تعرّضت اللغة الكلدانية (اللهجة الشرقية من الآرامية) الى محاولات أقصائية في وجودها وتاريخها , ومع الأسف على يد البعض من أبنائها الكلدان الذين أنبهروا بقرار مجلس قيادة الثورة رقم 251 في 16\4\1972 الخاص بما أُطلق عليه ” منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية ” وأعتبروه مكسباً قومياً وهم غافلون عن النتائج المُدمّرة التي ستنتج عن هذا القرار الذي كانت أولى نتائجه القفز على التسمية الكلدانية وبوجود أمة لها لغتها وتاريخها الحضاري والعلمي وكانت تعتبر القومية الثالثة في العراق بعد العربية والكردية ضاربين عرض الحائط مصادرهم التاريخية من كتبهم المقدسة ومن رجالات كنيستهم العظام الذين دعموا نظرياتهم في أصالة اللغة الكلدانية بالبراهين والأدلة الموجودة في كتبهم وطقوسهم الكنسية والذين تغنّوا بهذه اللغة المقدسة في تراتيلهم ومزاميرهم وأشعارهم الكنسية , والغريب أن هؤلاء البعض من أبناء الكنيسة الكلدانية والذين يرددون التسمية السريانية للغتهم الكلدانية في حلقات حواراتهم وكتاباتهم ومناقشاتهم في المؤتمرات التي تتحدث عن اللغة , هم نفسهم يستخدمون التسمية الكلدانية كلغة في مواعظهم التي يلقونها للمؤمنين في الكنائس !!!
1- أسم السريان
أولا – يذكر مثلث الرحمات المطران أوجين منّا مستندا على وقائع تاريخية في مقدمة قاموسه ” دليل الراغبين في لغة الآراميين- قاموس كلداني – عربي ” أن السريان عموما شرقيين كانوا أم غربيين , لم يكونوا في قديم الزمان يُسمون سرياناً بل آراميين نسبة الى جدهم آرام بن سام بن نوح . يذكر أن, أولاد نوح ( سام– عيلام – آشور– أرفكشاد – لود – وآرام ) وأن أرفكشاد الأبن الرابع لنوح هو جد القبائل العرب اليقطانية ” القحطانية ” وجد الكلدانيين (كهنة وحكماء بابل) أستنادا لمفسّري الكتاب المقدس وما ذكره المؤرخ الشهير يوسيفوس , وأن أرفكشاد أنجب شالح, وشالح ولد عابر , وعابر ولد فالج الذي من نسله جاء أبراهيم أبو شعب الله , أي أن جد الكلدانيين أرفكشاد ( أبن سام ) هو كذلك جد أبراهيم, وأن أبراهيم الذي من نسله جاء شعب الله هو كلداني مما يعني أن شعب الله العبراني هو كلداني الأصل ويدعم هذه الحقيقة أيضاً ما ورد في سفر يهوديت الأصحاح الخامس , الأعداد 6 – 23)).
وسوف نستمر في الأعتماد على الدلائل والأثباتات التي تدعم هذه الحقائق , مع ملاحظة أن أي ذكر لكلمة السريانية دون ذكر عائديتها للشرق أو للغرب في هذا المقال, يُقصَدْ بها الآرامية , ويستطرد المغفور له المطران أوجين مَنَّا في قاموسه فيقول :
ثانياً – أن أسم السريان ( اللهجة الآرامية الغربية ) لا يمكن أن يرتقي عهده الى أكثر من اربعمائة أو خمسمائة سنة قبل التاريخ المسيحي خلافا لمن يحاول أن يجعل أسم السريان قديما أصيلاً للآراميين.
ثالثا – أن أسم السريان لم يدخل على الآراميين الشرقيين ( الكلدان والآثوريين ) الاّ بعد المسيح على يد الرسل الذين تلمذوا هذه الديار , لأنهم كانوا جميعاً من سوريا فلسطين .
