يوسف تيلجي
المقدمة:
سائل يسأل لما مصطلح “لاهوت” (عِلْمُ اللاَّهُوتِ: علم يبحث في وجود اللـه وذاته وصفاته، ويقوم عند المسيحيين مقام علم الكلام عند المسلمين، ويسمَّى أيضاً عِلمَ الربوبيّة والإِلهيات./ نقل من قاموس المعاني ) ، وهو مصطلح عامة يقرن بالمسيحية! ، وكان من الحري بنا أن نستخدم ، أحدى دلالات أو مرادفات “علم الكلام” ( علم الكلام ، علمٌ يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة ، بإيراد الحجج ، ودفع الشبه ، والمراد بالعقائد : ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل ، وبالدينيّة : المنسوبة إلى دين النبيّ محمّد / www.almaaref.org/books ) ، أما أنا فأراه / اللاهوت ، من زاوية أخرى ، أكثر توافقا وأنسجاما مع مفهوم الأسلام ، نصا وسننا وحديثا ، بل أراه أكثر تمثيلا للعقيدة والشريعة الأسلامية ، وذلك لأنه يقدم مفهوما أعبر منطقية من غيره لأنه يبحث حول مفهوم كنه اللـه في الأسلام ، ودوره في الحث على نهج وسبل وأيدولوجية مؤطرة جميعها بالقوة والقتل المتوحش، أما لاهوت المسيحية فهي أنجيليا .. تتمركز حول المحبة ، وفق قول المسيح : ” وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ : أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضً ” / إنجيل يوحنا 13: 34 .
النص :
القتل في الأسلام مرتبط بالـله ، فيكون كطقس ديني ، لا رد له لأنه ألهي المصدر بل أنه غاية ووسيلة للوصول لـله ، ومقترن من ناحية أخرى ، بالصعود الى الجنة والحصول على الحور العين . أذن أصبح القتل طقس لاهوتي ، يأمر الـله به ، ويؤكده الرسول بوحي من الـله ، وما كان أمرا من الـله فلا يمكن تجنبه ، لأنه ممنطق بنص ألهي لا رجعة فيه ، أنه ليس أمرا وضعيا أرضيا ، أنه أمرا ألهيا ، وهذا ما تؤكده النصوص والأحاديث ، وسأسرد بعض النصوص في هذا الصدد:
أولا – ” قاتلوا الذين لا يؤمنون بالـله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الـله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون” / التوبة الآية 29 ، وجاء في موقع دعوة الحق / حول التحول للأسلام أو أستحصال الجزية قهرا أو القتل ، الأتي (( وأما السنة فما روي عن بريدة أنه قال : كان رسول اللـه إذا بعث أميرا على سرية أو جيش أوصاه بتقوى اللـه تعالى في خاصة نفسه ، وبمن معه من المسلمين خيرا ، وقال له: ” أذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى خصال ثلاث : ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل وكف عنهم ، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن أبوا فاستعن باللـه وقاتلهم “. ، كما روى عن المغيرة بن شعبة أنه قال لجند كسرى يوم نهاوند : ” أمرنا نبينا رسول ربنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا اللـه وحده أو تؤدوا الجزية”. وقد أجمع المسلمون على أخذ الجزية من الذميين .. )) ، هنا نلاحظ نصا لاهوتيا آمرا ، لا رجعة فيه ولا نقاش عليه وذلك حول ، التحول للأسلام أو أستحصال الجزية بالقتال صراحة لاهوتية ، واليوم ، فكل ما يقوم به داعش مثلا ، هو تطبيق لهذا النص القرأني البين ! ، والسؤال ما شأن المسلمين بما يؤمن الأخرين من معتقدات !! ، وما هذه النزعة القهرية المتأتية بقوة السيف حول الأيمان بالدعوة المحمدية ، وما هي مسؤولية المسلمين بما يحرم وما يحلل الرسول !!.
ثانيا – وجاء في موقع صيد الفوائد / نقل بتصرف ، عن ابن عمر أن رسول الـله قال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا الـله إلا الـله وأن محمدا رسول الـله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الـله تعالى ) متفق عليه. هذا الحديث في بيان التعامل مع الكفار ، وبيان حرمة دم المسلم وماله ، قال ابن تيمية : ( وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله للـه وأن تكون كلمة الـله هي العليا فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالا للمسلمين والأول هو الصواب لأن القتال هو لمن يقاتلنا .. ) وهنا لاهوت القتل متجلي بشكل لافت للنظر ، حيث يجب قتل الجميع ممن لم يؤمنوا بالرسول ، عدا ” النساء والصبيان ” لأعتبارهم ” مالا للمسلمين ” ، وهذه كارثة أنسانية دموية أخرى ، فكيف جواز قتل حتى ” الرهبان والشيوخ ” ، وأين سورة المائدة 86 ، من كل هذا !! ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) ، هذا الأمر يؤكد وجود تضادد في النصوص ، ولكن الفقهاء والمفسرون ورجال وشيوخ الأسلام يوفقون كل نص لا يمكن توفيقه حسب المرحلة والزمان والمكان !! .
