بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني ــ
المطران إيميل يحاول تـفـسير تـصرّف يهـوذا الـذي سـلـّـمَ المسيح للجـنـود الرومانيـيـن بقـبلة الخـيانة فـيقـول : كانت الصورة المرتسمة في ذهـن يهـوذا عـن المسيح ، هي ــ الـقائـد ــ الـذي سـيحـرر البلـد من الإستعـمار الروماني ، وذلك (1) دفاعاً عـن إيمانه اليهـودي ! (2) إحـتـمال كان يهـوذا منـتمياً إلى فـئة الغـيـورين الـثـورية الـذين يأملـون بقائـد يحـررهم من الإستعـمار الروماني ! (3) ظنّ أولـئـك الغـيـورون الـثـوريـون ــ وليس كـل الـيـهـود ــ أن المسيح بتعاليمه الرائعة يشكـل خـطراً !…
فـنعـلـّـق بما يلي :
أولاً : إن إنـتماء يهـوذا إلى مجـموعة تلاميـذ المسيح لم يكـن تكـلـيفاً من أحـد ولا مُجـبَـراً من آخـر وإنما كان برغـبته الـذاتـية .
ثانياً : إن المسيح لم يناهـض ولم يعاكس الـدين اليهـودي ولم يَـنـقـضْ الناموس بل جاء مكـملاً له بـدليل كلامه (( ما جـئـتُ لأنـقـض بل للأكـمل … )) مع عـبارته المـتّـزنة (( قـيل لكم … أما أنا فأقـول … )) ، مثال : قـيل لكم ــ تحـب قـريـبك وتبغـض عـدوّك ــ أما أنا فأقـول (( أحـبّـوا أعـداءكم … )) ، وعـليه ليس لـيهـوذا أيّ مـبـرر يجعـله يـدافع عـن إيمانه اليهـودي ، كـما لم يفـكـر أن يكـون عـدوّاً للمسيح .
ثالثاً : إن يهـوذا لم يكـن عـضواً في الأجهـزة الأمنية اليهـودية ( مثل شاؤول ــ مار ﭘـولس ) ولم تـظهـر عـليه شكـوك ولم يُـبـدِ تحـرّكات مشبوهة تـوحي بأنه يـرصد المسيح أو يـراقـبه للـوشاية به طـيلة السـنـوات الثلاث العـلـنية الأخـيـرة ، بل كان بمثابة أميناً لصنـدوق مجـموعة تلاميـذ المسيح .
رابعاً : ليس هـناك دليل عـلى ثـورية يهـوذا ولا إنـتـمائه إلى جـماعة ثـورية متـطرفة ، فلا أدري من أيّ مصدر إستـقى المطران هـذا الإحـتـمال .
خامساً : طالما المسيح أكـد وقال أنّ مملكـتي ــ ليست من هـذا العالم ــ ، فـسـؤالـنا لسيادة المطران :
ما علاقة رسالته السماوية بالرومانيّـيـن لتكـون خـطراً عـلـيهم ؟ وإذا إفـتـرضنا أن المسيح كان ــ ضد أو مع ــ تحـريـر الوطن من الإستعـمار الروماني ، أين تكـمن خـطـورته في هـذا الشأن ؟ إنهم لم يلاحـقـوه يـوماً ، ولا هـو هـددهم مرة ؟ بـدليل كان المسيح في نـظـرهم مواطناً عادياً ، ودفع ضريـبة الـدرهـمَـين للجـباة الـرومانيـيـن بحـسن نية ( وهـو مِن بـين الـبـنين الأحـرار ) ، كما أنّ هـيرودس كان من المعـجـبـيـن به ! وﭘـيلاطس إعـتـرف بـبـراءته قـبل غـسله يـديه من مسؤولية صلبه ، فأين خـطـورته عـلى المستعـمر الروماني ؟ . هـذا عـدا أن المسيح لم ينافـس ولم يجامل جـماعة الغـيـورين في آمالهم ، فـلماذا يظنـون فـيه تلك الظـنـون السلـبـية ؟ إنما اليهـود كانـوا يتملـقـون للغـزاة الرومانيّـين بقـولهم ( ليس لـنا ملك إلّا قـيصر !! ) ….. إقـرأ (( لـوقا ، إصحاح 23 ، العـدد 8 )) .
سادساً : وبعـد أن إتُهـِمَ المسيح ظـلماً !! سـلـّـمَه يهـوذا ، ونـدم ( حـيث لا يـفـيـد الـنـدم ) !!! ولهـذا رَدّ الثلاثين من الفـضة إلى رؤساء الكهـنة والشيوخ قائلا : قـد أخـطأتُ إذ سلمتُ دما بريئاً . وطرح الـفـضة في الهـيكل وإنصرف ثم خـنـق نفسه .
