سنقدم هذا الموضوع بأسلوب بحثي مستخدمين أدوات البحث العلمي
المقدمة : بداية نقول ماذا تعني مفردة ( البحث) البحث يعني التفتيش عن” مجهول او موضوع غير مطروق لإيضاحه ورفع الغموض عنه “من خلال المنظور الشخصي الذاتي يستخدم الباحث فيه خلفيته العلمية (الباك راوند) التي تتشكّل من خلال القراءات لنظريات وأفكار الذين سبقوه في ذاك الاختصاص ليخرج بحصيلة جديدة تضاف لما تحقق من سابقيه (الباحث لا يلخص أفكار الآخرين ويكتب عن مفاهيمهم بتقارير انما يضع بصمته الخاصة في موضوع بحثه ) ومن هنا نستنتج ان الباحث يقوم بمجهود شخصي للتعبير عن الجديد الذي توّصل له لتسجيله براءة اختراع (المصطلح العلمي)” شهادة تنسيب واعتراف من قبل لجان مختصّة تثبت ان هذا الذي وصل إليه لم يسبقه أحد فيه”
وبما ان لنا قراءات كثيرة في ( شأن الأديان كل ما يدين به البشر مشمولة الأحزاب السياسية ” تنظيمات مجتمعية ” لأنها تشكل ايضاً عقيدة مجتمعية كونها تنظم من خلال دستور وضعي ” ) ولكوني اختصصت بدراسة الدين المسيحي لأكثر من عشرون عاماً ( اضطررت لاستخدام مفردة ” الدين ” على الرغم من إيماني الثابت بان المسيحية ليست ديانة وانما عقيدة إنسانية لكن للضرورات اسمحوا لي باستخدام هذه المفردة ) . سنستخدم في بحثنا هذا مصدرين ( الكتاب المقدس وتاريخ العراق القديم والذي ايضاً يشمل الكثير من جغرافية المنطقة قديماً )
رب سائل يسأل ما علاقة تلك المقدمة بصلب الموضوع فالموضوع عن القومية والمقدمة مدخل إلى ( البحث والأديان) سنكتشف ذلك في سياق بحثنا
الموضوع
اولاً : القومية معناها : مجموعة بشرية تلتقي فيما بينها بروابط محكمة ( أواصر) وهذه الروابط تدلل على هويتها الخصوصية وهي المختلفة عن محيطها الذي تتواجد فيه إذاً فالقومية تعبر عنها عناصرها وهي
أ- الدم : أي آصرة الدم وتعني العرق الواحد من العائلة الواحدة وبتكاثرها تنشأ القومية
ب- التاريخ : آصرة التاريخ تدلل على أصول تلك التجمعات البشرية وتثبت اصالتها وتسجل مآثرها وتأثيرها في منطقتها او مناطقها
ج- الأرض : آصرة الأرض ” الموقع الجغرافي لتواجد تلك التجمعات لتعطيها خصوصية… فتتطبّع تلك الأرض بالهوية القومية للشعب الساكن عليها
د- اللغة : بالتأكيد يجب ان يكون الرابط للتفاهم بين المجموعة البشرية هي اللغة واللغة هي هوية تلك التجمعات
ج- العقيدة ” الدين” : هي الهوية الثقافية للمجموعة البشرية والتي تشكل ” حضارتها ” وبدونها فالقومية تفقد تاريخها ووحدتها وحتى قوانينها الوضعية فالعقيدة هي أساس ( دستور ، شريعة) تلك المجموعة .. نكتفي بهذا الشرح المبسط جداً .
ثانياً : ارتباطها. ونقصد في هذا الباب علاقاتها ( الداخلية والخارجية وقانون تنظيم تلك العلاقات )
إذاً ومن خلال شرحنا السابق نستنتج ان لكل تجمع بشري خصوصية يطلق عليها مسمى ( القومية) تشير إلى تفردها وخصوصيتها التي تختلف عن أخريات تعيش في محيطها ولو استقرأنا التاريخ لوجدناه ملئ بالصراعات بين تلك التجمعات البشرية ( القومية) والأسباب هي ( اقتصادية) قبل كل شيء و(عقائدية: كون كل مجموعة لها إله يمثلها يكون حارساً عليها مدافعاً عنها ” قائداً لها “) وتأتي بالدرجة الثانية من الأهمية بل وتستخدم لتبرير التوسع والحروب فيما بين تلك ( القوميات .. التجمعات ) والغاية ( اقتصادية .. مصلحة القوم )
العلاقات الداخلية : وتنظم تلك العلاقة من خلال قانون وضعي يحضر ” يمنع ” على افراد تلك المجموعة القيام بأي شكل من اشكال الاعتداء (تجاوز القانون .. الدستور .. الشريعة) على مجتمع تلك المجموعة او ما يشكل اضرار من تصرفات فردية تنعكس بالسلب على مبادئ المجموعة واخلاقياتها وهنا يستوجب إيجاد منظومة للعقاب ضد المتجاوز لتثبيت هيمنة واحترام ( لنظام العقيدة أي المنهج الأخلاقي لها ) لضبط تلك التجاوزات وهنا لابد ان نؤكد ان هكذا قوانين تدعى ” وضعية ” أي يضعها البشر لحفظ أمن وسلامة العيش المشترك بين افراد تلك التجمعات وهذه الشريعة لابد ايضاً ان تواكب عصرنة ” التقدم الحضاري ” لمجتمعها إذاً ( مبادئ العقيدة هي التي تضع وتسن قواعد وقوانين ذاك التجمع يشرف على تطبيقها افراد ينتدبون يكونون محط ثقة اجتماعياً ولهم أمانة ترتبط ( بأخلاقية “العقيدة” )
