يوسف تيلجي
أستهلال :
كان ولا زال أغلب الموروث الأسلامي خارج حدود العقل والمنطق ، حاله حال الكثير من النصوص والسنن والأحاديث ، التي غاب عنها أيضا العقل والمنطق ، والأن نحن مع قصة خارج نطاق الواقع الطبيعي الذي يمليه الحدث والظرف والحال ، وقد صدقها الجمع العام من المسلمين ، وهو دليل على أن الموروث الأسلامي جعل من الجمع مدمن على تجهيل العقل وتحييد الأدراك ، وبنفس الوقت فاقدا للوعي حين قراءته للنصوص !! ، والمشكلة الأكبر لماذا يصدقها ” البعض ” الأن !! .
النص :
يخبرنا كتاب ” المعجم الكبير ” / لأبو القاسم سليمان بن أحمد المعروف ( الطبراني ) عن حديث هرقل ملك الروم مع أبي سفيان بن حرب ، وكما يلي (( حدثنا هارون بن كامل السراج المصري، ثنا عبد الـله بن صالح، ثنا الليث، حدثني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن عبيد الـله بن عبد الـله [ص: 234 ] بن عتبة، أن عبد اللـه بن عباس، أخبره ، أن أبا سفيان بن حرب بن أمية أخبره : ” أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ، وكانوا تجارا بالشام في المدة التي هادن فيها الرسول –أبا سفيان وكفار قريش ، فأتوه بإيليا ، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ، ثم دعا ترجمانه ، فقال : قل لهم أيهم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان : أنا أقربهم به نسبا ، فقال : ادن مني ، وقربوا أصحابه فجعلوهم عند ظهره ، ثم قال لترجمانه : قل لهم : إني سائل هذا عن هذا الرجل ، فإن كذبني فكذبوه ، قال أبو سفيان : فوالـله لولا الحياء أن يأثروا علي الكذب لكذبته ، ثم قال : أول شيء سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب . قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قبله ؟ قلت : لا . قال : فهل كان من آبائه ملك ؟ فقلت : لا . قال : فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ قلت : بل ضعفاؤهم)) .. الى نهاية الحديث الذي يملأ الكتب والمصادر … والذي يثير الأنتباه والأستغراب والعجب ، هو ما ختم به ” هرقل عظيم الروم ” حديثه مع أبو سفيان حرب ، فقد جاء في موقع أسلام ويب (( .. فإن كان ما تقول حقا يوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، وهو نبي ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولكن لم أكن أظن أنه منكم ، ولو أعلم أني أخلص إليه لالتمست لقيه ولو كنت عنده لغسلت قدميه . )) !!! .
القراءة :
1. العرب أمة تعتبر الماضي ملهمها العقلي ، وهي بهذا تهمل الحاضر الذي يعتبر المحرك الرئيسي للمستقبل ، وبنفس الوقت يعتبر تفعيل هذا الحاضر ، دافعا ومؤشرا للتقدم والنمو والتطور في مختلف الميادين ، ولهذا قال خالد الذكر د.علي الوردي ( أن العرب أمة تعيش في الماضي ، ولا تحسن التعامل مع الزمن الذي تعيشه ، وهذا سبباً في تخلفها ) ، أذن نحن أمة أقتصرت على ماضيها ، فألغت كل حراك الحاضر وغيبت أفق المستقبل ودوره في البناء الحضاري .
2. النظرة الأولية من حديث هرقل مع أبي سفيان حرب ، يتبين لنا ، أنه هو حديث منقول عن أكثر من ثمان أشخاص ، وهذا ما يسمى بحديث ( العنعنة ) ، وهو يكون عادة غير دقيقا وذلك لكثرة رواته ، والحديث وقع حين كان أبي سفيان كافرا ، عابدا للصنم ، أي قبل أن يسلم ، والحال يقول ، ليس من المنطق أن يمدح أبي سفيان شخصا / الرسول ، عاداهم وكفر بألهتهم ونكر دينهم ، حتى وأن كان قوم أبي سفيان عبادا للأصنام .
