يبقى الصراع بين الصحافة والسلطة قائما منذ أن صدرت أول صحيفة في العالم وحتى يومنا هذا.
فالبعض يرون في الصحفيين أنهم جماعة من أكثر الناس تشكيكا وسخرية وتخريبا، وأنهم فئة غير عادلة ومنحازة ومؤذية ومزعجة، تضخم الأحداث وتثير العواطف، وتستغل الفرص لمصلحتها. فلا تحاول أن تفهم ما يقوله الناس لها، ولا تفسح لهم مجالا ليفهموها. وأن الصحافة تقسوا على من تريد، وتطري على من تريد، تسالم جماعة وتعادي آخرين، وأن الصحفيين فئة بلغت أنانيتهم حدا وصلت معه إلى عبادة ذاتها، ونسيان كل شيء آخر حتى وطنيتها.
هكذا يرى بعض رجال السياسة الصحفيين، ويصفونهم بأصحاب الأقلام الرذيلة، كما وصفهم جورج براون وزير خارجية بريطانيا الأسبق، التي تعتبر أم الديمقراطية. وقال براون: إنها صحافة عاهرة، وأن ممارسيها أصحاب أقلام رذيلة.
أما أدورد هيث رئيس وزراء بريطانيا الأسبق فأسماهم( رجال الورق).
أما الصحافة فترد، وتقول إن بعض رجال السياسة هؤلاء يتكلمون، وكأنه المفروض على الصحافي أن لا يذكر، إلا ما يريد أولئك المتعجرفون السياسيون ذكره أمام الرأي العام. فنشر خبر عشاء وزير أو سهرة نادي أمر محرم، جريمته توازي جريمة السرقة أو الزنى.
ومع ذلك فالمجال متروك للاستفسار عن الأسباب التي تجعل السياسيين والدبلوماسيين، يسعون وراء الصحافي دون أن يمكنهم التخلي عنه.
والمعادون للصحافة من هؤلاء يقولون، إن الصحفيين خربوا بنشرهم فضائح وأمور شخصية، بيوتا، لم تخربها أية حرب، وخاصة فضيحة ( كريستين كيلر) مع وزير الدفاع البريطاني عام 1963.
والحقيقة أن الصحفيين ليسوا قديسين، ففي هذه المهنة كما في أية مهنة أخرى تجد أصنافا مختلفة من الناس. وشعار الصحافة الحقيقية هو(قل الحق دائما).
فالصحافة هي المهنة الوحيدة التي لا يتسنى للصحفي الحقيقي فيها أن يرّفه عن نفسه لأنه عبد مهنته. فهي مهنة مرهقة وكل ما فيها بذل وتضحية وعطاء. وإذا كان رجال السياسة والسلك الدبلوماسي يريدون منها أن تتطور وتتقدم، فعليهم أن يفتحوا لها الطريق وأن يبدأوا بأنفسهم. فمن ينصّب نفسه إماماً بين الناس، عليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل غيره.
صحافة العهد العثماني
كان الصحفيون المخضرمون يتذكرون الظروف التي كان الصحفيون يعانون منها أيام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، من خلال الرقابة الصارمة التي كان يفرضها على الصحف والصحفيين. فكانت التعليمات التي تفرضها الرقابة جد قاسية ومشددة، منها لا يجوز نشر أي مقال أو خبر قبل أخذ موافقة وزارة المعارف. ويمنع نشر المقالات الطويلة . ويمنع استعمال عبارة( البقية تأتي) أو( يتبع) أو (للبحث صلة) أو البقية في العدد القادم. كما يمنع ترك فراغ في الصحيفة أو استعمال النقاط بدلا من فقرات حذفتها الرقابة. ولا يجوز نشر أنباء عن ثورات داخل السلطنة، أو خارجها.ولا يجوز نشر اسم أعداء السلطان. ولا تطلق عبارة صاحب الفخامة أو العظمة على أي رئيس دولة، لأن السلطان عبد الحميد وحده صاحب الفخامة والعظمة. ويلقبون باسم (حشمتلو) ولا يسمح بتسمية سلطان زنجيـبار بأنه السلطان، بل يقال حاكم زنجيبار، لان عبد الحميد الثاني هو السلطان وحده.كما يمنع ذكر أسم (جمهورية) خشية أن تقوم ثورة تعلن الجمهورية. فيكتفى برئيس أمريكا أو رئيس فرنسا. ويمنع ذكر كلمة جمهور ويستعاض عنها بعبارة (العوام) لأن الجمهور يذكّر الشعب بالجمهورية.
