د. نزار ملاخا
(بداية إن هذا المقال ليس غايته الطعن بشخص ما، أو النَيل من سمعة كائن مَن يكون، بل هو تشخيص ووضع الأصبع على موضع الألم عسى أن نتمكن من وضع أقادمنا على الطريق الصحيح بدلاً من التخبط في دياجير الظلام، لذا أقتضى التنويه ).
بداية يجب أن نطلع على تعريف الإعلام، لأن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : ما هو الإعلام ؟ وما أنواعه وما غايته، ولماذا هو مهم في كافة مفاصل الحياة ومرافق الدولة ومؤسساتها ؟ هل هو مؤثر ؟ ومن ثم نتساءل هل الإعلام ضروري بالنسبة لمؤسسة دينية مثل الپطريركية ؟
تعريف الإعلام (بكسر الهمزة)، التعريف العام للإعلام هو : مجموعة من قنوات الإتصال سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة، غايتها نشر الأخبار أو الترويج لإنتاج أو سياسة مؤسسة ما، وهو وسيلة رئيسية من وسائل التواصل مع الجماهير على مختلف تنوعاتها.
الغاية من الإعلام : إن الغاية الأساسية من تأسيس مكاتب أو تخصيص موظفين أو اشخاص لهذا العمل هو لغرض إيصال المعلومة أو الخبر في سبيل تنشئة جيل واع يواكب الأحداث على مختلف المستويات، وكذلك لغرض التعرف على طبيعة المجتمعات بكل أنواعها، كما يعتبر عامل رئيسي من عوامل التواصل وتبادل الأفكار والآراء والحقائق وإجراء النقاشات البناءة وعقد الإجتماعات ونشر المعرفة، واليوم هناك مهمة إضافية للإعلام هي تصحيح وتصويب وتعديل ما يصرح به الأشخاص المخولين، ومن ثم تفسير ما يبدر منهم عن طريق الخطأ أو الهفوات وإطلاق عليها مصطلح ” زلة لسان” .
يرافق الإعلام أو هو جزء منه ما يسمى بـ (الدعاية)، وفاتنا أن نقول بأن للإعلام تأثيرات كثيرة وكبيرة ومتعددة، منها سياسية ومنها دينية وثقافية وإجتماعية وعلمية و … الخ
الإعلام نوعان وهما : سلبي وإيجابي ولا نريد الخوض في تفاصيل هذا الموضوع.
نلاحظ بأن لكل دولة وزارة خاصة بأسم (وزارة الإعلام) يراسها وزير، ولكل منشأة أو مؤسسة أو معمل مكتب إعلامي، كما تتضمن الأنظمة الداخلية للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني مكتب إعلامي أو الناطق الإعلامي أو ما يشبه ذلك، ويكون هذا الشخص بمثابة لسان ناطق لذلك التنظيم أو المؤسسة. وذلك بغية تحديد التصريح بإسمهم وتوحيد الخطاب الجماهيري لتلك المؤسسات. يكون هذا المسمى (المكتب الإعلامي أو الناطق الإعلامي) ويقوم بدور الوسيط بين المؤسسة والجماهير، وواجباته تكون كما يلي : ــ
1 ـ القيام بمسؤولية النشر وكذلك متابعة ما يُنْشَر في وسائل الإعلام والرد عليها .
2 ـ يكون مسؤولاً عن الموقع الألكتروني للمؤسسة، ويتابعه يومياً .
3 ـ تصحيح ما يصدر عن المؤسسة، أو هو المسؤول عن تصريحات الرئيس أو الشخص الأول في تلك المؤسسة ويقوم بتصحيح العبارات التي وردت في تصريح المسؤول وتبريرها تحت اي مسمى، كما حدث مع كثير من المسؤولين ورؤساء الدول وإعتبارها زلة لسان ويبرر خطأ التعبير على أنه المقصود به كذا وكذا وليس بالحرف الواحد كما نطقه المسؤول نفسه.
4 ـ تأسيس أرشيف وتوثيق المعلومات والأمور المهمة وتسهيل العودة إليها حين الطلب والحاجة.
