يعززنا وبروح كلدانية مؤمنة ومتسامية ان نحتفل بمرور عام على انطلاق وولادة موقعنا شبل الأسد – آنا كلدايا – kaldaya.me، الذي هو موقع الكلدان الأصلاء وموقع الحقيقة بلا رتوش، وذلك في حزيران 2016، اذ مرّت معه هذا الشهر (وبكل حزن وأسف) الذكرى الأربعينية لرحيل الكاتب والمفكر والأديب والرؤوي الكلداني الفريد، داود جركو، المعروف بحمورابي الحفيد، رحمه اللّـه، راحلا عنا في آيار 2017، وراقداً على رجاء القيامة في المجد السماوي.
ونحن اذ نتذكر هذه الشخصية الكلدانية الأصيلة ذات الروح الانسانية المؤمنة التي ستبقى حية بكلماتها، يعززنا وبكل ايمان بالرب وأمانة لميراثنا الحضاري، ان نتذكر الدافع الحقيقي الذي أدى بنا ان نستمر برسالتنا ونبقى احرارا بنشر الحقائق (وذلك بعد اخلائنا ادارة المركز الكلداني للإعلام وموقع كلدايا.نت المحتل كما وصفه المرحوم في مقالاته، فجاءت انطلاقة موقعنا آنا كلدايا وولادة هذا الشبل الكلداني الناشط –kaldaya.me– من رحم الأصالة البابلية النهرانية المتكاملة بكرامة الانسان المؤمن الحر، ليواصل هذا الكادر الأصيل والأمين رسالته الاعلامية السامية الجريئة الناطقة بالحقيقة بدون رتوش، دينيا ومدنيا، متسلحين بالايمان والطاعة الربانية المستوحاة من انجيل ربنا وخالقنا يسوع المسيح القائم له المجد، وبميراث حضارتنا الكلدانية.
كتب الأخ مارتن متي الهرمز عن خبر رحيل المرحوم حمورابي الحفيد في صفحة القوميون الكلدان ما يلي:
“فبعد صراع طويل مع المرض توفي الاستاذ الكبير والزميل داود جيركو وهو من اهالي منكيش الكلدانية المقيمين في السويد، اثرى الساحة الكلدانية بكتاباته الغزيرة والجريئة حيث كان ينشر تحت اسم حمورابي الحفيد في الكثير من المواقع. خسارة كبيرة فقدان هكذا انسان طيب وهكذا اقلام عقلانيه يصعب تكرارها هذه الايام .صلوا لاجل راحة نفسه .”
نذكر من بين كتابات المرحوم حمورابي الحفيد داود جركو مقالته في ديسمبر 2014، بعنوان “رسالة مفتوحة الى غبطة أبينا الجليل لويس ساكو المحترم”، يقول فيها داود جركو ما يلي:
“….. سيدي الجليل وكلي الاحترام
بدل ان تستنزفوا قواكم في اقناع الدول التي تفضلت مشكورة وباحساس انساني ان تتبرع بمد يد العون لتخفيف معانات اهلنا بفتح ابوابها لاستقبالهم، نجدكم تطالبونهم بغلق كل ابواب النجاة امام اهلنا التعساء والمبتلين بالولادة التعيسة في المكان الخاطيء وهذه خطيئة سوف لن يرحم التاريخ لمن يتسبب بها. كان المؤمل والمنتطر منكم ان تكونوا في مقدمة الالاف من شعبكم في رحلة الخروج من العبودية وكانت الاجيال اللاحقة ستخلدكم والى الابد باضافة سفرا جديدا على اسفار الكتاب المقدس بعنوان.. الخروج الثاني.
كانت فرصة ان تدخل التاريخ من اوسع ابوابه مبجلا ممجدا بانكم الراعي الذي انقذ شعبه من العبودية والهلاك حيث كانت كل المناخات الدولية ملائمة لذلك. لكن والمرارة تغمر قلبي انكم لم تتعاملوا مع الظرف التاريخي كما كان المرتجى من سيادتكم.. الراعي الصالح يحب قطيعه ويفعل كل ما بوسعه لاسعاده. ورخائه وأمنه وسلامته ومستقبل اجياله…”.