2 – البلاد الناطقة بالأرامية تُقسَم الى قسمَين شرقي وغربي , وهذه القسمة يمكن أعتبارها على ثلاثة أوجه أي : طبيعية – مدنية – كنسيّة. فمن الناحية الطبيعية تشمل البلاد الشرقية جميع البلاد المحدودة بنهر الفرات غرباً وبلاد الأرمن شمالاً ومملكة العجم شرقاً والخليج الفارسي ( العربي ) وجزيرة العرب جنوباً, وأنه من المعلوم الذي لا يشوبه أدنى ريب أن البلاد الأصلية في مملكة الكلدان ( سواء كانت بابلية أو آثورية ) كانت البلاد المذكورة أعلاه , أما البلاد الغربية فتشمل على ما وراء نهر الفرات الى البحر الأبيض المتوسط أي البلاد المعروفة اليوم بسوريا. أما القسمة المدنية فالبلاد الشرقية كانت تمتد أينما أمتدت الدولة الفارسية , والبلاد الغربية كانت محصورة في حدود المملكة الرومانية . والقسمة الكنسيّة لا تخالف القسمة المدنية , فأن سلطة بطركية بابل كانت تشمل القسم الشرقي من بلاد الجزيرة أي نصّيبين ولواحقها , وقسم من بلاد أرمينية وآثور ومادي وفارس وبلاد العرب والقطريين والهند والصين أيضا , وأما البطريركية الأنطاكية أذا أعتبرناها سريانية فلم تكن مسؤولة الاّ على سريان القسم الغربي من الجزيرة , وسوريا الداخلة فقط.
2 – اللغة
يستمر المثلث الرحمات المطران أوجين مَنَّا في قاموسه أعلاه ومستندا على المصادر التاريخية فيذكر بخصوص اللغة , “أما لغة هذه البلاد فتقسم الى لهجتين شرقية وغربية , أما الشرقية فهي لغة الكلدان الكاثوليك والنساطرة ( يقصد الآثوريين ) أينما كانوا , وهي اللغة الآرامية الصحيحة القديمة المستعملة يوماً في مملكتَي بابل ونينوى العظيمتين والجزيرة والشام ولبنان وما يجاور هذه البلاد كما يقرّ بذلك الخبيرون من الموارنة خاصة وكما أثبته العلاّمة المثلث الرحمات المطران أقليمس يوسف داود في مقدمة نحوه السرياني العربي . أما اللغة الغربية المعروفة في زماننا بالسريانية , بلا قيد فهي لغة الموارنة والسريان الكاثوليك واليعاقبة حيث وجدوا , وهذه لا نجد أثراً لأستعمالها في جميع البلاد الآرامية ما خلا جبال طور عابدين في قرب ماردين , وهذا أيضاً بيّنه جلياً المثلث الرحمات المطران يوسف داود في مقدمة نحوه”
3 – اللغة الكلدانية – لغة أهل الجزيرة حتى الرها .
أن أهل الجزيرة حتى الرها التي ينسب الغربيون المتأخرون لغتهم لم يكونوا يلفظون اللغة الآرامية لفظة الغربيين (السريانية) بل لفظ الشرقيين (الكلدانية) وهذا أمر مؤكد والأدلّة كثيرة منها.
أولا – ما نُقِلَ الى اللغات الأجنبية من أسماء الأعلام المستعملة في الرها ونواحيها فأنها كلها على لفظ الشرقيين (الكلدان) لا على لفظ الغربيين (السريان) فمن ذلك مثلا (( رُها لا روهو :: بَردَيصان لا بَردَيصون :: أدَّى لا آدى :: عَبْشَلاما لا عَبْشَلومو :: بَرسَميا لا برسميو :: عبدا لا عبدو :: حَبيب لا حابيب :: كوريّا لا كوريو )) والكثير من الأسماء الأخرى .
ثانياً – ما نصّ عليه في مبادىء الجيل السابع يعقوب الرهاوي الشهير في نحوِهِ أذ عَدَّ حركات اللغة الآرامية سبعاً كما عند الشرقيين ( الكلدان ) وحَصَرَها في هذه الجملة (( ܒܢܝܼܚܘܼ ܬܸܚܸܝܢ ܐܘܺܪܗܵܝ ܐܸܡܲܢ )) بينما الحركات عند الغربيين ( السريان ) خمسٌ , وأذا دققنا النظر في الجملة المذكورة نلاحظ أن قائلها نطق بها على طريقة الشرقيين ( الكلدان ) أي (( بْنيحو تِحّان أرهاي أِمَّن )) وليس كما يلفظها الغربيون ( السريان ) (( بنيحو تيحان اورهوي آمان )) .
