قرداغ مجيد كندلان
” 2 ولما خرج (المسيح) من السفينة للوقت استقبله من القبور انسان به روح نجس .3 كان مسكنه في القبور ولم يقدر احد ان يربطه ولا بسلاسل . 4 لأنه قد ربط كثيرا بقيود وسلاسل فقطع السلاسل وكسر القيود فلم يقدر ان يذللـه . 5 كان دائما ليلا ونهارا في الجبال وفي القبور يصيح ويجرح نفسه بالحجارة . 6 فلما رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له .7 وصرخ بصوت عظيم وقال له ما لي ولك يايسوع ابن الله العلي استحلفك بالله ان لا تعذبني . 8 أنه قال له اخرج من الأنسان يا ايها الروح النجس . 9 وسأله ما اسمك فاجاب قائلا اسمي لجئون لأننا كثيرون .” (مرقس 5: 2-9)
أن ظهور المسيح كان له أثر كبير جدا في خوف الارواح الشريرة التي بدأت تفك يدها عن المصاب بسبب معرفتها أن المسيح سوف يخرجها عنوة ويرسلها الى الجحيم للتعذيب، فانتهز الإنسان المستحوذ عليه الفرصة وركض نحو المسيح وانطرح امامه ساجداً مستغيثاً. وبدأت الشياطين تنهار وتعترف أن المسيح هو ابن اللـه، كما يعلم الشياطين جيدا أن نهايتها هي العذاب الأخير ولا تعود راحة لهم ولا حرية لإذاء الإنسان او الحيوان بعد. وهكذا يبدو أن الشيطان أحس أن فرصته ألاخيرة في مقاومة للحق واللـه والانسان ستنتهي في مجيء الرب الثاني للدينونة. الآن شعروا بالمسيح عدوهم الأزلي وخافوا لئلا يوقع بهم العذاب قبل الأوان . سلطان إخراج الشياطين الذي كان بحوزة المسيح كان من صميم طبيعة تجسده: “لأجل هذا أُظهر ابن اللـه لكي ينقض أعمال ابليس” (1يو 3 : 8 ). فالمسيح تجسد لينقذ الإنسان من سطوة الشيطان سواء على عقله بالضلالات والأكاذيب التي يلقنها للناس ويعتبرونها حقاً، او تسريب الشهوات والمللذات لغرائز الإنسان، أو إذكاء روح البغضة والعداوة والقتل والمقاومة والحرب لتفريق الناس وإيرادهم موارد الندم والعدم والهلاك: “لأنه كذاب وأبو الكذاب… ذاك كان قتالا للناس منذ البدء” (يو 8 : 44).
وهنا السؤال الهام جدا: كيف ولماذا يدخل الشيطان جسد الانسان ويقيم فيه؟ الرد نجده من وجهة نظر التقليد اليهودي وبالذات على لسان يوسيفوس المؤرخ والعالم اليهودي المشهور، إذ يقول: إنما هي ارواح بشرية شريرة هي التي بعد خروجها من أصحابها تعود وتلبس أجسادا أخرى. وهذا التفسير يعتقد به بعض العلماء المحدثين في علم الباراسيكولوجي. والروح (الشرير) حينما يُطلب منه أن يقول اسمه فإنه يعطي اسم الإنسان الذي كان سابقا فيه. بهذا المفهوم تكون الأرواح الشريرة قد وُجِدَت لما وُجِدَ الشر بين الناس، وهذه الأرواح الشريرة غير الشياطين التي هي ملائكة ساقطون من رتبهم. والروح الشرير أهون في تعذيبه لجسم الانسان من الشيطان، وقد أمكن الآن شفاء الذين عليهم أرواح شريرة في مصحات عالمية تابعة لكليات الطب. والمعروف في التقليد القديم أن القبور تسكنها الأرواح الشريرة، ولكن بحسب ابحاث العلم الحديث في الباراسيكلوجي أن الارواح الشريرة صنفان: أرواح بشرية معذبة ليس لها راحة تساكن أجسادها الميتة التي خرجت منها، وأرواح شياطين تستوطن في الأماكن القفرة والنجسة. كانت القبور بحسب التقليد القديم والجديد مأوى للأرواح الشريرة، والمعروف علميا الأن من ابحاث الباراسيكلوجي أن الارواح البشرية الشريرة ترتبط بأجساد موتاها، أما الشياطين فمن المعروف عنها أن الشيطان إذا تسبب في قتل إنسان فإنه يتقمص روحه ويرث اسمه وايضا يكون مأواه القبور. أما قدرة الأرواح الشريرة على قطع وكسر السلاسل والقيود حتى لو كانت من الفولاذ فهو امر هين جدا. فالمادة بكل أصنافها هي لا شيء لدى ألارواح، فالروح تعبر الابواب المغلقة حتى ولو كانت من حديد أو زجاج، بل وفي إمكانها أن تقذف قطعة الحديد عبر شباك زجاج فتعبره دون ان ينكسر الزجاج، فالمادة بكل صورها لاشيء ولا وزن لها عند الارواح الشريرة وغير الشريرة. أما كون “لم يقدر أحد أن يذللـه” أي يُخضعه ويحصره، فلأن الروح الشرير الذي فيه لا يُذلل ولا يخضع إلا لقوة اللـه او من يحمل روح اللـه وسلطانه واسمه . أن الروح الشرير حينما يستحوذ على إنسان يورثه قلقه وبؤسه وشقاؤه، فلا يستقر في مكان ويصير في عدم راحة أو استقرار، ومن فرط يأسه يجرح نفسه بالحجارة ويبيت حيث يشاء الروح الذي فيه.
على ان القصة تعطي عدة معلومات كلها لا تمت للطبيعة بل تتجاوزها، مثل المكان الذي به الارواح النجسة بين القبور، القوة الخارقة التي كان يفك بها السلاسل ويقطع القيود، بقاؤه دائما ليلا ونهارا في وسط القبور، يصرخ ويجرح نفسه بالحجارة، حديث الروح النجس علانية مع الرب يسوع المسيح وألإلحاح أن لا يعذبه، الاسم الذي اطلقه على نفسه “لجئون” دخول الارواح النجسة في الخنازير وقتلها مختنقة في البحر؛ هدوء المجنون وجلوسه لابسا عاقلا. كل هذه التساؤلات لم تعد الآن وفي العقود القليلة الماضية مجهولة بعد أن اكتشف علم الباراسيكلوجي حقيقة الأرواح الشريرة وتداخلها في الإنسان عن طريق المس أو الاستحواذ، والأمراض والأعراض التي نتج من كل من المس والاستحواذ. وهذه العلوم كلها تدرس في جامعات العالم الكبرى في كل بلاد الغرب وأمريكا وقد تطورت تطورات مذهلة للعقل. وما من شيء نسمع عنه في علاقة الأرواح الشريرة بالإنسان إلا ويقع تحت الدراسة والفحص الشديد. ولكن علماء الكتاب المقدس في القرنين السابقين حسبوها خزعبلات لعقول رجعية.