5 ـ تغطية وتوثيق نشاطات المؤسسة المعنية .
6 ـ التهيئة لعقد إجتماع أو مؤتمر ويكون اللولب في ذلك .
ويرافق المكتب الإعلامي بعض المستلزمات مثل شخص أو عدة أشخاص للتصوير الفيديوي والسينمائي (واليوم فإن جميع أجهزة الهاتف الخلوي الموبايلات تمتلك هذه الخاصية وتتوفر فيها تسجيل صوتي وصوري في آن واحد)، كما يمكن لشخص واحد أو عدة اشخاص أن يقوموا بمهمة التقارير (إعداد التقارير الإعلامية الدورية لكل نشاط، أو إجتماع، ونشر ذلك في مواقع التواصل الإجتماعي، وعلى الصفحة الرئيسية للفيس بوك وغيرها)، ويكون مسؤولا عن إعداد كلمة الرئيس أو المسؤول الأعلى، وتصحيحها لغويا.
ويقترح أن ترتبط المواقع الألكترونية للمؤسسات الفرعية بهذا المكتب مباشرةً.
هل تمكن الإعلام الپطريركي أن يقوم بهذه المهمة ؟
اقولها وبكل صراحة لقد فشل الإعلام الپطريركي من أن يقوم بواجبه، هذا إذا كان هناك للپطريركية إعلام أو ناطق إعلامي، وإن لم يتوفر ذلك فتلك طامة كبرى، لأن مؤسسة دينية مثل الپطريركية لها شعب مؤمن يُقدّر عدده أكثر من مليون ونصف المليون شخص ومواقع أبرشيات منتشرة في كل دول العالم، ولا تكاد دولة تخلو من نيابة پطريركية كلدانية، أو ممثل لها، أن تفتقر إلى مكتب إعلامي ؟
لقد فشل الإعلام الپطريركي فشلاً ذريعاً في نقل الصورة بالإتجاهين من وإلى القيادة الپطريركية والجماهير المؤمنة، ولم يتمكن هذا الإعلام من تصحيح الهفوات والأخطاء التي صدرت من قيادته، ولم ينجح في سد الثغرة او الفجوة التي حدثت بين القيادة الدينية والشعب وذلك نتيجة التراكمات والأخطاء والتصريحات غير المدروسة، والخطب الإرتجالية التي تفتقر إلى كل مقومات الخطاب الديني أو السياسي الذي يصدر عن القيادة الدينية، كما أن الإعلام الپطريركي لم يتمكن من تبرير تلك الأخطاء حتى ولو كانت من باب (العذر اقبح من الصوچ)، لا بل العكس نلاحظ أن الإعلام الپطريركي في سبات تام، ولا أدري أين الخلل هل هو من القيادة الدينية التي تحجّم دور إعلامها؟ أم أن الأشخاص الذين تبوؤوا هذا المنصب كانوا غير جديرين أو غير كفوئين لشغل هذه المهمة الحيوية، وهذه المسؤولية الكبيرة، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة نذكر منها عل سبيل المثال وليس للحصر.
أ ـ لقد فشل الإعلام في تقريب الصورة بين القيادة والمؤسسات السياسية، كما نراه واضحاً في إستعجال القيادة الدينية بتأسيس الرابطة الكلدانية التي أعتمدت اشخاصاً لم يسبق لهم أن عملوا في صفوف هذه التنظيمات، وليسوا بتلك الكفاءة التي يتطلبها عمل هذه المؤسسات، كما لاحظنا أن أغلب الحاضرين في المؤتمر الذي كان برئاسة غبطة الپطريرك هم من السلك الكهنوتي .
ب ـ الرابطة كلدانية الأسم، ولكنها تفتقر لأي قائد قومي أو سياسي كلداني، أو متخصص في شؤون التاريخ الكلداني، ولهذا فشلت فشلاً ذريعاً وهي اليوم تلفظ آخر أنفاسها، ولم يفد معها حقن المورفين والأوكسجين التي تضخها بين الحين والآخر القيادة الدينية، وهذا هو الفرق بين بناء بيت يكون أساه من طين أو على اسس صخرية قوية كما جاء ذكر هذا المثل في الإنجيل الشريف.
