{لا بدّ من كلمة، وصلتنا رسالة على الخاص من احد الخوارنة يلوم النشر، وكأنّ النشر يقصد هذا الشخص أو ذاك، قلناها ونرددها ما ننشر لا يمت بصلة لا لمكان ولا لزمان ما، ومن يفهم انه المقصود فهو يدين نفسه انه مقصّر في الخدمة والشرح، بحيث لا نذكر اسم خوري أو مطران ولا مكان، فكيف فهم انه هو؟ تذكّرنا بقصّة تلمودية عن سارق بإحدى القرى، فقرر الحاكم جمع كل الرجال وأجبرهم بلبس “طاقية” قبّعة وسألهم من السارق فأنكروا جميعا، وعند خروجهم وظهرهم للحاكم قال الحاكم بصوت جهير: ” القبّعة ملتهبة على رأس السارق” فقام احدهم بوضع يده على قبّعته ليفحص ويتاكّد، فعلم الحاكم انه السارق، وبذلك أدان نفسه، وهكذا ما دمنا لا نذكر اسم ولا ضيعة لماذا يقول أنا المقصود؟ وسائل التواصل مليئة بنشر الخدم الكنسية، ونقول، الساكت على خطأ، شريك بالجريمة. نحن لا ننشر لننتقد بل للإصلاح فلا يجوز لخوري العبث في الليترجيا والنص المقدس، وواجب المسؤول ضبط الأمور وإيقاف الانفلات المستفحل في الليترجيا، وبدلا من ضبط خوارنة جاهلة فاسدة يلوم من يلفت نظره لإصلاح الحال، وجب التوضيح}
{الراقد على رجاء القيامة صديقي الأستاذ ميخائيل بولس، المادة من كتاب “الأعياد السيدية ” من إصدار جمعية أبناء المخلص في الأراضي المقدسة.}.
“مُبارك أنت أيّها المسِيح إلهنا يا مَن أظهرتَ الصّيّادين جزيلِي الحِكمَة إذ سَكبتَ عليهِم الرّوح القُدس وبهِم اصْطَدت المسْكونة يا مُحِبّ البَشر المجدُ لَك”.
” العنصَرة _ يوم الخمْسين “
عنْد المسيحيّين
الإسم ومعناه وسبب التّسمِية:
أصْل كلمة “عنصرة” من كلمة” עצרת ” _عتسيرت_ بالعبريَّة. وتعني توقّف_توقّف الزّمان كما يُفسّرون ذلك بأنَّ الربّ قال أنّه يصعب عليه فراق شعبه، لذلك طَلب الربّ من بني إسرائيل أن يعْملوا يوما طيّبًا آخر فيوقَف به شعب إسرائيل أمام الرب ليكونوا معه يوما آخر؛ وكان ذلك حين أُعطِيت الشَّريعة {الوصايا العشر} لموسى على جبل سيناء وحيث كان بنو إسرائيل يقِفون.
و من هنا صارت كلمة “עצרת”{عتسيرت} تعني التجمّع أو التجمْهر في مكان واحد لغرض معيّن؛ والعنصرة عند اليهود هي إسم آخر لعيد الأسابيع {חג השבועות} المذكور في الكِتاب المقدّس وهو أيضًا عيد الخمسين. أمَّا العنصرة بالنِّسبة للمسيحيّين فهي ذكرى حُلول الرّوح القُدُس على التّلاميذ في اليوم الخمسين أي بعد مرور خمسين يومًا من قيامة المسيح _الفِصْح.
