من خـلية غـيـورة عـلى بـيت الرب تـبـدأ شرارة الإصلاح

مايكـل سـيـﭘـي / سـدني

شـرارة الإصلاح هـنا ، موجّهة إلى بـيت الرب عامة ( المؤمنين والإكـلـيروس ) منـذ أنْ إنـتـقـل تلاميـذ المسيح من الموت إلى الحـياة الأبـدية وحـتى الـيـوم … وصراحة إنّ الـذي دفـعـني إلى كـتابة هـذا المقال هـو الـﭘـطـرك الكاردينال لويس الكـثير الإحـتـرام وكلامه عـن سنين سبعـينات الـقـرن الماضي ، إذ يقـول : 

(( بدأنا في الموصل تعـميم الخـدمة المجانية للأسرار الكـنسية ، ثم إنـتـشرت في عـموم العـراق )) … وتـصريحه الجـديـد قـبل أسبوع : (( أؤكـد عـلى أهمية عـيش الزهـد والتجـرّد ومجانية الخـدمة )) .

رغـم أن كلامه يستحـق أن يُـدرج ضمن عـجائب الـدنيا السبع ، إلاّ أني لستُ بصدد تأيـيـده أو معارضته … وإنما أريـد الـقـول أني إبن الكـنيسة منـذ نهاية الخـمسينات ، وقـريـب منها وواعـي منـذ ستينات القـرن الماضي وحـتى مغادرتي العـراق في 1992 ، لم أسمع خلالها بهـكـذا تعـميم أو تـوجـيه ولا حـتى دردشة بهـذه القـضية إطلاقاً ، بل بالعـكس قـرأتُ بنـفـسي في نهاية السبعـينات إعلاناً معـلـقاً عـلى لوحة في إحـدى الكـنائس الكـلـدانية خارج مدينة الموصل وبتـوقـيع مطران الأبرشية ، يوضح فـيه كـلـفة خـدمة الأسرار مفـصّلة من أجـل إطلاع وطمأنة المؤمنين عـلى أسعارها بأنها محـددة !

كـيـف يحـدث الإصلاح ؟ لم نـقـرأ عـن شعـب نهـضَ بكامله من نومه يوماً فـقام بثـورة فجأة … ولم نسمع عـن غابة إشـتعـلـت النيران فـيها لتغـطي مساحـتها المترامية الأطراف رأساً … ولا عـن مرض إنـتـشر بـين ملايـيـن من سكان البـلـد فـوراً … وإنما كانت لكـل تلك الأحـداث بـداية ! إستمرت بـبطء أو بسرعة حـتى أصبحـت شاملة .   

أما الـبـداية ، فـشرارة من قـدحة بسيطة يمكـنها أن تـسبب حـريقاً في غابة ، ومريض واحـد بمرض مُـعـدٍ ينـتـشر إلى شخـص بجـواره وبالتالي تـلحـق بكـل الناس إصابة ، وهـكـذا تـنـدلع الـثـورة عـلى الواقع المزري والظلم المجـحـف الـذي يمارسه أصحاب السلطة بصلافة ، حـيث يتـذمر الجـميع فـتـدفـعهم شجاعـتهم وتـثـيرهم غـيرتهم عـلى بـلـدهم فـينبري ذوي الجـرأة منهم للإنـقـضاض عـلى الحـكام القـساة لـتغـيـيـر الواقع المؤلم الـذي يعـيشونه . 

إذن ، لـنـتـذكــّـر المقـولة الشائعة بـين الناس عـلى لسان الرب وهـو يقـول للإنـسان (( منـك حـركة ومني بـركة ) ، فـكل تغـيـيـر بحاجة إلى بـداية للمباشرة بهـمّة وإقـدام ورغـبة للعـمل مِن أجـل الإصلاح والـتغـيـيـر نحـو الأفـضل ، وإلاّ فالمياه الساكـنة في حاويات مغـلقة تَـفـسد ، وإذا يـنجـمد من شـدة البـرد ، تـكـسر الجـدران فـتـتـبـدّد … 

وهـنا نـتـذكـر الرب يسوع : حـين وجـد في الهـيكل الـذين كانـوا يـبـيعـون بقـراً وغـنماً وحـماماً والصيارف جـلـوساً ، ثارت غـيرته عـلى بـيت الرب متـذكـراً مزمور داود (غـيـرة بـيتـك أكـلـتـني !! ) فـلم ينـتـظـر نهـوض جـميع تلاميـذه معه ! وإنما صنع سَـوطاً من حـبال وطرد الجـميع من الهـيـكل ، الغـنم والـبقـر ، وكـبَّ دراهم الصيارف وقـلـب موائـدهم وقال لـباعة الحـمام : إرفـعـوا هـذه من هـنا ، لا تجـعـلـوا بـيت أبي بـيت تجارة !!!!! .

