يوسف جريس شحادة
كفرياسيف _ www.almohales,org
التدبير الإلهي في الخليقة حسب الكتب السماوية يبدأ في التوراة، أول الكتب السماوية، ونؤمن ان المسيح في التوراة والتوراة التمهيد والتحضير للمخلّص الذي حقّق التوراة.
تشمل التوراة العديد من النصوص التي تنبّأت ومهّدت للمخلّص ومنها “آلام الرب”، { اش 42و49 و50 و52 و53 } وقانون الإيمان نعلن نحن عن :” تألّم ..” والألم عن الطبيعة البشرية فقط، وبالألم أهّلنا المسيح للملكوت : ” أَنَّ إِنْجِيلَنَا لَمْ يَصِرْ لَكُمْ بِالْكَلاَمِ فَقَطْ، بَلْ بِالْقُوَّةِ أَيْضًا، وَبِالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَبِيَقِينٍ شَدِيدٍ، كَمَا تَعْرِفُونَ أَيَّ رِجَال كُنَّا بَيْنَكُمْ مِنْ أَجْلِكُمْ. وَأَنْتُمْ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِنَا وَبِالرَّبِّ، إِذْ قَبِلْتُمُ الْكَلِمَةَ فِي ضِيق كَثِيرٍ، بِفَرَحِ الرُّوحِ الْقُدُسِ،”{ 1 تس 6 _5 :1 }.
علّمنا المسيح من خلال حياته بين الناس ومعاشرته للعشّارين والخطاة والزناة وكلّ هذا ليردّ كرامتهم الإنسانية المسلوبة : ” وَفِيمَا هُوَ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِهِ كَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ يَتَّكِئُونَ مَعَ يَسُوعَ وَتَلاَمِيذِهِ، لأَنَّهُمْ كَانُوا كَثِيرِينَ وَتَبِعُوهُ.”{ مر 15 : 2 قارن ومت 11 :9 : ” فَلَمَّا نَظَرَ الْفَرِّيسِيُّونَ قَالُوا لِتَلاَمِيذِهِ: «لِمَاذَا يَأْكُلُ مُعَلِّمُكُمْ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ؟» }، وهو على الصليب تألّم مع المتألّمين والملعونين، {تث 23 :21 : ” فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلاَ تُنَجِّسْ أَرْضَكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا.” ويفتقد المتألّمين ليرفعهم لمجده، حين اخبر اللص تكون اليوم معي { لو 43 : 23 }: ” فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ»..
يتعلّق الألم بالمجد حسب الرب، حين طلب ابنا زبدى { يعقوب ويوحنا لن ندخل لماذا هما وبقصة التجلي أيضا دوما الثلاثة رغم محبة المسيح لكل التلاميذ} المجد من المسيح أي حين طلبا ان يجلسا عن يمينه وعن يساره، من جواب الرب لهما نفهم الغاية والمعنى للألم فجوابه كان هو عن كاس الآلام { مت 32 _ 20 : 20 ومر 40 _35 : :10 }: ” حِينَئِذٍ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ أُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي مَعَ ابْنَيْهَا، وَسَجَدَتْ وَطَلَبَتْ مِنْهُ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا: «مَاذَا تُرِيدِينَ؟» قَالَتْ لَهُ: «قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ». فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟» قَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». فَقَالَ لَهُمَا: «أَمَّا كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِيني وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَبِي». وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبْدِي قَائِلَيْنِ: «يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ لَنَا كُلَّ مَا طَلَبْنَا». فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ لَكُمَا؟» فَقَالاَ لَهُ: «أَعْطِنَا أَنْ نَجْلِسَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فِي مَجْدِكَ». فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟» فَقَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «أَمَّا الْكَأْسُ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا، وَبَالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ».
وفي حادثة التجلّي على جبل تابور {طابور_ثابور} خاطبهم أيضا الرب عن الصليب {مر 12 :9 }: ” فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلًا وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَيْفَ هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِ ابْنِ الإِنْسَانِ أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا وَيُرْذَلَ”. جبل تابور يرمز للمجد والجلجثة للألم وننتبه ان عيد التجلّي قبل الصليب بأربعين {ليس عبثا أربعين والعدد يرمز للكثير وأهمها اسم إله قديما وله المعاني الجمّة وليس صدفة التيه بالصحراء وصوم الرب وتجربته الخ ترتبط بالإله القديم } يوما تقريبا ونحتفل ثانية بالصليب في الأسبوع العظيم _ الأحد الثالث _ من الصوم الفصحي لنعلم ونتعلم ان المجد والأبدية بدون الصليب لا شيء لا المجد ولا الخلاص وليس عبثا رتّب الآباء بإيحاء الروح القدس ان يكون الأحد الثالث من الصوم الفصحي للصليب.
صعود الرب من جبل الزيتون { لن ندخل بمكانة الجبل في التوراة وطريق الخلاص} الجبل الذي بكى منه على اورشليم وبكى عند سفحه في بيت عنيا على قبر العازر وبستان جثسيماني { اشترى البستان ارسطوبولس والد القديس مرقس والتفاصيل في غاية الروعة } وسلّمه يهوذا، اختيار الصعود لأنه يربط بالألم والآلام كما يفسر ذلك بولس الرسول {عب 10 :2 } : ” لأَنَّهُ لاَقَ بِذَاكَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ، وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ، أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ.”.
