(الساعات الأخيرة لمفاعل تموز 1 واحداث عشناها)
تم تكليفي مع افراد مختارين من كل قسم كلّفنا بالمهام الأمنية في حالة حدوث الغارات من مهام اللجنة الأشراف على الملاجئ وابقائها في حالة جهوزية إضافة لتوجيه العاملين أليها والعمل على البدائل عند مفاجئة الطارئ كالاحتماء بالكتل الكونكريتية والتي كانت على شكل مثلث مثقوب من الداخل تم صفّها بتناسق وصولاً لأقرب ملجأ او الاحتماء بالسواقي والتي تم تهيئتها كمواضع افراد كذلك التنسيق مع الأقسام التي لها علاقة ( الإطفاء ، الطبابة ) وبحكم مرافقتي للمشروع ومنذ البداية وكوني واحد من ستة من اول مجموعة أوكلت لنا مهمات ( استلام وتسليم ) فقد تم احتسابنا من الكادر الفرنسي بطلب منهم لحين تسليم الموقع للجانب العراقي وعلى هذه الاعتبارات تم اختياري لتلك اللجنة ( الجدير بالذكر لا يوجد أي امتياز لأي لجنة وهي عديدة تم اشراكي بها فقد كان ” تكليف “ وليس تشريف لم احصل منه إلاّ على وجع الرأس والمشاكل مع المدراء وصولاً إلى ” د . همام عبد الخالق ” الذي وقد كنت اعرفه منذ كان لايزال مدير مكتب د . عبد الرزاق الهاشمي رئيس المعهد ) كانت المجموعة تجتمع في موقع في مدينة الضباط قرب شارع الربيعي ، سمعنا اول تفجير هرعنا نحو الشرفة لنرى سحابة الدخان علمنا انها صادرة من الموقع ، انتفضنا نحن ومدير الإدارة والذاتية للوصول للموقع لتأدية المهام المكلفين بها لا تتصوّروا مقياس سرعة السيارة اللاندكروز حينها لم نكن نحس بها إلاّ وهي تبتلع الطريق … وصلنا إلى النقطة الأولى خارج ( السدّة الترابية ) طلبوا منّا ان نحتمي بملجأ موضعي لحين صدور الأوامر للدخول كون الرباعيات فوق السدّة كانت لا تزال في حالة رمي وخوفاً ان تسقط علينا اغلفة الرصاص المرتد منها فيقتلنا .. بعد هدوء الرمي جاءت الأوامر بإدخالنا فوراً فهرع كل واحد منّا إلى موقعه هرعت إلى بناية الموقع وانا اول شخص يدخلها من الخارج ناهيك عن الخفر الموجودين من كادر المفاعل فوجدت شخصاً واحداً باقي وفي حالة صدمة سألته عن ( الفنيين والمهندسين ) الخفر فقال لي ان احدهم كان مصاباً فتم نقله إلى الطبابة للعلاج وذهب قسماً منهم معه وحالته مستقرّة كان المفاعل في حالة انهيار تام من الجهة الشمالية والباقي منه كان بناية المكاتب والمختبرات من ضمنها مختبري فما كان مني إلاّ ان اكمل مهماتي في تقييم حجم الدمار والبحث عن اذا كان هناك من الفنيين الخفر وكانت اول مهمة ان أتجه إلى ما كنّا نعتبره ( الملجأ ) والذي يقع في ( – 15 م ) تحت الأرض وهي مساحة مخصصة لتشعيع النماذج التي يراد تشعيعها والتي تقع امام قلب المفاعل . نزلت السلالم فوجدت دماء على جدران المحيطة بها فعلمت ان هناك من حاول النزول إلى الملجأ وهو مصاب أكملت الطريق إلى ان وصلت إلى الباب الذي يدخل الغرفة فوجدت صعوبة في فتحه لأن هناك عائقاً من الداخل يعيق فتحه فتصوّرت انها جثة احد الفنيين كون الغبار لا يزال يعيق النظر وعندما ازحت الباب قليلاً لاحظت جسماً معدنياً كبيراً يسدّه فتأكدت انه صاروخ اخترق أرضية الموقع من نقطة ضعفه واستقر خلف الباب ومن حسن حظ الفنيين انه لم ينفجر وإلاّ كان قد دمّر البناية كلها فوق رؤوسهم وكان عدد الخفر حينها ( 7 اشخاص ) تأكدت بعدها انه تم اخلائهم جميعاً إلى الخارج عدا واحد قرر البقاء لحين انجلاء الموقف بقيت في الموقع بعد تبليغ الإدارة لأرى ما يمكن عمله ولأكون الدليل لأي فرقة معالجة متفجرات تدخل لمرافقتهم لأنني اعرف تفاصيل المفاعل من ( الفه إلى يائه ) ، طلبت اخلاء الفني الأخير منتظراً فريق معالجة المتفجرات للدلالة على موقع الصاروخ بالفعل تم التحاق ( ضابط بدرجة نقيب وعنصرين ) من الفريق لمعاينة الوضع ، اول ما ان وصلوا بادرني النقيب بالسؤال : كيف وصلت إلى هنا وهل كنت ابان الضربة موجود … ؟ فأجبته لم اكن موجوداً ووصلت بعد الضربة مباشرةً … فقال لي : الله سترك فالأرض مزروعة بألغام ضد البشر ولا اعرف كيف تخلصت منها … وهنا استوقفتني الذاكرة لأول هجوم على المفاعلات وكيف ان هناك يداً كانت تنتشلني من مواقف مرعبة حاسمة للحياة. لم يتوفى في هذه الغارة سوى ( فني فرنسي ) واحد حيث كان في المناوبة وكان في جولة تفقدية للمفاعل ( داخل البناية ) حين حدثت الغارة …
اخذت الفريق إلى موقع الصاروخ الغير منفجر وهنا كان لا بد ان يتخذ آمر الفريق القرار بالابتعاد عن الموقع واخلائه فوراً لحين معالجته . فتم اخلائنا وانتظرنا إلى اليوم الثاني لحضور المختصين … لم يستطع المختصون ان يحلّوا شيفرة التفجير لتعطيلها بسبب انها كانت متطوّرة وغير معروفة لديهم لذلك اضطرّوا إلى الدخول إلى الصاروخ من مكان اختراقه بعمل حفرة كبيرة لإخراجه وتم ذلك بجهد هندسي كبير حيث تم ابعاده ودفنه بعمق مع متفجرات أخرى لغرض تفجيره وتم ذلك . بالمناسبة كان الصاروخ حسب تسمية آمر الفريق بـ ( البرينة أي الثاقب ) أي انه لا ينفجر فور ملامسته الأرض انما يحفر ليستقر في العمق المطلوب ثم ينفجر اما بتفعيل آلية التفجير عن بعد لاسلكياً او بتفعيل آلية الانفجار فيه بالتوقيت الزمني وهو من الصواريخ الذكية المتطوّرة الصنع حينها … وهنا كان لابد ان نتساءل لماذا لم ينفجر هذا الصاروخ المزوّد بهكذا تقنية … ؟
الجزء الرابع والأخير سنجيب على تساؤلنا هذا مع ختام الموضوع وربطه بسهل نينوى … الرب يبارك حياتكم واهل بيتكم جميعاً
اخوكم الخادم حسام سامي 25 / 8 / 2020