وحدث أن سافر المطرب المصري المعروف آنذاك (عبده الحامولي) إلى اسطنبول بدعوة من السلطان لإقامة حفلة ساهرة في القصر. وقبل أن تبدأ الحفلة أسرع أحد رجال الحاشية، وطلب إليه أن يكتب في ورقة الأغنية التي ينوي انشادها. وكتب عبده الحامولي أغنيته المشهورة:غاب عن عيني مرادي.
وحينما قرأ الوزير العثماني الأغنية ارتعش وصرخ مستحيل.. مستحيل أن تغني هذه الأغنية في حضرة السلطان.
ودهش المطرب عبده الحامولي وقال لماذا؟ قال الوزير هذه دعوة للثورة لأنه إذا سمعها السلطان فسوف يشنق الوزير بسبب كلمة (مرادي) لأن السلطان مراد كان عدوا للسلطان عبد الحميد. فطلب الوزير من المطرب أن يحذف كلمة مرادي. وأجابه المطرب ولكن البيت يصبح مكسورا. فقال الوزير خير لنا أن ينكسر بيت الشعر من أن يكسر السلطان رأسي ورأسك. واضطر المطرب أن يستبدلها بعبارة (حبيبي).
أول صحيفة عراقية
كانت صحيفة الزوراء أول صحيفة تصدر في بغداد في 16 يونيو/حزيران 1869 في عهد الوالي مدحت باشا أبو الدستور، وكان عقلية اصلاحية ومتحررة ولقب بأبي الاحرار، حيث أجرى العديد من الاصلاحات في الولايات العراقية فأصدر جريدة الزوراء، وأسس مطبعة حكومية في بغداد. وقدمت الزوراء في عددها الأول صورة صادقة لمشاريع مدحت باشا في مجال تحديث العراق.وظهرت بعدها صحف رسمية في الموصل عام 1885 وفي البصرة عام 1895 .
ومن أوائل الصحفيين العراقيين . الصحافي عبد اللطيف ثنيان من أصل سعودي أصدر صحيفة( الرقيب) في 28/1/1909 وتوفي ببغداد 1944 .
فبعد أعلان الدستور العثماني عام 1908 صدر في العراق 25 صحيفة ومجلة منها 19 صحيفة ومجلة في بغداد أبرزها الرقيب هذه التي كانت شجاعة في نقدها للاوضاع في بغداد، غير أن الوالي ناظم باشا لم يتحمل هذا النقد، وهدد صاحبها بالاعتقال.وأرسل له رسالة تحذير يقول فيها” اذا كنت تقصد توجيه النقد لي، فاني أعفي عنك، ولكن اذا ما وجهت النقد للحكومة فاني سوف اكسر رقبتك” ثم أغلق الوالي صحيفة الرقيب وأقام دعوى على صاحبها بتهمة اللواط.
ثم صدرت صحيفة( صدى بابل) لصاحبها داوود صليوا الموصلي وكان معلما ، اذ صدر العدد الاول لها في 13/8/1909
وفي الموصل أسهمت صحيفة(نينوى) التي صدرت في 15 تموز 1909 وصحيفة(النجاح) في 12/11/1910، وفي البصرة صدرت ( الدستور) في 22/1/1912 ، ومجلة لغة العرب التي اصدرها الاب انستاس ماري الكرملي عام 1911 ، وصحيفة النهضة لصاحبها مزاحم الباجه جي التي صدرت عام 1913 ، أسهمت هذه الصحف جميعها في حركة اليقظة العربية للتخلص من الاحتلال العثماني. كما عرفت بمواقفها الوطنية والقومية وسعت لمحاربة النعرات الطائفية. وأزداد تاثير الصحافة أبان انقلاب بكر صدقي عام 1936 وفي حركة رشيد عالي الكيلاني، وساهمت في اسقاط معاهدة بورتسموث عام 1948 .
