يوسف تيلجي
أستهلال :
المقال هو مجرد أضاءة ماضوية تبحث عن تساؤلات بين الحضارة والأسلام ، مع بعض التقاطعات والأضافات التي ستطرح بأعتبارها من ضرورة السرد.
المقدمة :
لكي نطرح تساؤلاتنا لا بد لنا من مدخل ، وهذا أراه عن طريق طرح تعريف هاتين المفردتين بشكل عام ومختصر :
* الحضارة – قال ” رالف بدنجتون” : إنّ حضارة أيّ شعبٍ ما هي إلا حزمةُ أدواتٍ فكريّة وماديّة تُمكّن هذا الشعب من قضاء حاجاته الاجتماعية والحيوية بإشباع وتُمكّنه كذلك من أن يتكيّف في بيئته بشكلٍ مناسب . بينما عرف ” إدوارد تايلور” الحضارة بأنّها : الكلُّ المركب الذي يجمع بداخله جميع المعتقدات ، والقيم ، والتقاليد ، والقوانين ، والمعلومات ، والفنون ، وأيّ عادات ، أو سلوكات ، أو إمكانات ، يُمكن أن يحصل عليها فردٌ ما في مجتمعٍ ما . ويُمكن تعريف الحضارة في النّهاية على أنّها إرثُ الإنسان المادي والمعنويّ الذي خلّفه في الماضي ، والذي اعتمد عليه الإنسان لإكمال مسيرة حياته وتقدّمه الحالي ، سواءٌ أكانت مظاهر معنوية كأسلوب الحياة ، والمعيشة اليومية ، والعلوم ، والمعارف ، أو أدواتٍ ووسائل ماديّة بقيت أثراً لوجوده كالبُنيان ، والمسكوكات ، والأعمال اليدوية المختلفة ؛ مثل الخزف ، والفخار ، وغيرها . / نقل بتصرف من موقع موضوع . كوم .
* أما الأسلام – / نقلا عن المواقع ، هي ديانة إبراهيمية وسماوية ، وهو ثاني الديانات في العالم من حيث عدد المعتنقين بعد المسيحية ، والمعنى العام لكلمة الإسلام هو الاستسلام لله ، أي تسليم كامل من الإنسان لله في كل شؤون الحياة ، يؤمن المسلمون أن الإسلام آخر الرسالات السماوية وأنه ناسخ لما قبله من الديانات ؛ كما يؤمن المسلمون بأن محمدًارسول مرسل من عند الله ، وخاتم الأنبياء والمرسلين ؛ وأن الله أرسله إلى الثقلين ( الجن والإنس ) . ومن أسس العقيدة الإسلامية الإيمان بوجود إله واحد لا شريك له هو الله ، وكذلك الإيمان بجميع الأنبياء والرسل الذين أُرسلوا إلى البشرية قبل محمد ، كالنبي إبراهيم ويوسف وموسى والمسيح عيسى بن مريم والإيمان بكتبهم ورسائلهم التي بعثهم الله بها كي ينشروها للناس ، كالـزبور والتوراة والإنجيل وصحف أبراهيم . / نقل بتصرف من الويكيبيديا .
* أضاءة أستباقية ، حول ” أن الله أرسل محمدا إلى الثقلين ( الجن والإنس ) ” ، وتساؤلي هل للجن دين أو معتقد ! ، وهل قرأنا من جن في الكتب المقدسة / التوراة والأنجيل ، كان يدين باليهودية أو بالمسيحية ! .. أرى أن هذا الوضع يشكل أشكالية فكرية في المعتقد الأسلامي ! .
