يوسف تيلجي
المقدمة:
الشطر الأول من الحديث / “بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا“، لا أرى به أي تعقيد أو غرابة، بل أراه جليا وواضحا لأن الأمر وقع فعلا حسب كل الشواهد التأريخية – فالأسلام بدأ في مجتمع قبلي عصبي ذكوري جاهلي قائم على الشرك باللـه، يعبد الأوثان والأصنام والأحجار والأشجار، يأد البنات، مجتمع ينتشر به الخمر والبغاء ..، الأسلام بدأ غريبا لقلة أهله وتابعيه، بدأ بخديجة بنت خويلد وأبوبكر الصديق وعلي بن أبي طالب .. ثم أنتشر، وبعد موت الرسول تحول الأسلام من دين وعقيدة ومبدأ، تحول بدءا من حادثة سقيفة بني ساعدة الى سلطة وحكم، وأصبح الدين ورجاله من علماء وشيوخ وفقهاء يخدمون الحاكم، الخليفة ، السلطان أو الأمير ..
أما الشطر الثاني من الحديث / “وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ“، فسأعلق عليه في نهاية الموضوع، وذلك كقراءة شخصية للحديث مع خاتمة، وسأبدأ أولا في تفسير الشطر الأول من الحديث بأختيار ثلاث تفاسير منتقاة لتفسير الحديث، وذلك من أجل توضيح وتمهيد الصورة للقارئ ..
النص:
وحول شرح وتفسير معنى حديث الرسول (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاء)، أورد التفاسير التالية:
* فقد ورد في “موسوعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب”، تحت عنوان – أحاديث في الفتن والحوادث، مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، / نقل بتصرف .. أورد ما يلي ((جاء الأتي حول شرح الحديث أعلاه: في بَابُ بَدَأَ الإسْلاَمُ غَرِيْباً وَسَيَعُودُ غَرِيباً .. ولِمُسْلِمٍ: عن أبِي هُرَيْرَةَ: عن النَّبِيِّ –قال: (بَدَأَ الإسلامُ غَريباً وَسَيَعُودُ غَريْباً كَمَا بَدَأَ)، ورواه أحمدُ: عن ابن مَسْعُود: – وفي آخره -: “فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ” ومعنى الحديث: أن الإسلام بدأ في أحاد من الناس وقلة، ثمّ انتشر وظهر ثم سيلحقه النقص والإخلال. حتى لا يبقى إلاّ في آحاد وقلة أيضاً، كما بدأ. فبدأ بالهمز – من الابتداء. وهو الأشهر – ويؤيده المقابلة بالعود. فإن العود يقابل الابتداء، ويحتمل: أن يكون بدون همزة. ومعناه: ظهر. وغربة الإسلام: لقلة أهله. وأصل الغريب: البعيد عن الوطن. وقد فسر الرّسول: الغرباء بالنّزّاع من القبائل- والنّزّاع: جمع نازع ونزيع وهو: الغريب الذي نزع عن أهله وعشيرته، قال الهروي: أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا أوطانهم إلى اللـه تعالى: ومعنى: “طوبى للغرباء”، طوبى: فُعلى من الطيب قاله الفراء.. )).
* وفي “موقع الأسلام سؤال وجواب” حول تفسير الحديث أعلاه / نقل بتصرف، جاء ما يلي ((هذا الحديث رواه مسلم (145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّـَهِ: (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) .قال السندي في حاشية ابن ماجه :(غَرِيبًا) أَيْ لِقِلَّةِ أَهْله وَأَصْل الْغَرِيب الْبَعِيد مِنْ الْوَطَن (وَسَيَعُودُ غَرِيبًا) بِقِلَّةِ مَنْ يَقُوم بِهِ وَيُعِين عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَهْله كَثِيرًا (فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) الْقَائِمِينَ بِأَمْرِهِ، و”طُوبَى”تُفَسَّر بِالْجَنَّةِ وَبِشَجَرَةٍ عَظِيمَة فِيهَا. وَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى أَنَّ نُصْرَة الإِسْلام وَالْقِيَام بِأَمْرِهِ يَصِير مُحْتَاجًا إِلَى التَّغَرُّب عَنْ الأَوْطَان وَالصَّبْر عَلَى مَشَاقّ الْغُرْبَة كَمَا كَانَ فِي أَوَّل الأَمْر. وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة: “معنى الحديث أن الإسلام بدأ غريباً حينما دعا رسول الـله الناس إليه الناس إليه فلم يستجب له إلا الواحد بعد الواحد، فكان حينذاك غريباً بغربة أهله، لقلتهم وضعفهم مع كثرة خصومهم وقوتهم وتسلطهم على المسلمين، حتى هاجر من هاجر إلى الحبشة فراراً بدينه من الفتن وبنفسه من الأذى والاضطهاد والاستبداد، وحتى هاجر رسول الـله بأمر اللـه تعالى إلى المدينة بعد ما ناله من شدة الأذى ما ناله رجاء أن يهيئ الـله له من يؤازره في دعوته، ويقوم معه بنصر الإسلام وقد حقق اللـه رجاءه فأعز جنده ونصر عبده وقامت دولة الإسلام .. واستمر الأمر على ذلك زمناً طويلاً، ثم بدأ التفرق والوهن ودب بين المسلمين الضعف والفشل شيئاً فشيئاً حتى عاد الإسلام غريباً كما بدأ .. )).