صحافة الاحتلال البريطاني
اما في عهد الاحتلال البريطاني للعراق للفترة ما بين 1914- 1918 فقد حرص المحتلون على أصدار صحف تعبر عن سياستهم ووجهة نظرهم ولجأوا الى أستخدام الصحافة وسيلة للدعاية لحكمهم، ومخاطبة الناس بأنهم أصحاب عدل ورواد حرية. كما كانت تنقل ما يرد لها من برقيات وكالات الانباء العالمية آنذاك التي كانت مقتصرة على وكالتي رويترز الانكليزية وهافاس الفرنسية، وأخذت تلقي على عاتق العثمانيين مسؤولية تخلف العراق. ومن هذه الصحف ( صدى الحقيقة) البغدادية و( العرب) البغدادية. التي صدر العدد الاول منها في 4/7/1917 و( الاوقات ) البصرية. فقد بذلت المس بيل المستشارة الشرقية البريطانية ببغداد، وجون فيلبي- الحاج عبد الله فيلبي، فيما بعد المستشار البريطاني في دائرة المعارف ووزارة الداخلية ببغداد انذاك، جهودا لاصدار هذه الصحف.
فيما كانت صحف أخرى على الجانب الاخر تلقى تجاوبا من الناس كصحيفة( الاستقلال) لصاحبها عبد الغفور البدري. وصحيفة(دجلة) لداوود السعدي. و(البديع) لداوود العجيل التي كانت جميعها معارضة للسياسة البريطانية في العراق.
ومن أبرز هذه الصحف صحيفة( الاستقلال) التي صدر العدد الاول منها في 28/ايلول/ 1920
صحافة ثورة العشرين
وحين اندلعت ثورة العشرين في 30 حزيران 1920 أخذت قيادة الثورة تصدر الصحف وخاصة ( الفرات) تعبر عن لسان الثوار أولا، وعن مطاليبهم وخاصة الاستقلال. كما كانت تفضح مخططات ومشاريع المحتل، اضافة الى نشر فتاوى رجال الدين وخطبهم، في حث الناس على مقاومة المحتلين.
صحافة الحكم الوطني
وكانت مقالات ابراهيم صالح شكر تهز المجتمع البغدادي وكذلك صحيفة( الشعب) لسان حال حزب الشعب بزعامة ياسين الهاشمي وجماعته. ثم صحيفة( الامة).
وبعد ان اتحد الحزبان الشعب بزعامة الهاشمي والوطني بزعامة جعفر أبو التمن وشكلا حزبا جديدا بأسم( الاخاء) صدرت صحيفة ناطقة بأسمه هي( الاخاء) وكانت معارضة حينما كان الحزب خارج السلطة، لكنها كانت تنطق بلسان الحكم حينما يتسلم الحزب السلطة.
كذلك أصدر عبد المحسن السعدون حينما أسس حزب التقدم صحيفة ناطقة باسمه وهي( التقدم) وكانت صحيفة حكومية لذلك انهارت بسرعة عقب انتحار السعدون عام 1929 رحمه الله.
وبعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921 اشتدت المطالبة بتأسيس الاحزاب واصدار الصحف التي أصبحت لسان حال تلك الاحزاب، حيث أتسمت بالجرأة، وقامت بتكوين رأي عام وطني في العراق من خلال المقالات النقدية للحكومة. ومنها صحيفة الحزب الوطني برئاسة السيد جعفر أبو التمن وصحيفة حزب النهضة.
وفي الثلاثينات من القرن الماضي وبالذات في 2/1/1932 صدر العدد الاول لصحيفة ( الاهالي) لسان حال جماعة الاهالي، وكان رئيس تحريرها انذاك المحامي المرحوم حسين جميل ، وكانت متميزة اذ عبرت عن فكر جماعة من الشباب المثقف الذين أسسوا الاهالي، ودعت الى الاصلاحات والى ما اسمته بالشعبية فطالبت بتأمين التعليم المجاني والطب المجاني وبناء البيوت للفقراء باجور زهيدة.