ج ـ لم يتمكن الإعلام المؤسساتي للپطريركية من أن يقوم ولو بتصحيح واحد لكافة الهفوات والكلمات غير اللائقة التي تلفظت بها القيادة الدينية تجاه أشخاص وشخصيات قومية وسياسية كلدانية، ولم نسمع أي تبرير لكلمات لا تليق بمستواهم وموقعهم الديني، ولا أريد أن أكرر ومَن يستغفل ذلك ليعود إلى مقالاتنا ومقالات الأستاذ الفاضل المبدع مايكل سيپي والمؤرخ المهندس عامر حنا فتوحي والدكتور گورگيس مردو والأستاذ أبلحد افرام وغيرهم الكثيرين. ولم يتمكن هذا الإعلام من الرد بشكل علمي ومنطقي وجاد على كافة التساؤلات التي أوردها القوميون الكلدان في معارض إنتقادهم للقيادات الدينية، ولا ننسى المقولة المُهينة التي وردت على لسان هذه القيادة وهي : ” كل مُهاجر هو بائع هوية وخائن وطن ” وهذه بحد ذاتها تستحق التوقف أمامها أشهر طويلة.
د ـ ظهر على الساحة السياسية العراقية شخص شاب مندفع مملوء حيوية ونشاط، يتحدث بأسم يسوع ومريم العذراء رافعاً رايتهما في الأعالي، وغايته رفع الراية الكلدانية والحفاظ عليها خفاقة في سماء العراق، وتمكن إلى حد ما أن ينجح بذلك، ألا وهو الشيخ ريان صادق الألقوشي الكلداني، كان من واجب الإعلام الپطريركي أن يحتوي هذه الظاهرة، من خلال فتح قنوات إتصال لمعرفة الغايات والأهداف والجهات التي تقف وراء هذا الظهور المفاجئ، كان المفروض أن يتم التواصل معه، ومد يد العون والتغلغل بين صفوفه لتقويم وتعديل وتشذيب الأغصان غير النظامية في هذه المسيرة النضالية التي قادها هذا الشاب الجرئ لا سيما ونحن نفتقر ومنذ ثورة 1958م ولحد ظهور الشيخ ريان نفتقر إلى شخص يتحدث بهذه اللهجة، بل طغى السيد يونادم كنا على كل شئ وأستملك المسيحيين كلهم بدون أستثناء وطمس الهوية الكلدانية بمساعدة بريمر ومن ثم بعض القيادات الأخرى التي سندته ومنهم الأستاذ سركيس أغا جان وغيره، ومعروفة هي الجهة التي ساندتهم، ولا نريد الخوض في تفاصيل ذلك. بل نرى على العكس من ذلك أن القيادة الدينية والإعلام الپطريركي تعرض بالإساءة للشيخ ريان، ومعه بعض الزمر غير المسؤولة، فتعرضت لسمعته وسمعة عائلته تشويهاً وتلفيقاً، وذلك من خلال إصدارها البيانات النارية التي زادت من شعبية الشيخ ريّان وبالمقابل هناك مَن أستاء وأزدرى تلك البيانات التي لا تليق بالجهتين. أتحدى كل ابناء شعبنا إذا أتوا بدليل واحد يثبت أن الشخصية العراقية المرحوم طارق عزيز والذي كان عضو القيادتين القومية والقطرية وعضو مجلس قيادة الثورة ونائب رئيس الوزراء أن يتحدث بِنَفَس مسيحي أو دافع عن مواطن واحد لكونه مسيحي أو كلداني ؟ بينما الشيخ ريان يفعلها وبكل حيل صدر (يعني بْزودَه).
