نَصٌ بلا عنوان
هيا منير كلداني
أنا أسخرُ من كلِّ شيءٍ لأنّني جِدّيَّةٌ في كُلِّ شيء!
ولا شيءَ يُعجبُني سوى استمرارِ الحياةِ رُغماً عن أنوفِنا جَميعاً..
أنا أحزنُ على كُلِّ شَيءٍ، حتّى الفرَح الّذي ينتهي دوماً، وأفرحُ لِكُلِّ شيءٍ وإن كانتْ وجبةً لذيذةً، وخاصَّةً إذا كان قد طبَخَها غيري..
ولكنّني سعيدةٌ بكلِّ النّهاياتِ والبِدايات، وما يَتَخلَّلُهُما من حُزنٍ وفرحٍ ومِن إحباطٍ وغَضَب..
غريبةٌ هذهِ التّناقُضات، والّتي حاولتُ جاهدةً أنْ أصنَعَ تَوازناً في إِدارتِها كي لا أكونَ حالِمَةً ولا سطحِيَّةً، وأن أكونَ واقِعيّةً وأعيشَ اللحظةَ بِكلِّ تفاصيلِها.
أتألَّمُ بِكلِّ جوارحي..
وأضحكُ من كلِّ قلبي..
وأنامُ قليلاً، لأنَّني أحبُّ النّهارَ واللَّيلَ ولا أريدُ الانفصالَ عنهُما بِموتٍ مؤقَّت..
يُعجبُني الموتُ الأنيقُ والسّريعُ كما تُعجِبُني الحياةُ وألوانُها..
أودّعُ الموتى بِحزنٍ وبشيءٍ من الغيرةِ لانتقالِهم إلى عالمٍ آخر أجهلُه، ولكنّني في قرارةِ نفسي أعلمُ أنَّهُم في عالَمٍ أجمل، لا جاذبيّةَ فيهِ ولا ألَم، وحيثُ الحريَّةُ سَقُفها ليس كسَقفِنا..
حُريّةٌ تَعرفُها الأرضُ والأحرار،
حُريّةٌ تَعرفُها الأرواحُ السجينةُ في الأجسادِ والحناجر..
وحُريّةٌ يَعرفٌها خيالُ العاشِقِ والمُحاربِ والشهيدِ..
حُريّةٌ تُحبّ الألوانَ، والحياةَ، وتحترمُ الموتَ ولا تدعو لَهُ بل تَقِفُ شامِخةً عندَ حُضورِهِ..
هل قُلتُ “لا شيءَ يُعجبُني”؟
نعم، لا شيءَ يعجبُني إلى أنْ أفُكَّ طلاسِمَ وشيفرةَ هذهِ الحياةِ، بينَما أعيشُها بسعادةٍ أو حزنٍ أحياناً، وبلا مبالاةٍ أحياناً أخرى..
فمِن فرطِ حُبّي لها وشغَفي بِها، أريدُ أن أفهمَها أكثر، إذ أنّني سئمتُ تحليلَ وفهمَ الإنسان..
ذلك الإنسانُ الذي تَستَمِرُّ الحياةُ رُغماً عنهُ وعن أنانِيّتِهِ وأحكامِهِ وقمعِهِ..
الحياةُ لن تسمحَ لهذا الإنسانِ بتعطيلِها.. الحياةُ باقيةٌ وتَتَمَدَّدُ بألوانِها وموسيقاها وجنونِها وعشقِها وعُشّاقِها..
بجمالِها، وبصراخِ طفلٍ يأتي من رَحِمِها ليعطيَ سعادةً لعاشِقَيْن..
حياةٌ جميلةٌ باقيةٌ بفصولِها الأربعة وبِشتائها الجَميلِ وشمسِها الضّحوكةِ..
فامشِ تحتَ الشّتاءِ لتسمعَ همساتِ الحِكمة..
وانظرْ إلى الشّمسِ وتبادلا معاً الضّحكات..
وتذكّرْ بأنَّ الأرضَ تُحِبُّ الأحرارَ لا العبيد..
وتذكّرْ كَمِ احتضنَتْ هذه الأرضُ مِن شهيد..
شهيد حُرّ..
وحُرّ
وحُرّ
يَعرفُ الحُرّيَّةَ كما تَشاءُ لَهُ الأرضُ أن يعرفَها..
إيلاف
– See more at: http://elaph.com/Web/Culture/2016/6/1095820.html#sthash.gOBCU5Sq.dpuf