أما صحيفة العالم العربي لصاحبها سليم حسون فصدرت عام 1934 وعرفت بمواقفها الوطنية والقومية، وسعت لمحاربة النعرات الطائفية وازداد تأثيرها أبان حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 حيث أخذت تمجد بالحركة وتعتبرها مظهرا حيويا للامة العربية .
وخلال انقلاب الفريق بكر صدقي عام 1936 أصدر الشاعر محمد مهدي الجواهري صحيفة بأسم( الانقلاب) أخذت تدافع عنه وتكيل المديح لبكر صدقي ورئيس الوزراء حكمت سليمان . الا أن بكر صدقي قلب لحلفائه من جماعة الاهالي والشيوعيين ظهر المجن، فأعتقل الجواهري ولم يخرج من السجن الا بعد اغتيال بكر صدقي واصدر صحيفة أخرى بأسم( الرأي العام). وكانت صحيفة البلاد لصاحبها روفائيل بطي هي الاخرى البوق القوي لبكر صدقي، بعد أن كانت تمجد بحكومة ياسين الهاشمي. بل أن بكر صدقي أرسل بطي الى القاهرة والشام، لحشد مجموعة من الصحفيين العرب من مصريين ومن بلاد الشام ودعوتهم الى بغداد للاشادة بنظام بكر صدقي، اضافة الى صحيفة( صوت الاهالي ) التي كان يرأس تحريرها عبد القادر اسماعيل البستاني الذي سخر الصحيفة لتمجيد انقلاب بكر صدقي، الا أنه في آخر الامر حينما تنكر صدقي للشيوعيين ، وشن حملة اعتقالات ضدهم، مما أضطر عبد القادر اسماعيل الى الهرب الى سوريا ومعه شقيقه الذي توجه الى باريس بعد أن سحب الفريق صدقي منهما الجنسية العراقية. وكذلك صحيفة العقاب التي كان يصدرها يونس بحري عام 1933 ومجلة الوادي لصاحبها خالد الدرة ومجلة حبزبوز الفكاهية المعروفة لصاحبها نوري ثابت.وكذلك صحيفة ( الدفاع) لصاحبها سركيس صوراني.
الصحافة الحزبية
ولا ننكر الدور السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي قامت به صحافة الحزب الشيوعي وخاصة صحف(كفاح الشعب) و(الشرارة) و(القاعدة) و( اتحاد الشعب) وكلها صحف سرية . كما أصدر الحزب الشيوعي عام 1954 مجلة( الثقافة الجديدة) واستمرت بالصدور. وعقب ثورة 14 تموز 1958 اصدر الحزب الشيوعي صحيفة ( إتحاد الشعب) ناطقة باسمه.
اما الاحزاب الكردية فقد أصدرت صحفا أبرزها صحيفة( شورش) أي الثورة وبشكل سري . كما كانت للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تأسس في 16 /8 / 1947 عدة صحف منها صحيفة(خه بات) أي النضال.كما صدرت في عام 1952 مجلة( ياري كردستان).
وفي نهاية الاربعينات من القرن الماضي صدرت صحيفة ( لواء الاستقلال) الناطقة بلسان حزب الاستقلال بزعامة الشيخ محمد مهدي كبة وكان مديرها المسؤول المحامي احمد فوزي عبد الجبار الذي شغل منصب معاون مدير عام وكالة الانباء العراقية منتصف ستينات القرن الماضي. كما صدرت صحيفة ( اللواء الجديد) لصاحبها فيصل حسون. وصحيفة( النداء)لصاحبها نور الدين داوود الذي شغل منصب رئاسة جمعية الصحفيين العراقيين التي تاسست آنذاك.وكذلك صحيفة( الجريدة) التي أصدرها فائق السامرائي أحد زعماء حزب الاستقلال، وذلك عام 1953
أما حزب البعث فقد اصدر عام 1953 صحيفة ناطقة باسمه وهي( العربي الجديد) وبعد ثلاثة اعداد تحولت الى صحيفة( الاشتراكي) وساهمت في نشر افكار الحزب واهدافه. وعقب حركة 8 شباط 1963 اصدر صحيفة( الجماهير) لسان حال الحزب وكان صاحب الامتياز كريم محمود شنتاف عضو القيادة القطرية للحزب، ورئيس تحريرها طارق عزيز.