العلاقات الخارجية : ان علاقة كل تجمع بشري مع العالم (المجتمعات المحيطة به) تبنى على اساس المصالح وكانت جميعها تتصف بـ ( العدائية) وهذه العدائية تنسب ( لمصلحة القوم او المجموعة) والهم الأعظم والأكبر هو ( الصراع الاقتصادي .. الغذائي) وبما ان طبيعة الحياة الاجتماعية كانت ( البداوة … المجتمعات التي تتعلّق حياتها بتربية الحيوانات كمصدر للغذاء) إذاً كان لا بد ان تبحث تلك التجمعات عن ارض خصبة لتأمين ذاك الغذاء فكانت في كثير من الأحيان تحارب لتصل إلى ذاك المكان للاستحواذ عليه (استعماره) استعباد سكانه الأصليين او ابادتهم او تهجيرهم او تغيير خصوصيتهم القومية بفرض الثقافة الجديدة التي تتمثل ( بعقيدة المستعمر … حضارته .. موروثه)
من هنا نعلم ان العلاقات الخارجية للقوم مرهونة بمصالحه وهي بالتالي (عدوانية ) الغائية للآخر تدميرية لجنسه لا تحمل أي وجه من أوجه السلام والمحبة للآخر المختلف يقودها ( الموروث الحضاري الثقافي لذاك القوم … دينه)
ملاحظة مهمة جداً : أدخل إلى أي برنامج للـ ( الناشيونال جيوغرافي) وتفرّج على عالم الحيوان وادرس طبيعة الحيوان في اختيار مناطقه الخاصة ليكون سيداً فيها وطبيعة تصرفاته مع بني قومه ومع المحيط .. ومدى تقارب ذلك مع طبيعة مفهوم ( القومية )
أهدافها : إذاً من خلال الشرح المبسّط جداً لمفهوم القومية نستطيع ان نصل إلى اهداف ( تلك التجمعات البشرية … التجمعات القومية) فهي لا تبتعد ابداً عن مفهوم ( المصالح العامة لتلك التجمعات والتي تخدم بالأساس المصلحة الخاصة لأفراد تلك المجموعات ) وهنا عند تقييم هذا المفهوم نصل إلى ان التجمعات البشرية القومية هي تجمعات تخدم مصالحها الخاصة بالاعتداء على مصالح الآخرين باستغلالها واستعبادها والهيمنة عليها بل وصولاً إلى الغائها ودمجها في مجتمعاتهم وبذلك يكونون قد حققوا شكل من اشكال الاستعمار وهو الاستعمار الثقافي المؤدلج بالعقيدة والفارض أسلوب حياة مختلف عن الآخرين مفروض عليهم مغيّب لحرية الآخر وإلغاء لخصوصيته وشخصيته .
الخلاصة: القومية وكما بحثناها تاريخياً نجد انها تمثل خلاصة مصلحة شعب معيّن مقابل مصالح شعوب أخرى تعيش في محيطها مما يجعلها مستنفرة دائماً ومهيأة للصراع والاقتتال لتحقيق تلك ( المصالح) إذاً مفهوم القومية هو من المفاهيم السلبية على حياة الإنسان والإنسانية لأنها تشكل خطراً على حياة البشر وهي وسيلة قانونية داخلية لشرعنة قتلهم وابادة اعراق بشرية لتنظيم العالم على حضارة وقانون تلك القومية …
وبعد هذا الاستقراء البسيط نستطيع إيجاد الطريقة السليمة لتحييد تلك الأيديولوجية وتشذيبها وترويضها لتصبح قوّة إنسانية حضارية تساهم في تقدم البشرية من هنا كان لنا ان نبحث عن جواب لسؤالنا هل يمكن تشذيب مفهوم القومية وإعادة برمجته ليتلاءم والتطوّر المجتمعي الإنساني .. ؟
بعد ان أخفقت جميع المؤسسات المجتمعية الإنسانية في ترويض مفهوم القومية وبالخصوص ( الأحزاب الأممية) كونها استخدمت ذات الأسلوب في الترويض أي أسلوب (الحرب والإبادة) كان لابد من معرفة الأسلوب الناجع للصقل والترويض وهو ( الأيديولوجية المسيحية) التي تدخل القومية بالعالم من خلال تغيير ( الموروث الثقافي … الدين .. العقيدة (باتجاه) مصلحة الإنسان ) أي ان تلغي خصوصية المصالح لتجعلها ( عامة )… ( هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لفدائه أي لخلاصه من عبودية ذاتية تفرضها عليه موروثاته فيعتنقها بقبول منه وعبودية تفرض عليه من محيطه الخارجي باستعماره ) فإله المسيحية يختلف عن جميع آلهة العالم لأنه (إله الإنسان … كل البشر … ليس إلهاً قومياً ولا طبقياً مجتمعياً ولا فئوياً ” أي إله نخبة ” انه إله جميع البشر ويمثل اعظم ” مصالحهم ” )… نكتفي بهذا القدر البسيط للموضوع ونترك البقية للمداخلات في التوسع بالشرح .
الرب يبارك حياتكم جميعاً .
اخوكم الخادم حسام سامي 7 / 12 / 2019