أنا لا أريـد أن أكـون مؤمناً تـقـلـيـدياً أعـمى مثـل أجـدادنا قـبل مئات السنين ، بل (1) أنا أسـتـرشـد بالروح الـقـدس الساكـن فيّ لأنـنا هـياكل الله وروح الله يسكـن فـيـنا (2) أنا أستخـدم عـقـلي الـذي هـو ــ هـدية الخالـق لي ــ (3) أنا أفـتـش الكـتب كما أوصى المسيح … لـذا عـلى الـواعـظ أن يتحـسّـب مستـوى ثـقافة مستمعـيه من المؤمنين في الـقـرن الواحـد والعـشرين ، وأقـول :
إن يهـوذا كان رفـيقاً للمسيح كـباقي الـرسـل ، وأميناً للصنـدوق ، وعـلى عِـلم بستـراتيجـية المسيح الأبـدية … إلاّ أنه في اللحـظات الأخـيـرة خان ثم نـدم وإعـتـرف بخـطئه وعاقـب نـفـسه بنـفـسه ! … فلا دافعَ عـن الإيمان اليهـودي ولا إحـتـفـظ بالفـضة ، بالإضافة إلى أن يسوع باحـر الـقـلـوب ! فـلماذا لم يوقـفه عـنـد حـده منـذ الـيوم الأول ، مثـلما وبّخ مار ﭘـطرس قائلاً له ــ إبتعـد عـني يا شيطان ــ ؟.
إذا أجاب أحـد عـلى أسـئـلـتـنا بشأن خـيانة يهـوذا قائلاً : ( أراد الله أن يجـربه ! ) نـقـول له : الله لا يجـرب أحـداً … وإذا آخـر قال أن الشيطان هـو الـذي جـربه ، سـنـقـول له : إن يسوع أخـرجَ الشياطـين من إنسان فـكان بإمكانه إبعاد الشيطان عـن يهـوذا .
الخلاصة : إن سيادة المطران لم يكـن موفـقاً في تحـلـيل سـلـوك يهـوذا ، وأن الأسباب التي ذكـرها عـن خـيانة يهـوذا بقـبلته الغادرة ، غـيـر صائبة .
ولكـنـنا نحـن يمكـنـنا أن نجـتـهـد منـطـقـياً ونـقـول : أن السبب كان الطمع المادي الـفـوري ( الـفـضة ) ، وربما كان يأمل بالحـصول عـلى ( منـصب ) لاحـقاً ، مستغلاً حـقـد رجال الـدين رؤساء الهـيـكل عـلى المسيح … إلّا أنّه ــ وبعـد فـوات الأوان ــ وبّخه ضميره فـنـدم وخـنـق نـفـسه . ….. والـيـوم نـرى الكـثـيرين يتـقـرّبـون من الـرؤساء عـن طريق إبـتـذال مصطلحات التـمـلـّـق ( منـوّر ومعـطـّـر ومـطـوّر ) ، كل لغايته : من أجـل الـتـسلـق ، أو للمرافـقة والتباهي ، أو لإلـتـقاط صورة ، أو للحـصول عـلى مقـعـد مجاور ! …. والسيد الرئيس يتخـتخ !!! .
ويـواصل المطران إجـتهاده في كـرازته قائلاً : كان بإمكان المسيح أن يطلب من ألله أن يـبعـث له 12 فـيالق عـسكـرية لـتـنـقـذه من الصلب ، ولكـنه (( وحـسب كلام المطران ، لم يفـعـل كي لا يتأذى اليهـود وﭘـيلاطس وغـيرهم )) … وهـنا يأتي السؤال المنـطقي لـيفـرض نـفـسه : هـل كان الله حـريصاً عـلى الـيـهـود ومعهم ﭘـيلاطس كي ينـقـذهم ؟ إن الله سـبـق أن أذى وقـتـل جـميع أهـل (( عاي )) إثـني عـشر ألـفاً من رجال ونـساء … إقـرأ يشوع 8 ، فـما المانع من أن يـؤذي ويـقـتـل شـلة من الحاقـدين والإنـتهازيـيـن المَـصلحـيّـيـن ومعهم ﭘـيلاطس ، وهم يصلـبـون المسيح ؟ بل كان بإمكانه أن يقـول كـلمة واحـدة ــ كُـن فـيكـون ــ وهـو القادر عـلى كـل شيء ؟.
إن حـضرة المطران الموقـر خـتم كـرازته ولم نسمع منه … لماذا سمعان الـقـيـرواني حـمل الصلـيـب عـوضاً عـن المسيح في طريقه إلى الجـلـجـلة ؟… … ولا عـن تعـزيته لـبنات أورشلـيم الباكـيات … ولا عـن هـروب التلاميـذ وكـيـف جَـبُـنَ مار ﭘـطرس أمام إمرأة حـين نكـر معـرفـته بسيده المسيح … ولا عـن إكـليل الشوك ولا المسامير المغـروزة في جـسد المسيح … فـهـل كانت جـمعة آلام ، أم جـمعة إتهام إرضاءً لصاحـب ستـراتيجـية الإنـتـقام ؟.
فـلـيكـن سلام المسيح لجـميعـنا وقـلـوبنا بـوئام ، ونحـن نـؤمن بمَن منح لـنا السلام .
******************
ملاحـظة : إرتأيـتُ تغـيـيـر عـنـوان هـذه الحـلـقة الرابعة فـصارت كما هي الآن