بتاريخ الثامن من آذار المنصرم ارسلتُ برسالة الى غبطة الباطريرك ساكو تتضمن نداءً من ابن كنيسة يطمع ان يرى كنيسته مزدهِرة يشعّ منها نور الأيمان وتفيض عليها البركات الربانية. وطلبت نشرها بموقع الباطريركية. اعلمني سيادة المطران مار باسيليوس بان غبطته استلمها وسوف يرد عليها برسالة عبر الأيميل الشخصي وانهم سوف لا ينشروها لكونها طلب وليست بحث. وهذا كان ندائي الى غبطته:
نداء: الى غبطة ابينا الباطريرك والأساقفة الأجلاء
اكسروا هذا الجليد
ابنكم: الشماس الأنجيلي قيس ميخا سيبي
كاليفورنيا – سان هوزيه
اساس الكنيسة، التي بُنيت بايحاء من الروح القدس والكتاب المقدس على يد الرّسل الأوائل، كان المحبة والغفران والتوبة والأيمان وقبول او تحمل اثقال الآخرين والعودة الى تعاليم مخلصنا وربنا يسوع المسيح الذي صُلب عنّا وعن خطايانا، ودعوة الروح القدس ليقود المسؤولين الى الطريق والحق والحياة. الرب المخلص فدى خطايانا بدمه، فاين نحن منهُ وماذا نقدّم لكي نوازي دمه الزكي لنغفر خطايا بعضنا البعض؟. والسجالات والخلافات والتداخلات التي حصلت بين الرسل والمؤمنين الأوائل، كانت سبب وصولنا الى كنيسة اليوم الجامعة المقدسة التي تُدفئ فراخها تحت جناحيها، فهي الأم والأب والمربي والطبيب لكل من يدخل هذه السفينة الخلاصية.
ان مسألة الكهنة والرهبان الموقوفين من الخدمة في كنيستنا الكلدانية اخذت جانب اكبر من استحقاقها ومدة اطول من المتوقع. تؤثر بشكل او بآخر سلباً على المؤمنين وتشكك وتُقسّم الآخرين وتُبعد بعضهم عن الأيمان، لأن بيننا اطفال في الأيمان لا يستطيعون هضم التعقيدات القانونية والأدارية التي تحوم حول قضايا هؤلاء اللذين هم خدام كلمته، بنفس الوقت هم قادة روحيين للكثير من الخطأة التائبين على يدهم، فكيف يرونهم خطاة معاقبين ومنبوذين ومهانين مبعدين كل هذه المدة، مع مقارنة الموقف المتوقع من القادة الآباء الكنسيين.
أذا كُنّا ننتظر تعيين راعٍ ثابت لأبرشية مار بطرس في امريكا، الذي سيكون له رسالة ومسؤولية كبيرة لثاني اكبر رعية في كنيسنتا الكلدانية، فيجب ان نعلم بان هذه المسألة ستمتص طاقة كبيرة من جهوده وتشتت تركيزه في الرسالة التي جاء من أجلها، والذي يفترض به التفرغ للعمل الروحي وبناء العلاقات الأخوية كما “كانوا كلهم بقلب واحد” في زمن الرّسُل. لذا اطلب تصفية الطريق امامه بقدر الأمكان لكي يتفرغ لتثبيت الأيمان وزرع المحبة وتطوير النشاطات والدعوات الروحية والخدمية والأدارية الضرورية لأكمال الزخم الأيماني الذي بدأه السلف.
أمام الراعي الجديد المرتقب مسؤوليات ضخمة في العمل الراعوي، وعندما يتعامل الراعي الجديد مع هذه المشكلة مهما كان اتجاه ذلك التعامل والحل او الحلول التي سيتبناها، ستكون سببا في تأييد واعتراض وانتقاد وتعظيم وتضخيم وتشتت وتجمع مجاميع من المؤمنين، وهو في غنىً عنها. فبدلا من ان يركز اهتمامه في الجوانب الأيمانية، سيهدر نسبة غير قليلة منها في محاكات المجاميع اعلاه، سيفقد بعضهم ويربح البعض الآخر، وهذا ما لا نتمناه او تتمنونه للراعي الجديد.
اُنادي “كأصغر المؤمنين” كما نادى الملاك الصغير الشهيد “فادي” في كنيسة ام النجاة: كفى كفى كفى. وبدلاً من الطلقات النارية التي نقلته “الطفل الشهيد فادي” الى الحياة الأبدية، اَنتظرُ من غبطة ابينا الباطريرك مار لويس ساكو والسادة الأساقفة: قرار الرحمة الأبوية في الغفران والعفو والمحبة النابع من الأبوة في اعادة كل الكهنة الموقوفين لاسباب ادارية والمواقف الشخصية التي لا تمنعهم من تقديم الأسرار الكنسية المقدسة، ويلتحقوا بالكنائس التي يخدمون فيها، واصدار قرار يضمن لهم استعادة كل الحقوق والأحترام.
في هذه الأيام المباركة من الصوم وآلام ربنا ومخلصنا، وقرب الجمعة العظيمة التي بها غفر ابن الـله للذين صلبوه، وقال ليوحنا الحبيب هذه اُمكَ ولأمه المتألّمة هذا ابنكِ، نطلب من الروح القدس ان يعمل في قلوبكم ليتدفق منها الحب الأبوي الذي يغفر بدون شروط ويفتح الباب امام ابنائه بدون مقابل، ويحتويهم في البيت ليكونوا امام أعينه وينعموا بمحبته “وان كانوا مخطئين”. وهذا الموقف سوف لا يكون ضعفا من سيادتكم، بل هو قوة الغفران والمحبة التي اوصانا بها المخلص.