وفي صحيفة اللواء الجديد كتب محمد صديق شنشل احد زعماء حزب الاستقلال وأول وزير ثقافة عقب ثورة 14 تموز 1958 مقالا بعنوان(نوري السعيد في الميزان) هاجم فيه نوري السعيد وسياسته مما أثار أستياء السعيد فهاج وماج وأتصل برئيس الوزراء آنذاك مزاحم الباجه جي معاتبا له. فأتصل الباجه جي بمسؤول الرقابة أحمد حامد الصراف الذي أخبر الباجه جي بأنه لم يقرأ المقال . فتم نقل الصراف الى مكتبة المتحف، وحل محله حسين الرحال الذي جعل الرقابة على الصحف قبل الطبع وبعدها. مما ادى الى تأخر صدورها.
كما كتب اسماعيل الغانم أحد قادة حزب الاستقلال مقالا في صحيفة الحزب ( لواء الاستقلال) بعنوان( سمطس الشرق الاوسط) تشبها بالجنرال سمطس الذي يمثل الاقلية البيضاء المتحكمة في جنوب افريقيا. وقال ان نوري السعيد أستباح اعراض العراقيين لجنود بريطانيا الذين كانوا يتجولون في بغداد عقب فشل حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 . وأستند الغانم في ذلك الى كتاب صادر عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وقعه نوري السعيد باعتباره وكيلا لوزير العمل والشؤون الاجتماعية الغائب سنة 1943، يسمح للجنود الانكليز بارتياد المبغى في منطقة الميدان . هذا المبغى الذي اغلقه الدكتور فاضل الجمالي سنة 1954 .
واصدر يوسف هرمز جمو صحيفة باسم( الشعب) عام 1947. واصدر نوري ثابت مجلة ( قرندل ) الفكاهية عام 1948
صحافة العهد الجمهوري
أول صحيفة صدرت عقب قيام ثورة 14 تموز 1958 هي صحيفة (الجمهورية) وذلك في الساعة الحادية عشر من صباح 17 تموز وباربع صفحات فقط. تضمنت بيانات الثورة والتشكيلة الوزارية ومجلس السيادة. إلا أنها تعطلت بأمر من(رئيس الوزراء) عبد الكريم قاسم في 5/11/1958 وأعتقال معظم العاملين فيها من قادة حزب البعث. الا انها عادت للصدور مرة أخرى عام 1964 ورأس تحريرها فيصل حسون نقيب الصحفيين.
وقد نجح الصحفيون عقب ثورة تموز 1958 باصدار قانون رقم 98 الخاص بشرعية العمل النقابي، وعقدوا مؤتمرهم الاول في 7 ايلول 1959 وأنتخبوا الشاعر محمد مهدي الجواهري أول نقيب للصحفيين العراقيين ، وأعيد انتخابه عام 1960 وأنضمت نقابة الصحفيين العراقيين الى منظمة الصحفيين الدولية.ونقابة الصحفيين العراقيين عضو مؤسس لاتحاد الصحفيين العرب.
كما صدرت في بداية عام 1959 صحيفة ( اتحاد الشعب) الناطقة بلسان الحزب الشيوعي العراقي. وكذلك صدرت صحيفة( الثورة) لصاحبها يونس الطائي صديق الزعيم عبد الكريم قاسم. وكانت تعبر عن سياسة الزعيم والجمهورية العراقية. اضافة الى وجود صحف (الزمان) لصاحبها ومؤسسها توفيق السمعاني و(الحرية) لصاحبها قاسم حمودي و(الاخبار) لصاحبها الاخوين جوزيف وجبران ملكون و(الشعب) لصاحبها يحيى قاسم و(البلاد) لصاحبها فائق بطي نجل مؤسسها روفائيل بطي و(الاحرار) لصاحباها عوني بكر صدقي وغيرها من الصحف والمجلات الاخرى.
ومن ابرز الكتاب انذاك عبد الجبار وهبي المعروف بعموده في اتحاد الشعب باسم ( ابو سعيد) وابو كاطع( شمران الياسري) في الصحيفة ذاتها.
وعقب صدور قرارات التأميم في تموز 1964 صدر قرار بانشاء ( المؤسسة العامة للصحافة) ترأسها أحمد فوزي عبد الجبار.
