Articles Arabic

مقترح إضافة قاعة “الحضارة المسيحية العراقية” في المتحف العراقي

 الحق من يعرفني جيداً، يعرف بأن مجال تخصصي هو الفن التشكيلي والتاريخ الرافدي، لذلك كان من البديهي أن أخصص جّل الوقت الذي أقضيه بعيداً عن مرسمي (آتيليه أي)، في العملِ والبحثِ في مجال التاريخ والتراث الرافدي، وأيضاً في كيفية رفع الغبن العظيم الذي يجثو مثل كابوس على قلوب سكان العراق الأصليين (الكلدان).

يعرف المقربون مني أيضاً، بأنني لم أكن في يوم من الأيام معنياً بالشأن السياسي أو الديني اللذين أتحاشى الخوض فيهما بسبب تعقيدهما وحساسية تناولهما في وسائل الإتصال الحديثة التي ساوت بين المثقف الرصين ومن يحاججون في الشأن الثقافي وهم يكتبون (لاكن وأنتي ونحنو)، جراء إنحدار المستويين (التعليمي والثقافي) في العراق منذ فترة الحملة الإيمانية منتصف تسعينات القرن المنصرم، أي منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود!

أن ما دعاني إلى طرح موضوع إضافة (قاعة الحضارة المسيحية) ضمن قاعات المتحف العراقي الذي قد يلوح في ظاهره دينياً، إلا أنه إذا ما قمنا بتحليله موضوعياً، ليس أكثر من دعوة وطنية وتاريخية، تسعى إلى إيجاد أرضية تعليمية مختصة بتاريخ وطننا الأم العراق (ما بين النهرين/ بيث نهرين). ناهيكم عن أن هذه الدعوة تنطلق من أهمية إحقاق الحق المستلب من المكون المسيحي العراقي.

الحق، أن الصمت غير المبرر من قِبل الرئاسات المسيحية العراقية التي تفتقر إلى جرأة الخطاب الجمعي، سواء تلك المحسوبة على الدولة (الوقف المسيحي) أو المؤسسات الدينية الكنسية التي تتحاشى الخوض في هذا الموضوع لأسباب معروفة، لاسيما بعد التغيير الجيوسياسي الذي حدث في عام 2003م، إنما يعدُ كارثة وطنية، لذلك قررت أن آخذ الأمر على عاتقي، حيث قمتُ بتاريخ 18 نيسان 2025م بالإتصال بالمسؤولين العراقيين من أجل إضافة (قاعة التاريخ المسيحي العراقي) ضمن قاعات المتحف.

بخاصة وأن وجود هذه القاعة المهمة ستسد فراغاً كبيراً في مناهج تاريخ العراق (الذي أقتطع منه قصداً) تاريخ إزدهار المسيحية الرافدية من ناحية، ومن ناحية أخرى سيكسر وجود ثقافة عراقية أصيلة حاجز الجليد غير المبرر ما بين المكونات العراقية ويزيل جدار تغريب حضور السكان الأصليين الذي فرضته الأجندات (العربإسلامية) الحكومية، لاسيما، بعدما تبنى الدستور العراقي المعدل في زمن حزب البعث (عبارة أن الإسلام هو دين الدولة) الذي أستعاره البعثيون من دستور عبد الناصر المتأثر بحركة الأخوان، وذلك من أجل التعتيم على التاريخ المسيحاني العراقي وتهميش المكونات غير المسلمة.

من البديهي أيضاً، أن إضافة (قاعة التاريخ المسيحي العراقي) المهمة هذه، ستساعد دونما نقاش على تنمية مكانة وحضور المتحف من خلال زيادة أعداد الزوار وتوفير الدعم المادي اللا محدود الذي يمكن أن تقدمه المؤسسات الدولية المعنية بالتراث الإنساني عامة والتراث المسيحاني ثانية، ويجعل من المتحف منارة حقيقية للعلم ومنطلقاً واقعياً للتسامح الوطني. أدناه نص المراسلة، علماً بأن الهيئة العامة للآثار والتراث قد أستجابت (مشكورة) وفوراً عبر المخاطبة السريعة التالية: ” اهلا بكم وشكراً لمقترحكم الذي سيتم تقديمه الى السادة المسؤولين في الهيأة”.

نص المراسلة:

السيدة لمى ياس الدوري مدير عام دائرة المتاحف العامة المحترمة

السيد رئيس الهيئة العامة للاثار والتراث علي عبيد شلغم المحترم

السيدة د. أميرة عيدان مدير المتحف العراقي المحترمة

تحية طيبة

من أجل إشاعة الفكر الوطني العراقي الحر والنظيف، ينبغي إضافة قسم (الحضارة المسيحية) العراقية والذي يبدأ مع مطلع القرن الأول الميلادي (كنيسة كوخي) ولا ينتهي بفترة الغزو الإسلامي للعراق في عام 636م، بل تواصل حتى نهاية العصر العباسي الخامس، بدليل أن مأذنة الملوية التي تشبه برج قرص الكاهنة أنخيدونا أبنة الإمبراطور سرﮔون الأكدي، هيّ (الملوية) كما يعرف المختصون من تصميم وعمل المعمار (الكلداني) دليل بن يعقوب النصراني.

جدير بالذكر، أن هنالك في العراق علاوة على الكنائس والأديرة التاريخية في المدائن والنجف وكربلاء وكشكر (قلعة سكر) وميشن (ميسان/العمارة)، العديد من المعالم المسيحية التي أقرتها اليونسكو كمعالم تراثية، ناهيكم عن الأديرة والكنائس في بغداد والبصرة ونينوى، هنالك أيضاً شواهد قبور مكتوبة بالآرامية وأخرى بالقلم الكلداني الهجائي الذي أبتكر في عهد الملك نبوخذنصر الثاني الذي أكتشفه السير ليونارد وولي في أور الكلدان.  علاوة على مخطوطات للكتاب المقدس ومخطوطات مسيحية في شتى المعارف الإنسانية بالقلمين الأسطرنجيلي والمدنحا، لاسيما في العصر العباسي الذهبي، كما أن هنالك العديد من المسكوكات والحلي التي لا يوجد مثيل لها.

كما تعلمون فأن هنالك ثلاث قاعات للحضارة الإسلامية رغم أنها فعلياً لم تتجاوز في العراق غير 500 سنة 750 – 1250م، ناهيكم عن تأثيرها الحضاري العملي قد أنتهى مع مطلع العصر العباسي الثالث 944م. لذلك أتمنى أن تكونوا موضوعيين في عروضكم وإنسانيين عراقيين في رؤيتكم وتخصصوا قاعة للآثار والتراث المسيحي العراقي الذي وصل تأثيره إلى حدود الصين واليابان.

دمتم وكادر المتحف الذي له مكانة خاصة في قلبي، لاسيما سنتي تطبيقي في مختبر المسماريات بإشراف أستاذتي اللامعة د. بهيجة خليل إسماعيل “رحمة ربنا عليها”.

بكل محبة وإحترام،

~ د. عامر حنا فتوحي

www.ChaldeanLegacy.co

About the author

Kaldaya Me

Add Comment أضف تعليق

Click here to post a comment

Follow Us