ما من عجب حين نجد الربط بين الألم والمجد معا يشكلان عنصرين أساسيين في التسابيح والتراتيل الكنسية ومن ابرز ذلك ” شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ ” في قراءة النبؤة لدانيال { 12 _11 :3 }:” وَمَنْ لاَ يَخِرُّ وَيَسْجُدُ فَإِنَّهُ يُلْقَى فِي وَسَطِ أَتُّونِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ. يُوجَدُ رِجَالٌ يَهُودٌ، الَّذِينَ وَكَّلْتَهُمْ عَلَى أَعْمَالِ وِلاَيَةِ بَابِلَ: شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ. هؤُلاَءِ الرِّجَالُ لَمْ يَجْعَلُوا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ اعْتِبَارًا. آلِهَتُكَ لاَ يَعْبُدُونَ، وَلِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَ لاَ يَسْجُدُونَ {.ولننتبه للنص التوراتي أعلاه وفي كتب الخدمة بعض الطبعات استخدمت ” رفعوا بدلا من القوا في أتون النار وبدلا من تحترق أجسامهم استخدمت ليأخذوا المجد} كذلك لمن يفحص في القراءات نقرا من سفر أيوب خلال الأسبوع العظيم.
تقبّل الألم بالطاعة يوصلنا إلى الخلاص وروعة هي أقوال بولس { عب 9 _ 8 :5 }: ” مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ. وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ، سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ،” وأي شخص يتألّم ويحتمل الألم بأنواعه من أفكار وأوجاع جسدية وعقلية ونفسية الخ يشترك مع المسيح في حملان صليب المسيح هنا نفهم أكثر وضوحا “يحمل صليبه ويتبعني”، وبولس معلم المسكونة { في 10 :3 و كولس 24 :1 } : ” لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ،” لنبلغ القيامة الحقّة مع الرب. الَّذِي الآنَ أَفْرَحُ فِي آلاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ، الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ،”.
تحققت الشركة مع المسيح بالصبر والشكر وهذا ما يؤدي إلى ان يكلل الشخص بالأبدية { 2 ثيمو 12 :2 } : ” إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضًا مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نُنْكِرُهُ فَهُوَ أَيْضًا سَيُنْكِرُنَا” ويقول في هذا القديس كبريانوس: ” ان الخلود بالأبدية يوهب لمن يثابر” لأننا نشبه المسيح في موته والمُمَجّد في آن واحد { في 10 :3 ورو 18 _ 17 :8 } : ” لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ، فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ. فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا.”
في مقالات القديس كبريانوس “ثياب العذارى” : ” أباركك أيها الآب لأنك حسبتني أهلا لهذا اليوم وهذه الساعة لنال نصيبا مع جميع قديسيك في كاس مسيحك”.
في الألم قيامة ومجد، في رؤيا يوحنا يخبرنا عن الحمل المذبوح القائم من الموت، فالكنيسة تأكل من جسده وتشرب من دمه وامرأة الحمل هي الكنيسة مهيأة حالها لاستقبالها الختن البازغ ومن هنا المعنى الحقيقي للفظة “الختن ” {مقارنة واللفظة العبرية وليس من اللعب اختار الآباء اللفظة وللأسف بعض الخوارنة تتفذلك وتغيّر الألفاظ وأغلبيتهم عن جهل } رؤ 6 :5 و 7 :19 : ” وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ. لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ! لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا.”.
الألم بالمفهوم المسيحي ليس بهدف بل وسيلة إماتة الإنسان القديم لينمو الجديد بالمسيح وننال هبة الله أي الحياة الابدبة بالافخارستيا { رو 23 :6 }: ” لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.” ويقول القديس اوغسطينوس: ” ما هو هذا المجد إلا الخلود، الذي تتقبّله الطبيعة البشرية فيه _المسيح”.
حكمة الرب نجهلها وتدبير الرب لا نفهمه في اغلب الأحيان، والقديس كبريانوس : ” الطبيب الذي يعالج أطراف الجرح بأيدٍ حانية، هو طبيب غير حاذق، إذ يترك بهذا السمّ في عمق الجرح، وبذلك يزيد من آلامه، بل يجب ان يفتح الجرح ويستأصل الجزء الفاسد، حتى ولو كان في ذلك صراخ للمريض وشكوى من شدّة الألم، لكنه فيما بعد عندما يستردّ عافيته، سوف يقدّم الشكر للطبيب لما صنعه”.
يوجز بولس الرسول { رو 28 : 8 و في 29 :1 }: ” وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ. “وبذلك نكون مع المسيح المحبّ حزقيال 8 :16 : ” فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ، وَإِذَا زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ وَسَتَرْتُ عَوْرَتَكِ، وَحَلَفْتُ لَكِ، وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَصِرْتِ لِي.” والله محبّة وغلب الرب العداوة بالمحبّة ومن هنا القول الله محبّة.