القراءة :
أولا – شخصيا أرى ” أن الحضارة هي نسق تراكمي معرفي للحياة من شتى الميادين الأجتماعية والعلمية والأقتصادية والثقافية .. التي تمتزج مع نهج المجموعات البشرية وفق سلوكهم وتقاليدهم وأعرافهم وقيمهم وضوابطهم ، سعيا من أجل حياة مجتمعية أفضل للأجيال المستقبلية . ” ، فهل هذا يتفق أو يتماشى مع العقيدة الأسلامية ، شخصيا أرى الجواب هو : ” لا ” ، للأسباب التالية – على سبيل المثال وليس الحصر :-
1 . الوضع الأسلامي كنشأة تكون في الجزيرة العربية / بيئة صحراوية رملية جافة حارة ، وهذا أنتج مجتمعا قبليا عصبيا حادا ، قيما وتقاليدا وأعرافا ، وبين أبن خلدون / بهذا الصدد ، بأن ” للبيئة أثرا واضحا في تكوين الصفات البيولوجية للأنسان ، مما يُقرّر أثرها على عاداته ، وسلوكاته ، وعقله ، وقراراته ، حيثُ قال بأنّ للمناخِ دوراً مهمّاً ورئيساً في الأمر ؛ فإن كان المُناخ في منطقة ما حاراً فستتولّد أفكارٌ ، وعادات ، وتقاليد ذات طبيعة صلبة وحارّة ، أما إن كان مُعتدلاً فسينتجُ عنه أفكار وتقاليد معتدلة.. ” . لذا أرى أن الوضع المجتمعي الأسلامي الزمكاني ليس من اليسير أن يقبل أو أن يتعايش مع وضعا أخر !! ، لذا نهج الأسلام مبدءا عدائيا لباقي المجتمعات تحت مسمى ” الفتوحات / عدة حروب خاضها المسلمون بعد وفاة الرسول محمد ضد بيزنطة والفرس والقوط في السنوات ما بين (632–732) في العهدين الراشدي والأموي ” .. لأجله أرى أن الأسلام منذ بداياته ، لم يكن مستعدا لقبول باقي المجتمعات ، لذا فهو غزاها بدعوى نشر الاسلام ، بدلا أن يتعايش معها ، ولهذا فقدت الحقب الأسلامية الأولى ، جذب التراكمات الحضارية للأمم الأخرى ! .
2 . العقيدة الأسلامية تطبق شريعة خاصة ومحددة بها في مجال القصاص ، وٍأستناول مفردة واحدة كمثال ، وهي عقوبة السارق ، أسلاميا قصاصها قطع يد السارق ، فقد جاء في سورة المائدة ، التالي ” وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 38 ” ، وفي تفسير الأية لأبن كثير : ( يقول تعالى حاكما وآمرا بقطع يد السارق والسارقة ، وروى الثوري عن جابر بن يزيد الجعفي عن عامر بن شراحيل الشعبي أن ابن مسعود كان يقرؤها : ” والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما “. وهذه قراءة شاذة ، وإن كان الحكم عند جميع العلماء موافقا لها ، لا بها ، بل هو مستفاد من دليل آخر .. ) .
*بينما عقوبة السارق وفق القوانين المدنية ، هي بعيدة كل البعد عن هذا المفهوم القاسي الشنيع ، فمثلا : ( نص المشرع العراقي على عقوبة جريمة السرقة في الماده 446 عقوبات و حددها بالحبس اذا لم تقترن بأي من ظروف التشديد الوارده في المواد 440 و 445 عقوبات ومن هذا النص يتضح أن المشرع قد أطلق لفظ الحبس وهذا يعني أن لمحكمة الموضوع سلطة تقديره في أن تقضي بعقوبه الحبس ما بين حديها الأدني 24 ساعه والإعلى 5 سنوات ولكون جريمة السرقة من الجنح فإن مدة العقوبة تنحصر بين أكثر من 3 أشهر إلى 5 سنوات على وفق الماده 26 عقوبات ويلاحظ أن المشرع أجاز تبديل عقوبة الحبس بالغرامة اذا كانت قيمة المسروق لا تزيد على دينارين / نقل بتصرف من موقع القانونيين العرب ) .
* هنا يتضح أنه هناك بونا واسعا بين الأحكام الأسلامية ، وبين الأحكام المدنية ، التي تتطلبها الحياة المجتمعية المتحضرة ، وكما هو جلي / من المثال أعلاه ، أن الفرق واضح في عقوبة السرقة ، التي تتمثل أسلاميا بقطع يد السارق وبين الحبس أو الغرامة في القوانين المدنية ! .
3 . يمكن القول أن بواكير التطور في الوضع المجتمعي الأسلامي حصل بأنشاء دار الحكمة ( بيت الحكمة أو خزائن الحكمة، وهي أول دار علمية أُسِّسَ في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد ، واتخذ من بغداد مقرًا له ومن أبرز مترجمي الدار يوحنا بن ماسويه وجبريل بن بختيشوع وحنين بن أسحاق وكثير من العلماء العرب واليهود والنساطرة والفرس .. / نقل بأختصار من الويكيبيديا ) .