* أما في موقع الشيخ عبد العزيز بن باز/رحمه اللـه، جاء التفسير التالي، مركزا على مفردة “الغرباء”/نقل بتصرف ((هذا الحديث صحيح رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي اللـه عنه- أن النبي، قال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) فهو حديث صحيح ثابت عن الرسول، زاد جماعة من أئمة الحديث في رواية أخرى: (قيل: يا رسول الـله! من الغرباء؟ قال: الذين يَصْلِحون إذا فسد الناس) وفي لفظ آخر: (يُصلِحون ما أفسد الناس من سنتي) وفي لفظ آخر: (هم النزاع من القبائل)، وفي لفظ آخر: (هم أناس صالحون قليل في أناس سوء كثير)، فالمقصود أن الغرباء هم أهل الاستقامة، فطوبى للغرباء، أي الجنة والسعادة للغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس، إذا تغيرت الأحوال و.. الأمور، وقل أهل الخير، ثبتوا هم على الحق، واستقاموا على دين اللـه، ووحدوا الـله، وأخلصوا له في العبادة، واستقاموا على الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر أمور الدين، هؤلاء هم الغرباء .. )).
القراءة:
قرأءتي ترتكز على الشطر الثاني للحديث النبوي (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) / والذي يمثل الوضع الحالي للأسلام، وذلك لأن الشطر الأول، أرى التفاسير التي أوردتها قد أوفت في تفسيره .. وستكون قراءتي حسب نظرتي الحداثوية للأسلام وما جرى وما يجري من أحداث ووقائع، بعيدا عن ما قاله المفسرون!:
أولا – الأسلام هو ليس الحل لأنه بات غريبا، بل أن “القراءة الحداثوية” للنصوص/أنزلت أو كتبت أو أوحى بها .. سمها ما شئت هي ما يجب أن تكون الحل، لأن أسلام صدر الرسالة المحمدية لا يمت بصلة للزمن الحالي، خاصة بالنسبة للتحضر المجتمعي/ مثلا، وما يضم من عادات وتقاليد وأسلوب حياة بكل تفاصيلها .. فهل من الممكن تطبيق ملك اليمين الأن، وهل من الأنسانية تشريع سوق لبيع الجواري والسبايا، وهل من العادي أن تدخل الطبيبة لغرفة العمليات وهي منقبة! وهل من العملي تطبيق مبدأ عدم الأختلاط بين الجنسين في كل نواحي الحياة وما به من سلبيات كوارثية .. لهذا أرى أن الأسلام بات غريبا عن الزمن الحالي لأنه يمثل حقبة زمنية، غير متطورة وغير متحضرة كانت قبل أكثر من 14 قرنا، ويريد الأسلام السلفي الرجوع الى زمن النبوة لأرجاع الحياة كما كانت عليه في تلك الحقبة، وهذا مستحيل، وما تحاول السعودية عمله وتطبيقه، على أنه هو الأسلام الحقيقي، من قطع الرؤوس والأيدي والرجم والجلد ..، أنما هو صورة مظلمة كاحلة عن الأسلام، فتلك القوانين والأحكام طبقت على تلك الحقبة، ولا يمكن أن تستوي أو أن تصلح على أسلام اليوم، وأذا حاول وأصر شيوخ ورجال الأسلام على هذا، فأنهم سيعزلون الأسلام عن المجتمع! علما أنهم هم أنفسهم لا يطبقوه على أنفسهم وخاصتهم! كل هذا سيزيد من غربة الأسلام عن الواقع الحياة الحالي.