ولأنَّ حادثة حُلول الرّوح القدُس على التّلاميذ تمّت في عيد الأسابيع أو يوم الخمسين أو العنْصرة اليهوديّة فدُعِيت هذه الحادثة الجَليلَة عند المسيحيّين بالعنصرة أو يوم الخمسين أيضًا. ومَع مرور الزّمن قُلِبت التاء الملفُوظة مَع الصَّاد {צ} بالعبرية وغير المكتوبة إلى نون تسهيلاً للفظ وَصارت “عنصرة” بدلا من “עצרת” {عتسيرت} وفي اليونانيَّة يُسمّى هذا اليوم بِ Pentecoste أي يوم الخَمسين. فسِوى التّسْمية الواحدة للعيدَين اليهودي والمسيحي لا توجَد أيّ صلة أو علاقة بين العنصرة اليهوديّة والعنصرة المسيحيّة.
ويقع يوم الخمسين الذي حلّ فيه الرّوح القدُس على التّلاميذ يوم الأحَد لأنَّ المسيح صُلِب في يوم الجمْعة وهو بِداية عيد الفِصح عند اليهود. ويقول الكتاب المقدَّس: “واحسبوا لكم من غد السبت السَّابع من يوم إتيانكم بحزمة التحريك سبعة أسابيع تامّة تكون إلى غد السَّبت السابع تَحسبون خمسين يوماً ثمّ تقرّبون {لاويّين16_15: 23}. وعليه يكون حساب الخمسين يوماً كالآتي: كان عيد الفصح يوم الجمعة واليوم التّالي هو سَبت الفصْح وهو موافقاً للسّبت الأسبوعي ولذلك سيكون كل أسبوع من السّبعة أسابيع يبدأ من يوم الأحد وينْتهي يوم السبت لأنَّ الكتاب المقدّس يقول: “واحسبوا لكم من غد يوم السبت” أي اليوم التّالي لسبت الفِصح أي يوم الأحد، ومع نهاية الأسبوع السّابع يكتمل 49 يوماً وبذلك كان يوم الخمسين هو يوم الأحد، اليوم الذي بدأ الله فيه الخلق وهو يوم قِيامة مخلِّصنا يسوع المسيح من بين الأموات. وفيه حلّ الروح القُدُس على التّلاميذ وهذا الأحَد هو يوم الخمْسين أو يوم العنصرة {أعمال الرسل4 ـ 1: 2 } .
” الكنيسة الأولى في أورشليم في عهد الرسل “:
أسّس الربّ يسوع المسيح كنيسَته على الرّسل الذين اختارهم {أعمال 1:2} فكان على هذه الكنيسة أن تنتَشِر في كلّ العالم بواسِطة هؤلاء التّلاميذ المختارين، وقد وعَدهم يسوع أنَّهم سيلبسون قوّة من العلاء، وأوصاهم ألا يبرَحوا أورشليم بل عليهم أن ينتظروا موعد الآب { أعمال4 :1} وبأنَّهم سينالون قوّة الروح القدس الذي سيحلّ عليهم فيكونون شهوداً له في أورشليم واليهوديّة كلّها وفي السّامرة وفي أقاصي الأرض {أعمال1:8} وبوعدِه للتّلاميذ بالروح القدس أنهى المخلّص توصياته للرّسل بشأن نشر وتنظيم الكنيسة ثمّ صَعد إلى السَّماء.
” تأثير القيامة “:
تكوّنت الكنيسة بشكلِها البدائي بعد أنْ اقتنع التّلاميذ بقيامة السّيد المسيح فأينَما ظهر المسيح ومهْما كان الأسلوب الذي ظهر فيه بعد القيامة للنساء في البستان أو لبطرس وحده أو لتلميذَي عمواس أو للأحد عشر وهم مجتَمِعون في العلّية في خوف أو عَلى شاطئ بحيرة طبريَّا أو للخمس مائة من الإخوة الذين يذْكرهم بولس الرسول { كورنتوس الأولى7: 15} فأن روحاً جديدة تظهر واضحة ملموسة دبّت في التلاميذ ممْلوءة بالبهجًة والفرَح والشّكر ومفْعَمة بالثقة القويّة ومتطلّعة إلى مُستقبل مُشرِق بانتصارات عظِيمة .
