يوسف جريس شحادة
كفرياسيف _ www.almohales.org
لنُصْغِ،{ويرفع الخبز المقدّس بخشية وورع، المقدّسات للقديسين، ان رفع الخبز تذكارا، تأكيدا لقيامة المخلص من بين الأموات. وفي هذا الوقت يصير رسم الصليب الكريم المحيي، ذو ثلاثة أحوال، رسما للثالوث الفائق الجوهر.
فان الابن الكلمة قد تألم بمسرّة الله الاب المساوي له في الأزلية، وفعل الروح القدس، وأما الصليب الصائر في الخبز الكريم من جهة الرسم من فوق، فيدلّ على ان السماء تقدّست بواسطة القيامة وأما الصليب الكائن في الوسط فيدل على تقديس الهواء. والصليب الثالث، الصائر من أسفل الرسم من جهة اللب حيث يكون موضوعًا على الصينية، فيدلّ على تقديس الأرض التي دُفن بها جسد المسيح المحيي.
“المقدسات للقدّيسين”، المقدسات التي تعطى للمسيحيين من القديسين والصديقين، القدّيس ليس من يكون بار من الخطايا بل يكون أهلا لحضور الروح القدس وغنيّ الأفعال الصالحة، وموطدا بالإيمان المستقيم والأعمال الحسنة عاملا بوصايا الرب.
يشير الكاهن بقوله “الأقداس للقديسين” إلى ان القدسات الموضوعة قد اقتبلت حضور الروح القدس، فقديسون نحن إذا استحقّينا الروح القدس. فالمقدسات إذا للقدّيسين بالمماثلة وهو قدوس واحد ورب واحد يسوع المسيح، ونحن قديسون ليس بالطبع بل بالمماثلة والمساهمة بالنسك والصلاة.
معنى قوله “الذي يتجزّأ ولا ينفصل”، ان جسد المسيح بالقبر لم ير الفساد بتاتا، وجسد الرب فلا ينفصل ولا ينقطع بما انه كله في الكل وكله في جزء صحيحا بجملته فكما انه موجود في كل الجوهرة، لذا نؤمن ان كل جزء من الخبز والخمر في سر الافخارستيا حتى اصغر الأجزاء منها ليس هو هذا او ذاك الجزء من جسد يسوع المسيح، ودمه بل هو كل جسده ودمه مع نفسه ولاهوته. فهو الإله التام والإنسان التام. ان ربنا يسوع المسيح حاضرٌ في سر الشكر ليس بجسده ودمه فقط بل أيضا بنفسه المتّحدة مع جسده بلا انفصال وبلا لاهوته المتحد اقنوميا بلا انقسام يوحنا 58 _57 :6 : ” كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ، وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ، فَمَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي. هذَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. لَيْسَ كَمَا أَكَلَ آبَاؤُكُمُ الْمَنَّ وَمَاتُوا. مَنْ يَأْكُلْ هذَا الْخُبْزَ فَإِنَّهُ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ».
يقول القديس يوحنا الدمشقي: “انه وان كانت تتمّ في المسكونة خدمات كثيرة في ساعة واحدة بعينها لكنّ المسيح ليست له أجسادا كثيرة بل هو ذاته يحضر وجسده واحد. ودمه واحد. في كنائس المؤمنين المتفرقة جميعها وليس ذلك بان جسد السيد الذي في السماء ينحدر على المذابح بل خبز التقدمة الموضوع في جميع الكنائس المتفرقة من أقطار المسكونة الأربعة ينتقل بعد التقديس ويستحيل بجوهره ويصير ويلبث الجسد الواحد الذي في السماء نفسه. لان جسد المسيح واحد في أماكن كثيرة. ومثلا آخرا، إذا أتينا بكاسات كثيرة ووضعنا بها ماء تجاه الشمس فترى المس تتراءى بجملتها في كل كأس كاملة غير متجزءة ونرى الشمس كلها في كل كأس وليس بجزء منها، فإذا كانت أشياء كثيرة مثل هذه في الطبيعيات نراها جارية فكم بالأحرى يكون ذلك فيما يفوق الطبيعيات بقوة الله الفاعلة.
ان جسد المسيح الرب روحيّ محيي والمولود من الروح روح هو. أي فلتصغِ عقولنا بحرص ونغادر الأرضيات وننتقل للسماويات لا بشقشقة اللسان بأقوال خاوية خالية ولا بضوضاء وضجيج بل بصمت وخشوع وتقوى.
