يوسف تيلجي
أستهلال:
هذا الموضوع مطروح بشكل كبير من قبل الكثير من المهتمين، كدعاة الأسلام السياسي أو من قبل العلمانيين أو المستقلين أو الباحثين عامة ..، وككاتب أود أن أدلو بدلوي بهذا الصدد، ولكن سوف لن أتناوله بصورة نمطية قديمة، لأن هذا التناول مسرد في بطون كتب الأسلاميين والباحثيين ..، ولكني سأتناوله بطريقة حداثوية بعيدا عن المفاهيم والمقاصد والنهج لهذا الشكل من الحكم المسرد في الأدبيات الأسلامية والذي من الممكن للقارئ أن يطلع عليها دون عناء! لذا سأتناوله بطريقتي عسى أن تكون أضافة متواضعة بهذا المجال.
النص:
أن قوله تعالى “مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلّـَهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ“ (40) سورة يوسف، وحديث الرسول (إن اللـه هو الحَكَمُ، وإليه الحكمُ) .. وغيرهما الكثير من الأيات والاحاديث، أضافة الى عشرات التفاسير منذ القدم الى التاريخ المعاصر، التي يؤكد بها الأسلاميين بدلالتها أو بأشارتها على أن “الحاكمية للـه وحده”، ولست هنا بمقام طرح هذه الحجج التي أمن أو أعتقد أو نهج الأسلاميين بأشارتها بأن الحاكمية للـه، ومن يود ذلك يستطيع الأطلاع على ذلك بكل يسر، وأنما غاية المقال هو أستعراض قرأتي لهذا الموضوع وفق هذه الأضاءأت التالية:
1. كيف يحكم اللـه .. هل للـه شخصية معنوية أو أعتبارية أو عامة، هل هناك أي أحساس مادي به، هل للـه له طاقم حكومي للحكم، هل هناك أي قنوات أتصال به رسمية أو شبه رسمية، لغرض التباحث معه في أمور الحكم، وهي من المؤكد أمور دنيوية، هل يستطيع أن يتفاوض من أجل حل القضية الفلسطينية مثلا، فكيف يحكم اللـه وهو أيمان وأحساس وشعور، هل تحكم الدولة بالغيبيات!! .. في بداية صدر الأسلام عندما حكم الرسول كان بشرا عاديا، وحتى في ذلك الزمن/الدعوة المحمدية، لم تكن هناك دولة بمفهوم الدولة المؤسساتي، ولكن كان هناك شخص ممكن الرجوع أليه في قضايا تتعلق مثلا بنشر الدين، متابعة الشؤون القبلية، الغزو وما يلحقها من غنائم وأموال وسبايا، والشؤون الأخرى ..! أذن مقولة “الحاكمية للـه” لايمكن أن تكون منطقية، بل أتخذتها الأحزاب الأسلامية من أجل أيهام الشعب والسيطرة عليه ثم خطف الدولة والحكم .. وأرى أن مفهوم الأية أعلاه تخص عبادة اللـه من خلال تعاليم الدين.
2. أسماء اللـه الحسنى، فبدءأ من (الرحمن الرحيم الملك القدوس .. الى .. الوارث الرشيد الصبور)، لم نسمع من كل هذه الأسماء من أسم يدل على مفهوم السلطة والحكم، وذلك لأن الحكم سياسة، فهل يوجد أسم للـه تعالى يدعى ب “السياسي”، أيعقل أن يكون اللـه سياسيا، أن حكم اللـه حكم أخروي وفق القرأن، أما الشق الدنيوي منه فهو حكم العبادات والأمور الشرعية والأرث و.. فليس من صفة سياسية للـه، لأن السياسة ((“اصطلاحا” تعني رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وتعرف إجرائيا حسب“هارولد لاسويل” بأنها دراسة السلطة التي تحدد من يحصل على ماذا (المصادر المحدودة) متى وكيف. أي أن السياسة هي دراسة تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة هذا حسب “ديفيد إيستون“، أما الشيوعيون فيعرفوها بانها (دراسة العلاقات بين الطبقات)، وعرفها “الواقعيون” (بأنها فن الممكن أي دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعيا وليس الخطأ الشائع وهو أن فن الممكن هو الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات القوة والمصالح)/نقل بتصرف من الموسوعة الحرة. فمن كل المفاهيم السابقة، أينطبق أي من هذه المفاهيم على اللـه، أيقوم اللـه تعالى بأي من هذه الوظائف، أن اللـه بعيد عن المصلحية والعلاقات والطبقية والحدود والأجراءات .. أن اللـه هو أيمان ومحبة.
3. أتركوا اللـه في مكانته وقدسه، وأذا ترغبون بالحكم، لا تخلطوا الدين بالسياسية، فقط في زمن الرسول كان الأمر مختلفا، لأن الرسول كان يمثل كل شي للقبيلة .. وواقع ذلك التأريخ قد ولى وأنقضى، لأن بموت الرسول أنتهت الدعوة وبدأ عهد السلطة والقوة والحكم، فلم يطبق الأمويون والعباسيون وحتى العثمانيون أي شورى في أختيار الحاكم، لأنهم عشقوا السلطة فكان التوريث مبدءا للحكم، أما في العصر الحديث نلاحظ أن السلطة هي غاية الأسلاميين، وليس اللـه ، بل اللـه أستخدموه كوسيلة من أجل هدف واحد أوحد وهو السيطرة على الدولة، الأسلاميون “ميكافيليون، يؤمنون بأن الغاية تبرر الوسيلة” فأستخدموا كل شئ مباح حتى لو كانت الوسيلة هي “اللـه تعالى” من أجل السيطرة على الحكم، وتجربة حكم “محمد مرسي” في مصر أكبر دليل على ذلك.