ما الذي يهمني من الشيخ ريان سواء كان مسيحياً أو مسلماً، ولو عدنا للتاريخ القديم ألم تكن كل العشائر المسلمة اليوم مسيحية سابقاً ؟ اليست كربلاء والنجف وغيرها من مدن العراق ملأى بالكنائس والأديرة وما تزال آثارها باقية لحد اليوم؟ أليس إسلام اليوم هم من سلالة مسيحيوا الأمس ؟ ما الذي تغير ؟ ولماذا كل هذه العاصفة الهوجاء التي أطلقتموها تجاه رجل مسالم فتح كلتا ذراعيه لإستقبالكم ومد يده لمصافحتكم وأنتم تناولتموه بالشتم والقطيعة والإستهانة والإستهزاء ؟
كان على الإعلام الپطريركي أن يكون الدعامة لمثل هذا الشاب، الذي ما زال نجمه متألقاً.
هـ ـ نقطة تُحسب لصالح الإعلام الپطريركي عندما دعم وساند أبناء عمومتنا في الجنوب العراقي (الكلدان المسلمين)، وهذا جاء متأخراً، والنقطة إن أوفينا ضمائرنا يجب أن نحسبها لهم لأنهم هم المبادرون ونحن أول من فتح قنوات الإتصال معهم ومنذ عدة سنين.
و ـ لم يتمكن الإعلام الپطريركي من مواكبة ومعايشة أفراح الشعب الكلداني من خلال إستذكار مناسباتهم، وما هو الضير في أن يتقدم الإعلام الپطريركي بتهنئة لكل الشعب الكلداني والعراقي ومؤازريهم بمناسبة كلدانية مثل يوم الشهيد الكلداني وعيد رأس السنة الكلدانية )أكيتو، ويوم اللغة الكلدانية الأم وغيرها من المناسبات، وما هو الضير في أن يتقدم الكاهن بعد الخطية وعند قراءته لبيلنات وإعلانات للجمعيات والنوادي وإقامة الحفلات أن يستذكر مع ابناء شعبه مناسبة قومية مهمة من أجل أن تسود العلاقة الحميمة والمتينة بينهما ويقوي الأواصر، ولكي يشعر هذا الشعب بأن الكاهن منه وله، فعلى سبيل المثال وعندما يتم قراءة أسماء الراقدين من أجل القيامة أن تُقرأ جملة بمناسبة يوم الشهيد مفادها ” يصادف اليوم يوم الشهيد الكلداني نذكر بصلاتنا شهداء الكلدان جميعا وكل شهيد على هذه الأرض” أو مثلا بمناسبة يوم اللغة الكلدانية أن يقول ” نذّكر ابناءنا المؤمنين بأن هذه اللغة التي نتكلم بها ونرفع صلواتنا هي لغتنا الكلدانية واليوم يحتفل الكلدانيون جميعا بيوم اللغة الكلدانية “. لماذا يسمح للكهنة بترويج إعلانات جمع التبرعات وغيرها ولا يُسمح بجملة واحدة فقط تمر علينا مرة واحدة في كل سنة.
ز ـ الأجدر بكل كاهن يقود أخوية مريمية أن يتم توجيهه بوضع برنامج شهري على الأقل مرة واحدة في الشهر يخصصه للمناسبات القومية أو التوعية القومية الكلدانية، يتم فيها إستضافة متخصصين بالتاريخ الكلداني، بينما نرى بأن هناك هدر بالوقت يُصرف هباءً .
ح ـ مسؤول الإعلام هو الذي يعمم تعليمات الرئاسة الپطريركية إلى كافة الأبرشيات .
ط ـ أقترح أن يعاد تشكيل مكتب الإعلام وإن لم يكن فأقترح تشكيل مكتب إعلام الپطريركية يقوده شخصان مؤهلان لذلك هما 1 ـ الأستاذ مايكل سيپي.
2 ـ الدكتور نزار ملاخا.
تحياتي وتقديري 24 /11/2017
مقالة رائعة شكرا للتذكير، تحياتي
أخي نـزار
أنا سـبـق أن عـرضتُ خـدماتي المجانية للعـمل في موقع إعلام البطرك … فكانت أذنه طـرشاء