نبوبولاصر الحسيني – العراق
يبدو إن الافتراءات والمراوغة واستخدام المواضيع المزورة في طرح أي مادة يُراد لها الانتشار والاشتهار في عالم التواصل الاجتماعي أصبحت من الوسائل الزهيدة التي يفتخر بعض ضعاف النفوس وفارغي الرؤوس من التعامل فيها وتوظيفها لصالحهم,وذلك للوصول إلى طريقة يعبّرون فيها عن جهلهم وفراغهم النفسي وسط هذا العالم المليء بالمبدعين والخائفين والناقمين والفارغين والتافهين،وقد يكون ذلك السلوك المُصطنع هو تنفيس سيء أو ترويح للانفعالات الزائدة وللعاطفة المكبوتة والحاجة إلى حب الظهور والهروب من الشعور بالتهميش والدونية،لذلك تحولت وسائل التواصل الاجتماعي لوكالة من دون بواب ولا رقيب،ويمكن لأي شخص مهما يبلغ حجم ثقافته ونواياه أن يدخل هذا العالم ويمارس ما يحلو له!! ومن الملاحظات التي تُبين ضحالة الثقافة المتردية والأفكار الفاسدة التي انتشرت في السنوات الاخيرة في جميع وسائل التواصل هو العبث بتاريخ العراق سواء كان عن قصد أو دون قصد ومن يقوم بذلك هم أبناء البلد الواحد تحملهم غايات متناقضة ومقاصد تنمّ عن جهلٍ لا يستحق أن يتصف بها شعب تاريخه عريق وعمره يتجاوز آلاف السنين،وما يدعو للعجب والامتعاض هو التركيز بالعبث وازدراء الحضارة البابلية الكلدانية ومحاوله التشكيك في أصلها وعمقها الحضاري والتاريخي وافتعال الأزمات وإطلاق الشبهات حول وجودها وكيانها وأثرها من أقرب الناس ومن أبناء جلدتنا،فترى الكثير من متسولي الإعجابات والتعليقات في عالم الأنترنت يعبثون بلا طهارة ولا خجل بتاريخ الكلدان وتراثهم فتجد هناك من يقول إن الكلدانيين هم مجرد عشيرة بدوية آرامية لا تنتمي لحضارة,وهناك من يتهم الأمة الكلدانية على إنها من اختراع الكتاب المقدس وإنها لا تعدو سوى مصطلح ديني غير موجود،وآخر من يتهم الشعب الكلداني الحالي بأنه ليس له علاقة بشعب بابل القديم بل هو منتحل لتلك الصفة،وهناك من يدّعي إن شعب بابل الكلداني هو شعب منقرض وتمت إبادته قبل الوجود الإسلامي في العراق والكثير الكثير من الاتهامات الباطلة التي لا يسع المجال لذكرها،في حين عند العودة للأرض والتاريخ والآثار التي قدمت الاكتشافات العديدة في المواقع الأثرية المتعلقة بالحضارة الكلدانية رؤى قيمة وثقافات وعلوم وإنجازات عظيمة،وقد أثبتت ذلك علوم الآثار وعلوم التاريخ وعلوم الانثروبولوجيا بدءا من حفريات مدينة بابل عاصمة الامبراطورية الكلدانية حيث تم العثور على هياكل وبنايات ومعابد أهمها بوابة عشتار والقلعة الملكية الكبرى أو بما يسمى القصر الجنوبي والقصر الشمالي وشارع الموكب والمعابد والشوارع،كذلك الألواح الطينية المكتوبة بالخط المسماري في المواقع الكلدانية التي تحتوي على ثروة هائلة من المعلومات حول إدارة الدولة ومسائل القانون ونصوص الدين والأدب وخرائط العمارة والبناء وعلوم الرياضيات واللغة والسجلات الفلكية والوثائق التي تحتوي على نصوص تاريخية قد وفّرت تفاصيل مهمة وشاملة عن عهد الملوك الكلدانيين
أما الآثار خارج مدينة بابل وجدت في جميع محافظات وسط وجنوب العراق وصولا الى مناطق الخليج وسواحله حيث كان يسمى الخليج في ذلك الزمن (بحر الكلدان)وفيما يخص التأثير السكاني ووجود الشعوب الكلدانية من الممالك والقبائل التي سكنت بلاد الرافدين منذ الاف السنين والمثبتة تاريخيا كانت أكثر من 30 مملكة وقبيلة ممتدة من جنوب بلاد آشور حتى الخليج وصولا إلى الكويت وجنوب سلطنة عمان،وكانت أكبر تلك الممالك هي مملكة بيت ياقين،يقول العالم (جون أوتس) في كتابه (تاريخ بابل مصور) كانت قبيلة بيت ياقين من أكبر القبائل الكلدانية وأكثرهم نفوذا سكنت البصرة والناصرية حتى جنوب الخليج وصولا الى ملوخا (عُمان الحالية) بالإضافة كان لها خمس