أكـرر ، لولا تـصريح الـﭘـطريرك بشأن عـيش الزهـد والتجـرّد ومجانية الخـدمة ما كـنـتُ أكـتب هـذا المقال .

تـنبّأ المسيح مـوَبّخاً بصورة غـير مباشرة قائلاً (( تـرى ، متى جاء إبن الإنـسان ألعـله يجـد الإيمان عـلى الأرض ؟ )) . فإسمحـوا لـنا بسؤال : لـو جاء الرب الـيـوم إلى معـظم بـيـوته ماذا سـيرى ؟ سـيلاحـظ عـملية الـقـرعة عـلى بطاقات يانـصيب سـيارة بـدلاً من الصيارف ــ والـﭘـطريرك لـويس حـضر إحـداها فـرفـرف روحه معها وسال لعابه لها ! ــ …. بـيع الحـلـويات عـوضاً عـن الغـنم والسـنـدويـﭼات بـدلاً من الـبـقـر …. وتأجـير اللعـب للأطفال بـدلاً من الحـمام …. المسيح سـفـك دمه عـلى الصليب مجاناً من أجـل الجـميع حُـباً ، ووكلاؤه يُـصلـّـون بالإجـرة أمام الصليب ويقـبضون أجـرتهم مسبقاً ……… لـنـطـّـلع عـلى المواقـف التالية ولكـن بـدون زعـل :

(1) في عـهـد ما قـبل المطرانية / سـدني ، شاءت الصدفة أن أحـضر جـلسة بسيطة مع كاهـن وصديق في دار أحـد معارفي ، قال لي صديقي مازحاً : أما كان أفـضل لك لو أصبحـتَ كاهـناً إنه أفـضل بـزنـز ــ تجارة ؟ … رد عـليه الكاهـن مباشرة دون إنـتـظار قائلاً : الكاهـن ليس تاجـراً ولا موظفاً وإنما مكـتـوب : مَن يخـدم المذبح يأكـل من المذبح !! … وهـنا قاطعـته وقـلـتُ له ، إنّ مار ﭘـولس يقـول (( نحـن نعـمل في الليل والنهار لـئلاّ نـثـقِـلَ عـلى أحـد منـكم )) ، لماذا لا تـذكـر هـذه ؟ … سـكـت الكاهـن .

(2) في أحـد إجـتماعات الشمامسة مع سيادة المطران جـبـرائيل كـساب ، تحَـدث المطران عـن خـدمة المـذبح فـقال مازحاً : إخـوتي الشمامسة ، أنـتم زينة المذبح تـتـعـبـون ونحـن نـقـبض !! فعـقـبتُ عـليه مازحاً أيضاً : ولماذا لا تخـصصون للشمامسة نسبة مما تـقـبضون ؟ … سكـت المطران .

(3) مصدر موثوق 100% كـلّمني عـن : …. كاهـن ذاع صيته المادي في كـنيسة كلـدانية ! فـنـقِـل إلى كـنيسة كلـدانية ثانية في نـفـس الأبرشية ، وهـناك طلب أو إقـتـرح أن تـمرّر التبسية ــ الصينية ــ عـنـد الشمامسة الـذين يخـدمون المـذبح أثـناء الـقـداس لـيضعـوا فـيها الـنـقـود !! ..

أقـول لهذا الكاهـن : إن مسألة التبرّع بل وحـتى الإشتـراك السنـوي لدعـم بـيت الرب هي مسألة شخـصية تخـص المؤمنين روّاد بـيت الرب بكامل حـريتهم لا تـتـطـلـب نـقاشاً إطلاقاً ، وإذا تـوجـد ــ مخالفة قانـونية ــ بهـذا الشأن فهـناك محاكم الـدولة … ولكـنـنا نسألك : أنت كم تـضع في الـتـبسية أثـناء الـقـداس يا نيافة الكاهـن الشهم خادم المذبح ؟ . 