4. يقول اللـه تعالى: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل (النساء/ 58).. /الأية أسردها على سبيل المثال، في الأية توجيه وأرشاد وتحذير، وأرى أن الأية دليل موجه الى الحكام عامة، رؤوساء وملوك وأمراء .. ولا تدل الأية على أن الحاكم هو اللـه، وأنما هو توجيه الى من يحكم، ولم يخول اللـه وفق هذه الأية، نوابا أو أتباعا أو مريدين أو فئة معينة أو طبقة بحد ذاتها أو .. لهذا الفعل، أما فقهاء الأسلام فأنهم يذهبون بعيدا في تفاسيرهم وهذا ديدنهم في تفسير النصوص بما تخدم أغراضهم و غاياتهم!
5. الحاكمية للـه والسلطة، قد يحسب البعض أن السعودية – أمثل وأفضل نموذج للحكم الأسلامي، على أساس أنها تمتثل الى القرأن في أحكامها، وعلى أعتبار أن القرأن هو منطق ونصوص من اللـه، وفي هذا الصدد أود أن أطرح بعض النقاط،
أولا – هل هكذا حكم يمنح وجها أستشراقيا بهيا للـه وللقرأن والأسلام، فهل قطع الرؤوس في الشوارع و الجلد ووو هو حكم اللـه! أين العدل والتمدن والتحضر في كل ذلك، ثانيا – أي حكم وراثي سلطوي يمارس في السعودية، أين العدل في الحكم، فمثلا، بعد تنحية الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد، يصبح شابا في أول الثلاثينات وليا لولي العهد، بلا خبرة ولم يستلم أي منصب حكومي حساس/وهو نجل الملك، الأمير محمد بن سلمان، تاركا ورائه طابور من الأمراء من أصحاب الخبرة كأنجال الملك فيصل بن عبد العزيز وأنجال الملك عبداللـه بن عبد العزيز ..، أذن التشبث بالحكم والسلطة هو الغرض والهدف، وليس المشورة والخبرة التي كانت موجودة بشكل أو بأخر في الخلافات الأسلامية، ثالثا – أذن السلطة والملك هو الهدف وليس القرأن والشريعة وليس حاكمية اللـه، رابعا، فضل الملك سلمان نجله على الجميع، فهي عملية بعيدة عن حكم اللـه الذي يوصي بالعدل باختيار الأفضل والأرشد للحكم، ولكن الكل يتخذ من أسم اللـه كذريعة في عدم الخروج عن أمر الحاكم.
6. الحاكمية والخلافة، سقطت أخر خلافة أسلامية في الثامن والعشرين من رجب 1342 هجري الموافق للثالث من آذار 1924 ميلادي، وكان أخر خليفة عثماني فعلي هو السلطان عبد الحميد، وفي الحديث الشريف: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ فِيمَا أَعْلَمُ عَنْ رَسُولِ اللَّـهِ – صلى اللـه عليه وسلم – قَالَ «إِنَّ اللَّـهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا». سنن أبى داود – (ج 4 / ص 178) قال الالباني: صحيح. ولو أفترضنا جدلا، أن هذا الحديث صحيح متوارد وذو أسناد تام عن الرسول محمد، هذا من جهة، ولو ربطنا هذا الحديث بخلافة أبي بكر البغدادي في الموصل وغيرها/ولكن بمرور 90 عاما على الحديث النبوي وليس 100 عام كما ذكر في الحديث، “الفرق بين 1924 و2014″، من جهة ثانية، فنكون نحن بحق أما كارثة، لأن الرسول لا ينطق عن الهوى، لقوله تعالى ((وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)) سورة النجم ..
أود هنا أن أطرح بعض النقاط بخصوص لو كان البغدادي هو المقصود بتجديد دين محمد، أولا – لو كان البغدادي هو الشخص الموعود بالتجديد، فنكون نحن أمام حاكمية مميزة، لأن الخليفة هو ظل اللـه على الأرض، وهذا الظل هو البغدادي، فهنا نحن في موقف لا نحسد عليه من خليفة يمثل أسلافه في لذة العنف والتوحش والحرق والتفجير والسحل والصلب ..، فأي حاكمية وأي أله ورسول نحن نتبع! ثانيا – ولكن هذا ليس بمستغرب لأن البداية/وما بها من عنف كخلافة أبوبكر، تماثل وتشابه بما يحصل بالموصل والرقة الأن، ثالثا، اللـه لا يحكم أن اللـه يعبد ويقدس! ولو كان الأمر عكس ذلك فسنكون أما وضع وهو ألصاق كل الموبقات التي ينهجها الحكام/كابغدادي، باللـه، رابعا – هل اللـه يأمر بالسبي وجهاد النكاح. وحتى لو كان بعض من هذا منصوص عليه، فتلك النصوص من الضروري أن نضعها في حجمها ومكانتها الماضوية المنسية.
ختاما، من الضروري نسخ مبدأ “حاكمية اللـه”/كما نسخ غيرها، حتى لا تتشوه صورة اللـه، وتكفيه/ أي اللـه، كمية التشويه الذي قام ويقوم به الأسلاميون، وليعلم الجميع، أن لكل سفينة قبطان واللـه ليس بقبطان الدولة!