمعنى والرُّقيّ

وهو يقبعُ خلف قفصِ القضاءِ

فحين يفنى القَلَمُ

لَن يبقى مِنْهُ

…إِلَّا الجميل ممّا كَتبَ

.أوَلَمْ أقل لَكَ أنَا مِثلُكِ يَا كنيستي

………..

-٥-

أنَا مِنْ كنيسةٍ

…ذهبَت فِي مَهبِّ الصِّراعَاتِ

مُنذُ عقْدٍ

ماتَ فارِسها

فَتَشرَّدَ بَعْدَهُ الحِصانُ

.!وَمَازَالَت تنتظرُ فارِسًا لَا يصلُ

…..

أنَا مِنْ بابل التّاريخ

لكِنَّ البطريرك الجاهل

اغتالَ مُعلِّمي التّاريخ فِيهِا

!!فَبَارَت مِن بعدهِم أقلاَمُ الْمُؤَرِّخِينَ

……..

أنَا نَخْلةٌ بابليّةٌ

اِستَطالتْ بِها المَنَايَا

!بسبب فلاح معتوه

فَهَرْوَلَت مِنْ ضفَّتها

بِطِينِ شَطّها

إِلَى ضفّةٍ

.!أعادة لها أصالتها

…..

أنَا رَجُلٌ بابليٌّ

عَلَّمَني أبِي النبيّل (طَيّبَ الله ثراهُ)

أن أكونَ معطاءً

إلى حدِّ

.!!إِذَا جَاعَ رَغِيفي أَكَلَني

لَكِنّي لم ولن أكونَ طعامًا

.لِذلكَ البطريركَ الأرعن