وفي عام 1964 صدرت كذلك صحيفة( صوت العرب) لصاحبها فوزي عبد الواحد و( المنار) لصاحبها عبد العزيز بركات الذي اعدم غدرا وظلماً عقب انقلاب 17 تموز 1968. وكذلك صدرت صحيفة( صوت العمال) وصحيفة( الشعب) المعبر عن تنظيم حزب البعث الموالي لسوريا. وصحيفة ( النصر) التي راس تحريرها عطا عبد الرحمن. و(صحيفة العهد الجديد) مستقلة لصاحبها حيدر فياض العاني. و(الزمان) مستقلة. و( الحرية) لصاحبها قاسم حمودي.
وفي عام 1965 صدر قانون تقاعد الصحفيين وتحقيق مكاسب لهم بـ 50 بالمائة من اجور وسائط النقل بالطائرات والعلاج وغيرها. وفي عام 1966 تمكنت النقابة من الحصول على اراض للصحفيين.
كما صدرت عام 1965 صحيفة( المتفرج) لصاحبها الفنان حميد المحل احد اعضاء فرقة الزبانية للتمثيل. وكذلك الفكاهة لصاحبها حميد المحل التي صدرت عام 1966.
أبرز الصحافيين
ومن أبرز الصحفيين الاوائل الصحافي ( ابراهيم حلمي العمر) الذي ولد في سوق الجديد ببغداد الكرخ عام 1885.كانت له موهبة كبيرة وكلمة فصيحة وعبارة صريحة. وكان يوصف بأنه أكبر صحفيي العراق آنذاك وأقدر الكتاب السياسيين والاجتماعيين ليس في العراق فحسب بل في سائر البلاد العربية. اختار مهنة الصحافة – مهنة المتاعب – وهو طالب في مقتبل العمر. بعد أن سهّل مهمته الصحافي سليمان الدخيل صاحب صحيفة الرياض الذي اتخذ اسمها من قاعدة نجد باعتباره شخصية عربية قادمة من منطقة القصيم في الجزيرة العربية، ودرس على يد بعض الاساتذة منهم محمود شكري الالوسي، وأتصل بالطبقة المثقفة والمفكرة المشتغلين بالسياسة. وهنا استعان الدخيل بطالب المدرسة الاعدادية ذي المواهب الكتابية الذي اعتاد أن يترك مدرسته ويعيش بين مكاتب الصحف، وهو الطالب ابراهيم حلمي العمر . وهنا تكشفت موهبة العمر من خلال صحيفة الرياض وأعطته ثقله الحقيقي. وحينما أصدر مزاحم الباجه جي صحيفة( النهضة) في 3/10/1913 عقب انعقاد المؤتمر العربي بباريس عام 1913 كصحيفة قومية طالبت بحقوق العرب، وأستمرت بالصدور حتى 31/5/1920 حيث سميت( العراق)، عهد بتحرير النهضة الى ابراهيم حلمي العمر الذي كان يعمل محررا في صحيفة ( الرياض). الا أن السلطات العثمانية لم تتحمل لهجة النهضة النارية فعطلتها وهرب صاحبها الباجه جي ومحررها العمر الى البصرة لاجئين لدى طالب النقيب . الا أن السلطات العثمانية أعتقلت ابراهيم حلمي العمر ونفته الى( تبليس) عاصمة جورجيا . ومن جورجيا انتقل الى بلاد الشام . كما أن العمر قد نجا من حملة الاعدامات التي نفذها جمال السفاح بقوافل الشهداء في بلاد الشام.بعد أن توسطت له جماعة من وجوه الشام من بينهم محمد كرد علي صاحب صحيفة( القبس) اذ كان العمر مراسلها في بغداد .ولم يكتف محمد كرد علي بالشفاعة للصحفي العراقي ابراهيم حلمي العمر عند جمال باشا، بل أوجد له رزقا بضمه الى جريدة ( الشرق).