* قـبل إثـنـتي عـشرة سنة ( 2006 ) حـضرتُ مراسيمَ زفاف ــ بـوراخا ــ في كـنيسة كاثـوليكـية لاتينية / سـدني لعـروسَـين من جـماعـتـنا ، وفي الخـتام تـقـدم العـريس وأنا برفـقـته إلى كاهـن الكـنيسة مستـفـسرين عـن الرسوم الواجـب دفـعها ( أو تعـب الكاهـن ) فإبتسم قائلاً : ذلك صنـدوق أمامكم ضعـوا فـيه ما تـشاؤون !!! فـوضع العـريس فـيه مبلغاً من المال بمحـبة وقـناعة بـدون كـتابة إسمه .  

عـلى كـل حال ( إللي فات مات ) ، فهـل من قـدحة اليوم تـشعـل نار الغـيرة عـلى بـيت الرب لـتعـيـد الكـرامة المجانية لـدم المسيح ؟….

************************

لـقـد ولـت أيام عـزة الـنـفـس للـﭘـطريرك الراحـل ﭘـولس شـيخـو الـذي كان له بُـعـد نـظـر ! حـين رفـض عـرضاً من السلطات المُرعِـبة أن تمنح للكهـنة ــ راتباً ــ من خـزينة الـدولة ( لأنه يتـوقع تـداعـياتها ) ، كما رفـض وبتحـدّي تـدريس الـقـرآن لطلابنا المسيحـيـيـن ــ وهـو مستعـد أن يكـون شهـيـداً لإيمانه في أية لحـظة ــ ولم يتـمـلق لأحـد ولم يستـرخـص نـفـسه أمام أي مسؤول حـكـومي في أي حـوار فارغ ، لأنه لم يخـدم سـيـدَين !!! … وقـبْـله الراحـل البطريرك عـمانوئيل تـومكا الـذي أبى أن يستمتع بحـياته الشخـصيةً الطبـيعـية الـيـومية طالما الأثـوريـون في محـنة ( 1933 ) إلى أن حـلّ مشكـلتهم وبجهـوده صدرَ العـفـو العام عـنهم …. متـذكـراً قـول الرب يسوع المسيح : كـل ما تـفـعـلـونه لأحـد إخـوتي هـؤلاء ، فـلي تـفـعـلـونه .

وبهـذا الصدد دعـونا نـتـتـبّع خـطوات الـﭘـطرك الكاردينال الموقـر لـويس روفائيل الأول الـذي إستـقـبل جـمعـية تهـتم بمساعـدة الكـنائس الشرقـية ــ رواكـو ــ بتأريخ 22 حـزيران 2018 لـنـفحـص مدى صدقه حـين كـتب مقالاً بعـنـوان : (( عـلينا أن نعـيش الزهـد الإنجـيلي في ظـروف شعـبنا القاسية )) ، ويقـول فـيه :

(( إن كـنيستـنا الكلدانية والكـنائس العـراقـية الأخـرى عاشت على إمتـداد تأريخها، فـترات إضطهاد وزهـد وفـقـر …. مقـراتـنا بسيطة وكـنائسنا متواضعة حتى أننا لا نملك الى اليوم بناية بطريركـية لأن مقـرنا الحالي تعـود ملكـيته إلى الراهـبات بنات مريم ….. أؤكـد عـلى أهمية عـيش الزهـد والتجـرّد ومجانية الخـدمة … )) .. إنـتهى    http://saint-adday.com/?p=24722

وكان الـﭘاﭘا فـرانسيس قـد سـبقه وقال :

(( ثمة في الشرق الأوسط خـطيئة عـدم التوافـق بين الحياة والإيمان . خـطيئـتـنا تكمن بوجـود بعـض ــ ربما ليسوا كـثيرين ــ كهنة وأساقـفة ومؤسسات رهبانية ممّن يدّعـون الـفـقـر ، لكـنهم يعـيشون الثراء . ولهـذا أتمنى من هـؤلاء ــ الأغـنياء المتـرفـين ــ  سواءً كانوا كهـنةً أو أساقـفة أو بعض جماعات رهبانية أو مسيحـيـين عاديـين ، أن يتخـلّـوا عـن بعض ثيابهم لصالح إخـوتهم وأخـواتهم …. وهـذا هو مِن صُـلب الحـياة الروحـية التي يجـب عَـيشها )) …… إنـتهى كلام البابا

ثم يضيف الـﭘـطرك :