وفي نهاية المقال ينادي حمورابي الحفيد قاصده قائلاً:
“لا تزال فرصة تصحيح المسار لم تنفذ بعد اذا توفرت الارادة والشجاعة للاقرار بخطأ ما جرى والاعتذار لمحبيك والأخذ بيد شعبك في مسيرة ليست بنزهة او سفرة سياحية لكنها انتفاضة تؤكد ارادة حب شعبنا للحرية والكرامة الانسانية وعشق ابدي لصنع الجمال. كما فعل اجدادنا العظماء في معجزة الجنائن المعلقة واسوار بابل الرائعة الجمال. والارث الضخم من المعارف والعلوم والاداب الذي اهدته للانسانية وبكل سخاءعاصمة الزهو والمجد الازلي بابل.
نعم بابل التي سيظل اسمها ممجدا وعلى كل الشفاه وعلى مدى الازمنة ما دام على الارض نفس ينبض بالحياة.
أخيرا استميحكم عذرا على جرئتي لكن اعلم ان حصافتكم تدرك مقدار الالم الذي يعتصر قلبي على ما آلت اليه الحال وما سيأتي من الكوارث في القادم من الايام. أتوسل اليكم ان تقرأوا ايقاع الزمن بذهنية منفتحة وبصرامة الاحكام العقلية لا بحمى غليان العواطف التي لم تكن يوما على جانب الصواب.
البلاد في طريقها الى هاوية لا قعر لها. أجدني ملزما لهذه الصرامة اخلاصا للحقيقة.. مع كل محبتي واحترامي سيدي.
هذه توسلات ولا اتردد في التوسل اذا كان ذلك سيمنح الحياة الحرة لانسان واحد على الارض.
ان هذه الصرخة تصدر من قلب غزاه حب الانسان الى اخر نفس تنعم به الطبيعة اليه، اكرر محبتي وتقديري واعتذاري على اية لفظة لم اكن موفقا بها في مخاطبتكم .. واختتم بالكلمة الحية ابد الدهر:
لا تدينوا لكي لا تدانوا..
ابنكم المتألم
تحياتي
حمورابي الحفيد
وفي مقالة اخرى في ديسمبر 2014 كتب المرحوم داود جركو ما يلي تحت عنوان “صعدنا بكلدانيتنا وانتهينا بكنائسيتنا” قائلا:
“…..ان الخطيئة الكبرى والخطا الذي لا تصحيح له الذي اوصلنا الى ما نحن عليه تتحملها الادارات الكنسية على مر الازمان بعدم الفصل بين الايمان والطوباوية من جهة ومتطلبات البقاء من الجهة الثانية مما تسبب بالنكبة الكبرى بالفتح المشؤوم الى يومنا هذا بفضل مواقف الذل والانبطاح والتبرير وخداع الذات والقبول المطلق لارادات البدوي الغازي وتسويقها كبديهيات كقضاء وقدر لا مفر منه. حيث اتسموا دائما باللأرادية لدرجة اقل ما يمكن ان توصف بها سياساتهم خيانة الامانة والتنصل عن المسئولية والتنازل عن كل الحقوق والرضى بما كان الغازي يتفضل به عليهم من افضاله وهم صاغرون. ووجد الغازي بهكذا مرجعية لهؤلاء التعساء ضمانا لبلوغ كل ما كان يحلم به واكثر. ووجد الغازي ظالته في مرجعياتنا التي تبرعت بغباء لا نظير له بتسمية شعبنا بالمسيحيين:
بدل ان نكون كلدانيين أفضل وسيلة لأنهائهم، ما داموا باختيارهم يلغون انتمائهم الوطني وهويتهم التي تشكل شخصيتهم الموروثة لا المكتسبة. كالدين. اذ ان الأخير يختاره المرء بعد ولادته وليس موروثا.
(القومية حالة وراثية وصفات جينية اما الدين شيء مكتسب كبقية المعارف التي يتعلمها الفرد لهذا بمقدوره تغيير دينه لكن لا يستطيع تغيير قوميته لانها وراثية وغير مكتسبة كالدين) فلماذا لا يفعلها هو”.
فـنم قرير العينين يا كاتبنا العزيز حمورابي الحفيد، لقد كنتَ حقاً رؤوي كلداني فريد، وذكراك في موقعنا الجديد، سيكون لها صدىً حياً وبعيد! فالى اللقاء في احضان اخوتنا الكبار “أبرام واسحاق ويعقوب”….
صور من مراسيم صلاة الدفنة للمرحوم السيد داود جركو