وفي دمشق عمل في صحيفة الشرق. كما أصدر العمرهناك صحيفة باسم( لسان العرب) وذلك عقب دخول الجيش العربي الى سوريا بقيادة الامير فيصل بن الحسين . ثم انتقلت الصحيفة الى بغداد،بعد أن تبدلت الحال في العراق، وجعل عددها امتدادا لتلك الاعداد التي كانت تصدر في دمشق وهو العدد( 401) . وكانت المقالات الافتتاحية في لسان العرب مكتوبة بأسلوب بارع عز نظيره في صحف العراق آنذاك.وذلك بسبب كفاءته الكتابية.التي أثرت من خلال مقالاته مفاهيم الحرية والتعليم والتقدم وانضاجها. الا أنها توقفت في بغداد، وأصدر العمر صحيفة أخرى بأسم( المفيد) في 11/4/1922 حيث كان يكتب ثلاثة مقالات في اليوم الواحد وفي ثلاث صحف في آن واحد تختلف سياسة الواحدة عن الاخرى . الامر الذي ينم عن قابلياته المدهشة. وكتب في افتتاحيتها مقالا نقديا وناريا بعنوان( سوق النخاسة في جنيف) اهتزت له الاندية السياسية. فأصدر المندوب السامي البريطاني قرارا بتعطيل الصحيفة والقبض على صاحبها وابعاده. فاختفى ابراهيم العمر عن الانظار وفرّ الى ايران وعاد فاصدر المفيد مرة اخرى في 25/5/1942 بعد أن قاسى الهجرة والتشريد والحرمان. وفي أحد أعداد المفيد كتب العمر مقالا بعنوان( المستقبل المظلم) فغضبت الحكومة على الصحافي العمر لحملاته المتكررة . فالغت امتياز الصحيفة بحجة أن صاحبها صاحب البراعة الصحفية لا يحمل شهادة مدرسية عالية المفروض قانونا في المدير المسؤول للصحيفة السياسية حتى توفي في يوم الاثنين 12/1/1944 على أثر عملية جراحية رحمه الله ولا يملك شيئا يكفي لدفنه . فتكفل جميل المدفعي بمصاريف دفنه. وأعان نوري السعيد عائلته بمبلغ 150 دينارا.وان سيارته القديمة التي كان يقودها قد اشتراها من علي جودت الايوبي كان قد تبرع بها لاحد المجاهدين في فلسطين.
الأب الكرملي
ومن الصحفيين البارزين في العراق( الاب أنستاس ماري الكرملي) الذي ولد عام 1866 وتوفي عام 1947 وهو لأب لبناني وأم عراقية. وهو صاحب مجلة( لغة العرب) التي صدرت ببغداد عام 1911 . اذ كان الكرملي يعشق اللغة العربية لغة القرآن الكريم. درس في لبنان وبلجيكا وفرنسا واسبانيا. وعاد الى بغداد سنة 1894. عهدت اليه مدرسة الاباء الكرمليين تدريس اللغة العربية فنبغ فيها ونال اعجاب وتقدير الاخرين وهو لم يبلغ السادسة عشرة من عمره. وأصبح عضوا في أكثر من مجمع علمي عربي. وكان عضوا مؤسسا للمجمع العلمي العراقي.
مارس الاب انستاس ماري الكرملي الصحافة وله العديد من المقالات.
وللكرملي العديد من المؤلفات والكتب منها ( خلاصة تاريخ العراق) و( الفوز بالمراد في تاريخ بغداد) و( رسالة في الكتابة العربية المنقحة) و( كتاب علم النميات) اي النقود العربية.
صادق الازدي
هو صادق محمد قدوري . ولد ببغداد عام 1919 . عمل مصححا في جريدة الدفاع منتصف الثلاثينات من القرن الماضي لصاحبها سركيس صوراني كمصحح فيها براتب شهري قدره ثلاثة دنانير . ثم عين معلما في محافظة بابل. ثم في عام 1939 التحق بدار المعلمين الريفية حيث نال شهادة تؤهله للتدريس والتعليم.
ولما قامت الحرب العالمية الثانية كلفه صاحب جريدة النهار اليومية بتزويده باخبار العالم يلتقطها من الاذاعات مقابل مائة فلس يوميا مع علبة سكائر وكاس عصير شربت زبيب.
وبعد اعتقال صاحب النهار التحق الازدي بجريدة الاخبار لصاحبها جبران ملكون كمخبر محلي ومصحح لغوي براتب ثلاثة دنانير.