ثالثا – ” بعثت بالسيف حتى يعبد اللـه لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة ، والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم “، ويفسر هذا الحديث كما يلي وفق موقع مركز الفتوى / نقل بتصرف (( قوله: ( ويذكر عن ابن عمر إلخ ) هو طرف من حديث أخرجه أحمد من طريق أبي منيب الجرشي عن ابن عمر بلفظ ص 116 : ” بعثت بين يدي الساعة مع السيف ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم” ، وفي الحديث إشارة إلى فضل الرمح ، وإلى حل الغنائم لهذه الأمة، وإلى أن رزق النبي جعل فيها لا في غيرها من المكاسب ، ولهذا قال بعض العلماء إنها أفضل المكاسب ، والمراد بالصغار وهو بفتح المهملة وبالمعجمة بذل الجزية ، وفي قوله : تحت ظل رمحي ” إشارة إلى أن ظله ممدود إلى أبد الآباد ، والحكمة في الاقتصار على ذكر الرمح دون غيره من آلات الحرب كالسيف أن عادتهم جرت بجعل الرايات في أطراف الرمح ، فلما كان ظل الرمح أسبغ كان نسبة الرزق إليه أليق )) والحديث يربط البعثة النبوية بالسيف حتى يعبد اللـه ، وسؤالي هل يعبد اليهود والمسيحيين غير الـله ! ، كما يربط حتى الرزق بالسيف أي بالقتل !!.
رابعا – وفي التصفيات الجسدية ، يسرد موقع قصة الأسلام ، تصفية تامة ليهود بني قريظة ، / نقل بتصرف : ( .. وفي نهاية ذلك الحصار قذف الـله الرعب في قلوب اليهود ، فاستسلموا وخضعوا لحكم رسول الـله .. وأمر أن يقيدوا ، وقيدوا فعلاً .. فقال الرسول “أَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟ ” ، قالوا : بلى ، قال: ” فَذَاكَ إلى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ” ، قال : فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال ، وتسبى الذرية ، وتقسم الأموال ، فقال : رسول اللـه: ” لقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّـهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ”. ، وعلى الفور بدأ المسلمون بتنفيذ حكم سعدٍ، فجمعوا الرجال ، فقتلوهم ، وهكذا قتل من اليهود أربعمائة رجل وفي رواية سبعمائة ، وقتل مع هؤلاء شيطان بني النضير ، وأحد أكابر مجرمي معركة الأحزاب حيي بن أخطب والد صفية أم المؤمنين .. ) ، وتعليقي هنا ينصب في قول الرسول ” لقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَـّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ”. ، فهل حكم الـله هو قتل الأسرى !! وأن كان هذا هو حكم الـله ، فأي أله دموي هذا اللـه !!.
خامسا – مما سبق تناولنا بعضا من النصوص كلها تصب في قالب واحد وهو أما ” تطبيق النص أو القتل ” ، وهذا قالب لاهوتي يقدس الأصل الماضوي لفعل النص ، ويقرنه بالسيف ، المؤدي بالقتل الحتمي للمخالف ، فكيف لهكذا نص أن يطبق الأن ، ملغيا كل الظروف الزمانية والمكانية ، وغافلا التطور والتقدم العلمي ، غير مباليا بالحالة المجتمعية لعالم اليوم التي هي على طرفي نقيض مع مجتمع البداوة المنقرض قبل 1400 عام في حقبة البعثة المحمدية .
القراءة :
القتل أصبح ثقافة ، وهذه الثقافة نشرت نوعا من التوحش في ممارسة القتل نفسه ، وهذا أولد جيلا أقل ما يقال عنه ، جيل القتل والعنف ، لأنه أصبح أسيرا للاهوت القتل ، فالقتل الممنطق ، والقتل لسبب لاهوتي هو أبشع أنواع القتل ، ليس لسبب خفي ، بل لسبب واضح وجلي ، وذلك لأن النص الديني له القوة في السيطرة على المجتمع فعلا وتأثيرا .. يصل الى حد القمع الفكري والنفسي ، أكثر من النص والحكم العقلي ، الذي ليس له نفس القوة في فرض الأذعان له مجتمعيا ، هنا يكون القتل ربوبيا وألهيا ، ولو أخذنا الحيوان ، كمقارنة مثلا ، القتل / الأفتراس ، يكون لديه لغرض أشباع غريزة الجوع … أما الأنسان فعندما يكون هناك نصا دينيا ، فالقتل يكون لديه لاهوتيا ، لذا فأن آيات السيف ستلد أجيالا لا يحكمها العقل ، بل سيحكمها لاهوت القتل المقدس المغمس بالدم !.