3 . أن المنطق يقول / خاصة ومن المؤكد ، أن الحديث نقل بعد أسلام أبي سفيان ، وأن أبي سفيان بين الطرف الأيجابي للرسول ، وليس العكس ، وهذا مناف للحقيقة ، خاصة أذا عرفنا وجود ماض دموي بين الرسول وهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان ( التي قتل أبيها وأخيها وعمها في معركة بدر الكبرى ، التي قادها الرسول محمد ) ، خلاصة أنه ليس من المنطق أن يمدح أبي سفيان الرسول وقد حدث ما حدث بينهما ، وقد جاء في الموقع التالي : www.islamguiden.com/kvinnor/index1289.htm ، مايلي ( فلما قُتِل حمزة بن عبد المطلب في معركة أحد ، مَثَّلت به وشقت بطنه واستخرجت كبده فلاكتها ، فلم تطق إسَاغتها ، فبلغ ذلك النبي فقال : ” لو أساغتها لم تمسها النار “ وفي بعض الروايات انكار ذلك وأنها ما أكلت كبد حمزة ولم يكن وحشي غلاما لها ، بل كان غلاماً لجبير بن مطعم وهو الذي حرضة علي قتل حمزة كما هو ثابت في صحيح البخاري، والثابت ان جسد حمزة قد مُثل به . والقول بأنها مثلت بحمزة بن عبد المطلب ، شأنه شأن ما اعتاده نساء الجاهلية من المثلة ، وقد كان منها في جاهليتها .. ) ، أتوجد عداوة وثأر أكثر مما حصل ! .
4 . كما أنه حتى أن معاوية بن أبي سفيان عندما أسلم كتم أسلامه عن أهله ، فقد جاء في كتاب .. ” الأذكياء لمؤلفه إبن الجوزي ” ما يلي ( أسلم هو / أي معاوية ، وأبوه وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يوم الفتح . وقد رُوي عن معاوية أنه قال : أسلمت يوم عمرة القضاء ولكني كتمت إسلامي من أبي إلى يوم الفتح ) ، وهذا يؤكد موقفا عدائيا بين الرسول وعائلة أبي سفيان ، وهو الذي يرجح عدم دقة القصة مع هرقل الروم ، أن لم تكن أكثر تفاصيلها مختلقة ، لأنها بالنتيجة تصب في مصلحة عائلة أبي سفيان .. الذي يعتبرون من دهاة العرب ، فقد جاء في موقع www.huffpostarabi.com/2016/05/22/story_n_10094944.html التالي ، وهو قول منسوب لمعاوية بن أبي سفيان ( .. عُرفت شخصية زياد ابن أبيه بالذكاء وسرعة البديهة ، فكان واحداً من دهاة العرب الأربعة في التاريخ ، إلى جانب معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، ولمعاوية مقولة شهيرة يقول فيها : أنا للأناة ، وعمرو للبديهة ، وزياد للصغار والكبار ، والمغيرة للأمر العظيم ) لأجله أنه هكذا أختلاق وتغيير ليس بجديد على أل سفيان .
5 . أما المقطع الأخير لحديث هرقل لأبي سفيان ، حول ألتماسه غسل قدمي الرسول (( .. فإن كان ما تقول حقا يوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، وهو نبي ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولكن لم أكن أظن أنه منكم ، ولو أعلم أني أخلص إليه لالتمست لقيه ولو كنت عنده لغسلت قدميه . )) !!! ، فالمقطع يستحق التوقف عنده ، لأنه ليس من العقل والمنطق لملك دولة عظمى ، أن يلتمس غسل قدمي الرسول ، وأذا صدق عامة مسلمي تلك الحقبة القصة ، فعالم اليوم لا يمكن أن يعقل بأرهاصات أبي سفيان من أختلاقات قصصية ! وأعتقد أن الأخير ، قد قرأ ما جاء بالأنجيل حول قول النبي يوحنا المعمدان بخصوص المسيح ” بأن يوحنا ليس أهلا أن يحل سيور حذاء المسيح ” ، فقد جاء في موقع سانت تكلا ، ما يلي (( .. وفي تلك الأيام أقبل يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية ويقول ” توبوا فقد اقترب ملكوت السموات” (مت 3: 1 و2) ، فكان يخرج إليه أهل أورشليم وكل اليهود وجميع بقعة الأردن فيعتمدون منه في الأردن معترفين بخطاياهم (مت 3: 5 – 6) ، وإذ كان الشعب ينتظر والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله هو المسيح أجابهم يوحنا قائلا : ” أنا أعمدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوي مني الذي لست أهلا أن أحل سيور حذائه هو سيعمدكم بالروح القدس ونار ” )) ، أرى هناك هالة من القداسة أراد سفيان بن حرب أن يهيلها على الرسول ، تشبيها بمقولة يوحنا المعمدان بحق المسيح ، من أجل أطماع سياسية وسلطوية لقبيلة بني أمية ، والمستقبل العائلي لهذه العائلة في الحكم أكبر دليل على هذا !! .