في عام 1947 اصدر الازدي مجلته الشهيرة ( قرندل) الهزلية واستمرت بالصدور حتى عام 1958.حيث عمل في صحيفة ( العهد الجديد) لصاحبها زكي احمد وترأس تحرير صحيفة( الحوادث) لصاحبها عادل عوني.. وعمل في صحيفة الجماهير الناطقة بلسان حزب البعث الحاكم عام 1963.
بعد ذلك عمل في صحيفة الجمهورية عام 1964 التي كان يرأس تحريرها فيصل حسون .كما عمل في صحيفة ( المنار) لصاحبها عبد العزيز بركات. مع استمرار عمله في الجمهورية الى ان احال نفسه على التقاعد عام 1974.حتى توفي في 11/8/ 1997 .
ومن الصحفيين العراقيين البارزين . الصحافي روفائيل بطي المولود في الموصل سنة 1907 وتخرج في مدرسة الاباء الدومنيكان العالمية . كما تخرج في كلية الحقوق عام 1929. رأس تحرير صحيفة( العراق) في عام 1924 فاصدر بالتعاون مع جبران ملكون عام 1929 صحيفة ( البلاد). واصدر بعد ذلك عدة صحف منها (صوت العرب) ( الاخبار) عام 1931 و( الجهاد) عام 1930 والتي اعاد اصدارها عام 1952 . ورأس تحرير صحيفة ( الزمان) لصاحبها ابراهيم صالح شكر التي تعطلت ونفي صاحبها الى السليمانية عام 1930..وكذلك اصدر روفائيل بطي صحف ( الزمالة) و( الربيع)
انتخب روفائيل بطي عضوا في مجلس الامة نائبا عن الموصل ثم نائبا عن البصرة واستقال عن البصرة وبقي نائبا عن الموصل . كما انتخب نائبا عن بغداد عام 1948 . كما فاز في الانتخابات للمرة السادسة عام 1952 . وشغل منصب معاون مدير الداخلية عام 1950 ثم مديرا عاما في وزارة الخارجية ومستشارا صحافيا في القاهرة. واصبح وزيرا في حكومة فاضل الجمالي اي وزير الدولة لشؤون الدعاية. ومكث وزيرا في وزارتي الجمالي الاولى والثانية ما يقارب الثمانية اشهر حتى توفي عام 1956 بالسكتة القلبية.
ومن الصحافيين البارزين جواد هبة الدين الشهرستاني. ولد في الكاظمية عام 1916 وتخرج في كلية الحقوق وتوفي عام 2005.وهو المدير المسؤول لصحيفة( الحارس) عام 1952 وصاحب صحيفة( الانباء) عام 1954 .
ومن الصحافيين العراقيين المميزين ابراهيم صالح شكر الذي اصدر صحيفة( الزمان) كما اصدر صحيفة اخرى هي ( الاماني) القومية الاتجاه. وترأس تحرير صحيفة( المستقبل) عام 1929.كما اصدر صحيفة( الناشئة) واصدر( الثغر) عام 1927 و( شمس المعارف) كما راس تحرير صحيفة ( الربيع)
ومن الصحفيين العراقيين احمد فوزي عبد الجبار الذي شغل منصب المدير المسؤول لصحيفة ( الجريدة ) التي اصدرها فائق السامرائي. انتسب الى حزب الاستقلال .كما عمل في صحيفة( اليقظة) لصاحبها سلمان الصفواني كما ترأس تحرير مجلة ( الحقوقي) التي اصدرتها جمعية الحقوقيين العراقيين منتصف الستينات وشنت هجوما على رئيس الوزراء انذاك عبد الرحمن البزاز واعتبرته خارقا للقانون.
هذا اضافة الى العشرات بل المئات من الصحفيين الرواد الاوائل الذين لم يسنح لنا الوقت لاستعراضهم مع كل تقديرنا لهم وللجهود التي بذلوها من اجل قول الحقيقة وانارة الطريق امام الشعب للسير نحو التقدم والتطور والامساك بناصية العلم والتكنواوجيا.
سيف الدين الدوري صحفي ومؤرخ عراقي مقيم في لندن