ثانيا – الوضع الأسلامي الحالي بات أكثر غربة لما يعانيه من تفرق وأنقسام وأنشقاق، فبدأ الأسلام فرقة واحدة وأصبح فرق وطوائف ومذاهب وجماعات، ثم ظهرت شيعة علي، وما أنبثق منها من الأثني عشرية والزيدية والأسماعيلية والنصيرية والعلوية ..، أما السنة بمذاهبها الأربعة/المالكية والحنفية والشافعية والحنفية، وما أنبثق منها من فرق وطوائف .. أضافة الى ملل أخرى كالأحمدية والصوفية .. وتكلل الاسلام بغربة أنهت كل أماله في الوقوف بثبات كمعتقد وهي “الوهابية” التي كفرت ما قبلها وما بعدها من فرق وطوائف، بأعتبارها الفرقة الناجية، أيوجد غربة ووضع تراجيدي عاشه الأسلام كم يعيشه الأن!
ثالثا – ظهور المنظمات الأرهابية المثقفة بثقافة القتل والذبح والصلب والحرق والرجم والسحل وقطع الرؤوس بأسم الأسلام، حيث جعلت ذكر الأسلام، و”شعار الـله أكبر” يكفي أن يكون عنوانا للأرهاب والتوحش، هذه المنظمات، القاعدة وداعش وغيرها العشرات الممنهجة وهابيا، أصبحت هي أسلام اليوم، وأرى ان هذا يكفي لأن يكون الأسلام غريبا عن محيطه.
رابعا – شيوخ ودعاة الأسلام ساهموا في غربة الأسلام عن الحراك المجتمعي للقرن الواحد والعشرين، فشيوخ السعودية/الطريفي والسديس وبن باز والفوزان ..، ومصر/زغلول النجار ومحمد عمارة والقرضاوي والحويني وأبراهيم خولي .. الدعاة/محمد حسان ومحمد العريفي ونبيل العوضي وعمر عبد الكافي .. كل هؤلاء الثلة وغيرهم العشرات أخذوا بالأسلام بعيدا عن عالم وحياة اليوم، أخذوه الى عالم خاص وهو عالم صدر الرسالة المحمدية، فأردوه قتيلا غريبا في ارضه بدلا من منحه قبلة الحياة.
الخاتمة:
أرى أن الحديث النبوي (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)، حسب تفسيره كحدث أخباري، يبين لنا أن الأسلام كيفما بدأ غريبا سينتهي غريبا كما بدأ ، وذلك حسب تفسير المفسرين ومنهم ما ذكر بالنص أعلاه، ولكن بالتحليل المنطقي للحديث، وحسب درجة تفاعل أنعكاس الحديث على الواقع الحالي للأسلام، يظهر لنا أن الأمر يتعلق بمفهوم أخر ألا وهو تأثير مرجعية الأسلام، والقراءة الماضوية للنص القرأني والمأثور الديني، الذي يضم السنة والأحاديث والتأريخ الأسلامي، وما بها من نهج تكفيري وألغاء للأخر وما يضم من نصوص عنيفة كأيات السيف .. أضافة للأحكام الدينية التي تعتبر خارج نطاق زمن القرن الواحد والعشرين، على واقع وحال الأسلام الأن، هذا كله من جهة، ومن جهة ثانية أرى أن مفردة “الغرباء” /وهي حسب تحليلي رجال وشيوخ ودعاة الأسلام الظلاميين منهم، والذين نعتهم المفسرون، “بأهل الاستقامة فطوبى للغرباء أي الجنة والسعادة للغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس“، هؤلاء بدل أن يكونوا فريق أنقاذ ما يمكن أنقاذه، في تجديد الخطاب الديني/الخطاب المرتبط بالمقدس والمحرم، ولكن في واقع الأمر، ساهمت هذه الثلة/الغرباء، ليس بمد الروح لهذا الجسد المحتضر، الغريب عن واقعه، بل أن هذه الثلة خطفت الأسلام وتأمرت عليه وأغتالت ما تبقى منه من رحمة ورأفة وعدل!.