ثالثاً – للقديس أفرام المعظَّم الكلداني الذي أطلِقَ عليه لقب السرياني تجاوزاً تسبحة جعل أوّل كل بيت منها حرفاً من أحرف أسم يسوع المسيح الكريم (((ܐ )ܝܼܫܘܥ ܡܫܝܼܚܵܐ )) فالبيت الأول بدأه بالياء والثاني بالألف (أو الهمزة) والثالث بالشين وهلم جرَّا. وهذا دليل صريح أن القديس أفرام المعظّم كان يلفظ ويكتب أسم يسوع المسجود له كالشرقيين (الكلدان) اي ((ܐ)ܝܼܫܘܥ ) بألف دقيقة وليس ( ܝܸܫܘܼܥ ) كالغربيين ( السريان والا لما جعل البت الثاني مبتدأً بالألف . وهذه التسبحة محفوظة في طقس الكلدان وهي : ( ܢܘܼܗܪܵܐ ܕܢܲܚ ܠܙܲܕܝܼܩܸܽܐ ) .
رابعاً – الدليل الرابع القاطع الذي يرفع كل شبهة ما ورد في سفر التكوين الفصل الحادي والثلاثين , العدد السابع والأربعين , وهو أن لابان الحرّاني وأبن أخته يعقوب أبا الأسباط , أقاما رُجمةً من حجارة تكون شهادة على عهد ضرباه بينهما فسمّاها لابان بلغته الآرامية الكلدانية ( ܝܼܓܲܪ ܣܵܗܕܺܘܼܬܼܵܐ) وسمّاها يعقوب بلغته العبرانية ( جلعاد أو جلعيد ) فهذه الجملة التي نطقَ بها لابان الجزيري الحرّاني بنحو ألف وخمسمائة سنة قبل المسيح هي آرامية شرقية أي كلدانية لأنها ملفوظة بالعبرانية والعربية وغيرهما ( يْغَر ساهدوثا : كالشرقيين ( الكلدان ) وليس (( يْغَر سوهدوثو )) كالغربيين (السريان).
خامساً – ويظهر من ذلك أن لغة أهل الرها والجزيرة بأسرها كانت دائما لغة الشرقيين ( الكلدان ) لا لغة الغربيين ( السريان ) , ومن ذلك يظهر خطأ مَن أدّعى أن القديس أفرام سريانياً غربياً , لأننا أن لاحظنا وطنه ومنشأه فهو شرقي لكون مسقط رأسه مدينة نصيبين التي كانت أعظم مطرانيات الكلدان , وأن البلدة التي قضى جانبا من حياته , وفيها أنتقل الى جوار ربه فهي الرها التي وأن كانت تحت حكم الملوك الروم الا أنها كانت حقاً مدينة شرقيّة , ناهيك عن مدرستها العظيمة الشهيرة أنشأها القديس أفرام للشرقيين ( الكلدان ) ولذا سُميت مدرسة الفرس .
وأخيراً فأن وجود السريان في بغداد حديث العهد لا يرتقي الى بداية القرن السابع الميلادي , فقد ورد في موقع أبرشية السريان الكاثوليك في حلب في قسم ( الأبرشيات السريانية في العالم – أبرشية بغداد ما نصّه (( في مطلع القرن السابع عشر، عندما بدأ المسيحيون يقصدون بغداد للتجارة في عهد السلطان أحمد الأول (1603 – 1617) بدأت تتكون في هذه المدينة جماعة سريانية اتبعت، منذ نواحي 1630، المذهب الكاثوليكي على يد الرهبان اللاتين. وفي عام 1790 أسس السريان أبرشية مركزها الموصل باسم أبرشية بابل لتشمل أيضاً بغداد والبصرة وجزيرة ابن عمر. وفي أوائل القرن التاسع عشر ازداد عدد السريان في بغداد والبصرة بفعل هجرة عائلات سريانية من الموصل ومن ماردين وقراهما. وبقي أساقفة الموصل يتولون رعاية السريان في بغداد فيزودونهم بكهنة لخدمة النفوس هناك. وقد بنيت أول كنيسة في بغداد على اسم العذراء “سيدة النجاة” بهمة المطران غريغوريوس عيسى محفوظ الذي كرّسها في 2 كانون الثاني عام 1842))
بطرس آدم