فانا شخصيا تعاملت مع الكثير منهم، ورايتُ فيهم الطاقة الشبابية، والأيمان المسيحي، وامكانيتهم في لم شمل المؤمنين والتفافهم حولهم بايمان وعلاقة ابوة نادرة، ومهارة ادارية، بالأضافة الى محبتهم لعملهم الرعوي والخدمي، فلا ندعهم يتشتتون امام مغريات الحياة والصيادين في الماء العكر من اجل اِبعادهم عن الرسالة التي وهبوا حياتهم من اجلها.
ومهما حصل يبقون هم الأبناء وانتم الآباء. ولنتذكر بان مار بطرس الرسول انكر المسيح ثلاث مرات، ولكن المسيح ابن اللـه وخالق السماء والأرض، دعاه للقيادة ثلاث مرات بقوله “ارعَ خرافي”.
—————————————
انتظرت (انتظار ملك نينوى وعظماءه الذين كانوا يطلبون الرحمة لِبني مدينتهم، وليس انتظار –النبي- يونان الذي اعتلى تلّة شرق نينوى ليرى ويتلذذ بدمار اهلها – من الكتاب المقدس) اكثر من اسبوع ولم احصل على الجواب، وبعد عدة اتصالات، جاوبني مدير مكتب موقع الباطريركية بان الرسالة قد اُرسلت لي منذ أيام ولم تصل لأسباب فنية، المهم استلمتها اخيرا وكانت تتضمن: رفض غبطته لما جاء في الندائي، ولا اريد ان انشر رد غبطته لأني لم استأذنه بذلك.
فتذكرت هذه القصة القصيرة التي حصلت لي في اواسط الثمانينات، حيث كنت برتبة رأس عرفاء، ومسؤول قلم (مكتب) الكتيبة 244 مدفعية متوسطة في القاطع الجنوبي.
طلب منّي آمر الكتيبة العقيد (التركماني من سكنة كركوك الذي كان يُظهر احتراما متميزا لي) ان احضر في غرفته لأكمال مجلس تحقيقي لمعاقبة نائب ضابط مخابرة (صنف) الكتيبة، بثلاثة أيام قطع راتب، وكان بيدي كُتَيِّب العقوبات العسكرية التي يحق لآمر الكتيبة ان يتخذها بحق منتسبيه، وطلب مني ان أختار مادة قانونية تناسب الاِشكال الذي سببه النائب الضابط وغضب منه السيد العقيد، فقرأت عليه معظم المواد القانونية المحتملة ان تنطبق على تلك الحالة، فكان سيادته يهز راسه قائلا لا يمكن استخدام تلك المادة لأنها لا تنطبق، واذا استخدمناها فان المتهم سوف يعترض عند الفرقة ويرفضون العقوبة مع (توبيخ لنا). وبعد ان ساد السكوت في تلك الغرفة لعدم وجود مادة قانونية مناسبة، والتفكير بعمق للوصول الى طريقة لمعاقبة شخص هو أب لفريق من الأطفال يحتاجون كل فلس يصل الى يده لأطعامهم. فجمعت كل شجاعتي ولباقتي ومودة العقيد لي ووضعتها بانسانيتي وقلت له: سيدي، ما دمنا لم نتمكن من ايجاد مادة قانونية مناسبة لمعاقبة النائب ضابط، ارجو منك ان تسامحه وتكتفي بتوبيخه هذه المرة، بالأضافة الى انه عسكري جيد متطوع وله عائلة كبيرة. فامتلأت عينا العقيد بالغضب وردّ الى طلبي بنبرة ضابط الى جندي وقال: استعد،، ولا تتدخل مرة ثانية بمثل هذه الأمور. فشعرت وكأن شخصا ما صفعني على وجهي، وامتلأت الغرفة صمتاً الى ان أمرني بالأنصراف.
اما سبب نشري هذا النداء الآن هو: بالأضافة الى الأسباب الواردة فيه + نلاحظ وبعد رفض النداء من قبل غبطة الباطريرك: اعلن احد الكهنة المشمولين بالنداء انتماءه الى كنيسة انكليكانية (كان يمكن الأحتفاظ بخدماته في كنيسته الأم)، واستمر كاهنان آخران بالسجال ونشر اوراق قديمة كان يمكن احتوائها وضمها الى ملف الغفران، لا يزال كهنة آخرون تائهين حول مصيرهم بين اصرار الأساقفة بعدم تزويدهم الأنفكاك الأداري لتقنين بقاءهم في حقل الكنيسة الكلدانية او استمرار الحرمان من قيامهم بواجباتهم الكهنوتية وبين محبة والحاح ابنائهم المؤمنين بسرعة عودتهم ومواصلتهم العمل في حقل الرب، ازدياد عدد المؤمنين اضاف حاجة ملحّة لأضافة عمال الى حقل الرب. وعسى ان يصل الى السادة المعنيين وامام الملأ و يكون له صدىً جديدا في قلوب الآباء.
علما بأنني ارسلت النداء الى سيادة المطران مار ميخا مقدسي، ولم استلم اي رد منه لحد هذه اللحظة.
محبتي للكنيسة وغيرة بيت ابي مسكت بيدي لأكتب هذه الكلمات.
الشماس الأنجيلي
قيس ميخا سيبي
كاليفورنيا