ذلك أنّ سيّدهم لم يُهزم ولم يَتركهم بل أعطاهم المواعِد وتمّمها فلم يكن إيمانهم به عبثاً. لقد أنتدبهم لأعمال عظيمة وكانوا بدورِهم مُستعدّين لذلك وهكذا ظهرت الكنيسة فكراً وروحاً.
وبعد صُعود السيد المسيح، عاد التَّلاميذ إلى أورشليم كَما أمرهم ودَخلوها وصَعدوا إلى العِليّة التي كانوا يقيمون فيها وكانوا كلّهم مواظبين على الصّلاة بنفس واحدة وكان معهم بعض النِّسوة وَوالدة الإله وغيرهم من الإخوة المؤمنين وكانوا ينتظرون حُلول الرّوح القدس { أعمال 14 – 12 :1 }
إنتخاب متيا:
وفي أحد تلك الأيّام وكان عدد المجتمعين نحو 120 من المؤمنين عرَض علَيهم بطرس الرّسول أنتخاب أحَد المؤمنين من مرافِقي المخلّص وشهود قيامته لأجْل الخدْمة الرسولية ليحلّ محلّ الخائن يهوذا الإسخريوطي فقدّم المجتمِعون للرّسل اثنين:الأوَّل يوسف المسمّى برْسابا ” أي ان القسم أو الراحة ولقَبه يستيس أي العادل وهو لقب روماني ” والثاني متيا “أي” عَطيّة الربّ والمعروف عنه ما ذُكر هنا فقط” وَبعد الصّلاة ألقوا القُرعة فوقَعت على متيا فحُسِب مع الرسل الأحد عشر{ أعمال 26 – 15 :1 } .
حُلول الرّوح القُدس _ يوم الخَمْسين :
لم يَبرح التلاميذ أورشليم كما أوصاهم الربّ يسوع بل ظلّوا ينتظرون فيها تنفيذ وعده لهم بحلول الرّوح القدس عليهم. وفي يوم الخمسين بعد القِيامة في العنصرة بعد مضي عشرة أيّام على صُعود المخلّص حيث كان التّلاميذ مجْتمعين في العلّية وكان عدد الإخوة المجتمعين نحو 120 {أعمال15 :1} وإذا صوت من السّماء كصَوت ريح شديدة تعصف قد أنفجر وملأ جوانب البيت الذي كانوا مُقيمين فيه وظهَرت لهم ألسنة مُنقَسمة كأنَّها من نار {وهي ترمز هنا إلى قوّة الروح القدس} واسْتقَرّت على كلّ واحِد منهم فامتلأ داخلهم من الرُّوح القدس { أعمال4ـ 1 :2} الذي منَحهم موهِبة الكلام بألسِنَة جديدة ومَفاهيم جديدَة فتكلّموا بأكثَر من خمْس عَشرة لُغَة.
ولم يكن يوم الخمسين مجرّد حدث تاريخي بل هو حدث حيّ له الأثر العميق في حياة التّلاميذ والكنيسة، فبدأ هؤلاء المسيحيّون يشعرون بهويتهم ويشعرون أنَّهم شركة وجماعة مميزة، وبدأت بعض الصّفات الهامّة تظهر في جماعتِهم هذه ولم يكونوا قد أطلقوا بعد على أنفسهم لقب مسيحيّين بل كانوا جماعة من اليهود الذين آمنوا بالمسيح بأنّه ابن الله وكانوا يبشّرون بمجيئه ثانية ومنذ القيامة اكتسبوا روح الشَّجاعة والإقدام، فكانوا يدْخلون الهيكل يتعبّدون ويكرِزون فكان الهيكل هيكلهم بقدر ما كان هيكل المسيح ربّهم من قبل ولم تكن سلطات الهيكل قد اتَّخذت منهم موقف العداء الصريح فكانوا يكتفون بتوجيه اللوم لهم ويطلبون منهم الرجوع عن إيمانهم هذا.