“إيّاك نسبّح” و”ايضًا نطلب ونتضرّع” ففي هذه اللحظة يستدعي الكاهن الروح القدس على الحاضرين وعلى القرابين ويلتمس التحويل وتتمّ الاستحالة. وردت اللفظة “Kata” أي في كل شيء_في كل امر_في كل وجه، حسب الترجمة كولسي 22،20 :3 و أعمال الرسل 22 :17 : “أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ، لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ الْقَلْبِ، خَائِفِينَ الرَّبَّ. أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لأَنَّ هذَا مَرْضِيٌّ فِي الرَّبِّ”. وحسب الترجمة على كل وجه_في كل وجه” رومية 2 :3 : “كَثِيرٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ! أَمَّا أَوَّلاً فَلأَنَّهُمُ اسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ اللهِ” وبوجه من الوجوه_بشكل من الأشكال،2 تسالونيكي 3 :2 : “لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ بِوَجْهٍ مِنَ اٌلوُجُوه، لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الارْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ” وردت العبارة مسبوقة بحرف الجرEis في 2 تسالونيكي 16 :3 “من كل وجه_في كل حال : “وَرَبُّ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُعْطِيكُمُ السَّلاَمَ دَائِمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. الرَّبُّ مَعَ جَمِيعِكُمْ”.أفضل ترجمة “في كل وجه_بوجه من الوجوه” عبرانيين 7 :2 و15 :4 : “مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ وجه، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا للهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ. لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ”. هذه فاعلية الروح القدس”روح الحقّ الذي…” يوحنا 17 :14: “رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ”. لذا يستحيل على المؤمنين ان يرتابوا من جهة تقديس القرابين او ان يَشكّوا في الأسرار الإلهية الأخرى، ولا سيّما إذا ما أقيمت وفق الأصول مرفقة بصلوات الكاهن.
لماذا لا يستدعي الكاهن أثناء تقديس القرابين، الابن الذي هو الكاهن والمُقدِّس، بل يستدعي الاب؟ ان للمُخلِّص قوّة على التقديس لا بموجب صفته كإنسان، بل لأنّه الله، متى 39 :26 : “ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ»: “وعبارة ” لا شيء بل مشيئتك” تعني الاتفاق ووحدة المشيئتين.
هل تُذبح القرابين قبل التقديس أم بعده؟. ما الذي يُذبح؟ أهو الخبز أم جسد المسيح؟ إذا كان الخبز هو الذي يُذبح، ينبغي ان نسأل أنفسنا كيف يكون أمر كهذا؟ بالطبع ليست الأسرار المقدسة للمساعدة في ذبح حمل الله الذي بموته رفع خطايا العالم ،يوحنا 29 :1 : “وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ”! لكن من الجهة الثانية، يبدو مستحيلا ان يكون جسد الرب هو الذي يُذبح، لأنه لا يمكن ان يُضرب ويُذبح هذا الجسد بعد اليوم، لكونه بات غريبا عن القبر والفساد وصار ازليًّا، رومية 9 :6 : “عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ”. كيف إذًا يكون هذا الذبح ما دام المسيح القائم من الأموات لا يموت بعد؟ لقد تألم مرة واحدة في الزمن، قُرّب مرة واحدة لحمل خطايا الكثيرين، عبرانيين 28 :9 : “هكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضًا، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ”. لكن إن ذُبح في كل احتفال مات كل يوم. هل من جواب لهذه الأمور؟ نعم، الذبيحة تتمّ لا قبل تقديس الخبز ولا بعده، بل في لحظة التقديس ذاتها. “لأجل هذه القرابين المقدسة،” هذه الطلبة ليس لكي تتقدّس فهي مقدسة بل لكي ينتقل التقديس إلينا ونتقدّس نحن ولتتمّ فينا فعلها، فقد كان هناك مدن عديدة لم يجترح فيها أي معجرة لعدم إيمانهم، متى 58 :13 ومرقس 6 _5 :6 : “وَلَمْ يَصْنَعْ هُنَاكَ قُوَّاتٍ كَثِيرَةً لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ. وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْنَعَ هُنَاكَ وَلاَ قُوَّةً وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّهُ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَرْضَى قَلِيلِينَ فَشَفَاهُمْ. وَتَعَجَّبَ مِنْ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ. وَصَارَ يَطُوفُ الْقُرَى الْمُحِيطَةَ يُعَلِّمُ”.