((( كلام البابا فـرانسيس هـو تحـذير لنا ، وأضم صوتي بقـوّة إلى صوته ، لنبقى أمينين للإنجـيل ، ولدعـوتـنا الكهـنوتية لنسلك بحـرية في حـياتـنا اليومية “ في سبـيل الروح ” ……. وينبغي لنا ككهنة بكل مراتبنا ومؤسساتـنا الرهبانية أن نعـيش الزهـد الإنجـيلي في ظروف إقـتصادية قاسية يعـيشها حالياً مواطنونا : كحالات فـقـر ، مرض ، بطالة ، تردي الخـدمات ، وجـود أيتام وأرامل ….. معاناة كـبيرة جـداً ، تُـتـعِـب مواطنينا وتـقـلـقهم وتـدفعهم إلى الهجـرة .… لذا ، يتوجـب عـلينا في هذا الوقـت أن نـشعـر بهم ونساعـدهم على البقاء والرجاء بمشاريع تخدمهم ، بدلاً من أن نـنشغل في خلق مشاريع كـبـيرة إستـثمارية لصالح مؤسساتـنا الكـنسية ))) …. إنـتهى

إنّ الـﭘـطرك الكاردينال لـويس … صادقٌ بعـض الشيء وإلى حـد ما في مقاله ! حـيث يسـوّقه من أجـل التخـدير الـيـومي لـلـوﮔـيّـيـن ، وللإستهلاك المحـلي للمارّين …. ولكـنـنا نـقـول له : 

إنْ أردتَ أن تعـيش الزهـد الإنجـيلي في ظروف شعـبنا القاسية ( حـسب تـوجـيهـك ! ) ولإثبات كلامك يا صاحـب الـفـضيلة ، إخـتـصر عـدد سـفـراتـك بالطائرات ووفــّـر غلاءها بتـذاكـر الإقـتـصاديات ، قـلل من نـفـقات دعـم أنـشطة السياسيات ، وبـدلاً من ذلك أعـرض مركـبتـك المـدرّعة للـبـيع في سوق المزايـدات ووفـر رواتب الحـراسات ، لتخـفـف من حالات الفـقـروالمرض والبطالات ،والأيتام والأرامل وتردّي الخـدمات، ونحـن بإنـتـظار ما تـقـوم به من إجـراءات لنـرفع رايتـك إلى أعالي السماوات .

وسؤال مباشر إلى الـﭘـطرك الكاردينال لـويس المحـتـرم : أنا أسمع عـن رَهـبة المطارنة منـك في جـلسات السنـهادس ( كأنـك بُـعـبُـع ) وعـن ستـراتيجـية تـجَـدّدك ورغـبتك في نـشر الغـسيل بـدليل بـيانـك المنـشور عـلـناً عـن إخـتـفاء أموال ــ نـقـود وممتـلكات ــ من إبرشيتي البصرة وبغـداد وإلى آخـره ……  طـيب هـل يمكـنـك أن تـفـرض عـلى جـميع الأبرشيات الكـلـدانية ، قـفـزة نـوعـية إدارية وذلك بأن تعـرض عـلى لـوحة الإعلانات رقـم الحـساب المصرفي الخاص بالأبرشية لغـرض التبـرّع فـيه مباشرة لمَن يـرغـب ؟ عـلماً أنه لـن يكـون بإمكان أي شخـص الإطلاع عـلى ما بـداخـله ، فلا تـكـشف الأسرار ولا هم يحـزنـون ؟ .

وأخـيـراً ( الـﭘـطرك يـدوس بالبطـن ويـﮔـولـون ليش تحـﭼـي )  … كاهـن من معارضي الـﭘـطرك عـلـناً ، يقـول (( نحـن موظـفـون ! )) ، والـﭘـطـرك عاجـز أمامه لم يعاقـبه بل أكـرمه ــ بحجة إبعاده عـنه ــ بما يشتهـيه كـل كاهـن كـلـداني في العـراق !!! …. لكـن الـﭘـطـرك نـفـسه ، الحاكم عـلى الكـنيسة ، أبعـدَ عـن كـنيستـنا الكـلـدانية خادمَي المذبح الصادقـين الأبـوَين نـوئيل وﭘـيـتـر بحجة فـطيرة ، شنهي هـيّة يابا ؟ يريـدهما قـريـبَـين منه في بغـداد … بشـرفـكم أليس هـذا تـناقـضاً ! فـكـّـر في ذلك بضمير حي قـبـل نـومك .  

************

كاتب آخـر …  (( مكـتبات البـيع في الكـنيسة الكـلـدانية ))

http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=814723.0