6. قد أختصت قبيلة – بني أمية / أبي سفيان حرب والأمويين عامة ، بتزوير النصوص الأسلامية من أيات واحاديث و.. ، وأرى أن أختلاق الموضوع الذي نحن بصدده ليس هو الأول ، بل هو أحد النماذج المختلقة من قبل بني أمية وكبيرها أبي سفيان حرب ، فقد جاء في الموقع التالي بعضا من هذه الشواهد ، وقد أخترت بعضا منها : www.almaaref.org/books/contentsimages/books/almaaref – ونقلت بتصرف ( .. وقد استغل معاوية هؤلاء الأشخاص في سبيل إيجاد تبرير ديني لسلطان بني أمية ، أو على الأقل لكبح الجماهير عن الثورة برادع داخلي هو الدين نفسه ، يعمل مع الروادع الخارجية : التجويع ، والإرهاب ، والإنشقاق القبلي ، هذا بالإضافة إلى مهمة أساسية أخرى ألقاها معاوية على عاتق هؤلاء الأشخاص وهي اختلاق ” الأحاديث ” ونسبتها إلى النبي ) ، وقد عمد معاوية أيضا على تمجيد الامويين ، وقد جاء بهذا الخصوص ما يلي ( فمن ذلك يرجع إلى تمجيد بني أمية وعلى الأخص عثمان ومعاوية ويجعلهم في مرتبة القديسين ، كهذا الذي رواه أبو هريرة عن الرسول ” إن اللـه ائتمن على وحيه ثلاثاً : أنا ، وجبرائيل ، ومعاوية “. ) ، ومن تزوير الأحاديث أنقل التالي ( .. وإن النبي ناول معاوية سهماً فقال له : ” خذ هذا حتى تلقاني في الجنة “. والحديث التالي / حول العلم ، ” أنا مدينة العلم ، وعلي بابها ، ومعاوية حلقتها “. وحديث ” تلقون من بعدي اختلافاً وفتنة ، فقال له قائل من الناس : فمن لنا يا رسول الـله ؟ قال : عليكم بالأمين وأصحابه ، يشير بذلك إلى عثمان “. ) .. تأسيسا لما ذكر ، أرى أن حديث عظيم الروم هرقل وسفيان ، يندرج تحت هذا المنحى والنهج من الأختلاق !! .
كلمة :
تزوير الموروث الأسلامي هو فعل أرتكبه أصحاب الشأن / من رواة الحديث والكتبة والعلماء وشيوخ الدين والفقهاء وغيرهم ، في الحقب الأولى للرسالة المحمدية ، وبدوافع من قبل الخلفاء والأمراء ، لأغراض سلطوية ، منها تثبيت الحكم والخلافة .. أما واقع حالنا الأن : فنحن ، نعيش حياة مادتها وتفاصيلها هلامية ، ووجدنا على أرض وفي مجتمع وفي ظرف وفي زمن وفي حال وفي مجتمع وبيئة ، هو الأسوأ عقائديا ومذهبيا ، تجهل فيه تفريق الحقيقة عن الباطل ، فالماضي دموي ، معقد ومركب ، والحاضر مخطوف دينيا وعقائديا ، رمادي النهج ، ظلامي الخطاب ، أما المستقبل فمجهول !! .