* وحتى بيت الحكمة ( تتبع أثر تأسيس بيت الحكمة يشير إلى أنه في خلافة أبي جعفر المنصور135 هجري / 752 ميلادي -158 هجري / 774 ميلادي ، وليس بخلافة هارون الرشيد ) ، لا يحسب حضاريا على العهد الأسلامي ! ، وذلك لأن معظم أعمدة بيت الحكمة لا ينتسبون عقائديا للأسلام ، كما أن اكثرهم ليسوا عربا !! ، كما أن معظم العلماء والفلاسفة الذين يفتخر على أنهم مسلمين ، ويدعون بأنهم بناة حضارة عربية أسلامية فمعظمهم ليسوا مسلمين بل ملاحدة وزنادقة وحتى أن بعضهم كفرة / على سبيل المثال وليس الحصر التالي ، أورد بعضهم ( أبن المقفع / عبد الله بن المقفع [ت : 145 هـ] كان مجوسياً فأسلم ، وكان يتهم بالزندقة . الجاحظ – عمرو بن بحر [ت : 255 هـ]: من أئمة المعتزلة ، تنسب إليه البدع والضّلالات ، حتى قيل : (يا ويح من كفّره الجاحط) . حكى الخطيب بسنده ؛ أنه كان لا يصلي ، ورمي بالزّندقة ، وقال بعض العلماء عنه : ( كان كذاباً على الله وعلى رسوله وعلى الناس ) . الكندي / يعقوب بن اسحاق [ت: 260 هـ]: من أوائل الفلاسفة الإسلاميين ، منجّم ضال ، متهم في دينه كإخوانه الفلاسفة ، بلغ من ضلاله أنه حاول معارضة القرآن بكلامه . الرازي / محمد بن زكريا الطبيب [ت: 313 هـ]: من كبار الزّنادقة الملاحدة ، يقول بالقدماء الخمسة الموافق لمذهب الحرانيين الصابئة ، وهي الرّب والنفس والمادة والدّهر والفضاء ، وهو يفوق كفر الفلاسفة القائلين بقدم الأفلاك ، وصنّف في مذهبه هذا ونصره ، وزندقته مشهورة . الفارابي / محمد بن محمد بن طرخان [ت: 339 هـ] من أكبر الفلاسفة ، وأشدهم إلحاداً وإعراضا ً، كان يفضّل الفيلسوف على النبي ، ويكذّب الأنبياء . ابن سينا / الحسين بن عبد الله [ت: 428 هـ] إمام الملاحدة ، ضال مضل ، من القرامطة الباطنية ، كان هو وأبوه من دعاة الإسماعيلية ، كافر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم بالآخر . / نقل من faysaljalloul.wordpress.com ) .
* حتى أن أكبر البارعين في النحو والأدب ، كان من الفرس .. ك ” سيبويه” 765 – 796 م ( عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء ، يُكنى أبو بشر ، الملقب سيبويه : إمام النحاة ، وأول من بسّط علم النحو .. ) .
4 . أذن لم تكن لدينا نواة / مؤهلات ، حضارة حتى يمكن أن تتفاعل أو أن تتراكم منتجاتها مع مثيلاتها من حضارات الأمم ، وذلك لأن معظم الرجال من علماء وفلاسفة لا ينتمون للعربية والأسلام معا ، وحتى الشعر الذي يشتهر به العرب ، ليس حضارة ، بالرغم من أن الشعر من ضمن صنوف الأدب ، فالمتنبي 915 – 965 م ، بالرغم من مقامه الرفيع شعرا ، فهو لم يبني حضارة ، وهو عربي قح ( هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد ، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لا لأنه منهم . عاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاءاً في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان من أعظم شعراء العربية ) .. بل بنى قامة من الكبرياء والرفعة والعزة ، وهذه المزايا ليست نواة حضارة ! .
* ما قصدته بأن الحضارة الأسلامية لا تبنى على أكتاف الأخرين ، لأن الحضارة تبنى من تراكمات جهود ذاتية لمجتمعات مختلفة تتقبل ثقافات الأخر .
ثانيا – لا يمكن أن يكون هناك تلاقحا حضاريا بين الأسلام كدول والأمم المتحضرة / كأميركا والدول الغربية واليابان .. ، وذلك لأن الأسلام يأمر بقتال غير المسلمين ما لم يسلموا ، وفق حديث الرسول ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم بحق الإسلام وحسابهم على الله ) ، ومن جانب أخر أن الحضارة تنهج تقبل الأخر بغض النظر عن العرق والأثنية والدين والمعتقد واللون و .. ، فكيف والأسلام يأمر بنسخ كل الأديان – ما قبله وما بعده ، ويعتقد بأنه فقط الدين الألهي الوحيد ! وفق سورة آل عمران ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحساب 19 ) .. أذن الأسلام في واد والعالم بأجمعه في واد أخر ، ولذا سيبقى الأسلام بتابعيه منعزلا متقوقعا على نفسه دون تطور وتمدن وتحضر !! والشاهد على ذلك قول الرسول : ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً ) !! .