مقاطعات على الساحل الشرقي مجاورة بلاد عيلام،حيث كانت تلك القبيلة تسكن الجنوب الشرقي من العراق بكافة مدنه ودويلاته،وإن لهذه القبيلة ينتمي الملك الثائر مردوخ إبلا أدينا والملك المؤسس نبوبولاصر الذي ولد في مدينة أوروك وكذلك نجله الملك القائد نبوخذنصر الثاني،أما القبيلة الثانية فهي قبيلة بيت داكوري التي كانت تسكن مدينة بورسيبا جنوب بابل وهي ممتدة حتى مدينة أوروك،وقبيلة بيت شيلاني وقبيلة بين كمبولو التي كانت تسكن الأهوار في مدينة العمارة والكوت وامتدت حتى نهر الكرخة وهم من المزارعين،كذلك قبيلة بيت اموكاني الذين كانوا يسكنون الحوض الأسفل من نهر دجلة عند الأهوار في الجنوب ومملكة بيت اشعالي التي كانت عاصمتهم في دور إيلانا جنوب العراق،ويضيف أوتس في كتابه بصفحة 172 إن تلك الممالك والقبائل الكلدانية بأعدادها الكثيرة تحولت في عصر الملكين البابليين نبوبولاصر وابنه الملك نبوخذنصر الثاني إلى دولة قوية ومن ثم إلى امبراطورية واسعة تحكم العالم،وتدل المصادر التاريخية إن تلك القبائل كانت تتمتع بوضع اقتصادي جيد،أثرياء بعيدون عن الفقر فقد كانت أراضيهم خصبة غنية بالمياه والأشجار المثمرة ويملكون قطعان المواشي والخيل والأغلبية منهم كانوا من سكنة الأهوار تجارتهم مزدهرة وكانوا أسياد البحر بلا منازع،ولهذا نجد المصداقية والتأكيد على صحة هذا الكلام ما قاله الإمام علي عليه السلام عندما وصف أجداده الكلدانيين (بالنبط) أي المزارعين وليس من البدو الرُحل إن أصل تسمية الكلدانيين لم يكن بحسب ما يدعي المغرضون إنها تسمية دينية ظهرت خلال القرن الخامس عشر أو إنهم مجموعة عرقية مسيحية أو مذهب ديني انتشر مؤخرا في مناطق العراق وبلاد المهجر،أو مجموعة من الناس امتهنوا السحر والتنجيم في وقت ما،فكل هذا ادعاء كاذب وازدراء مفتعل الغاية منه طمس تاريخ الكلدان ومحاولة تزويره والتعتيم عليه لأسباب لا ترتقي للإنصاف والأمانة والإنسانية,ومن يدّعي ذلك هم من الذين يكتبون تحت وطأة المصالح والجهل والتوتر،فعلى مرّ تاريخ الديانة المسيحية ومذاهبها مثل الكاثوليكية والأرثوذكسية والنسطورية والبروتستانت….الخ لم نسمع إن هنالك مذهب كلداني يضاف لتلك المذاهب،على العكس نجد الكلدانيين الذين يعتنقون المسيحية على مذاهب مختلفة وإن كان الكثير منهم ينتمون لمذهب معين،لا بل ينكرون تسمية المصطلح الديني للكلدان على حساب تاريخهم وحضارتهم الموغلة بالقدم,فكيف يحصرون الكلدانية بطائفة دينية أو مذهب ديني قائم ويدعي اعتناقه بعض المحرّفين؟فما هي ألا محاولة منهم لتقزيم تأثيرها الحضاري وعطفها إلى منحى ديني وتكسير كل قوائم الشعور بالقومية والهوية العريقة,فلو كان طائفة دينية فقط أليس صاحب الفكر أولى هو بالاعتناق والتثقيف والاعتزاز بما ينتمي له؟ إن خير دليل على كذب تلك الادعاءات وتفنيد مزاعم المنكرين للوجود الحضاري للكلدان هو ما شهدت به سجلات ووثائق الأقوام والحضارات المجاورة لبلاد الكلدان،وأيضا إقرار كلام الرحالة والعلماء الذين ترجموا الألواح المسمارية القديمة وأثبت وجود تسمية الكلدان قبل ظهور الأديان الإبراهيمية بآلاف السنين بشكل مباشر وواضح,وقد دُوّن اسم الكلدان على تلك الألواح والمسلات والمواشير والحوليات التي حفظت أخبار الحضارات والملوك ومنها الحوليات الآشورية والسورية ومشاهدات الرحالة ومختصي الآثار والتاريخ والكثير الكثير من الشواهد والقرائن الداعمة لهذا الطرح،فكيف ينسبون أصل تسمية الكلدان إلى دائرة دينية في حين جميع الآثار واللُقى الأثرية والمؤشرات التاريخية تبين وتؤكد وجودهم بالتسمية الصريحة قبل مجيء وظهور تلك الاديان؟
فكلمه كالديا كانت تطلق على المنطقة الواقعة وسط وجنوب العراق حتى أقصى الخليج تحديدا من بابل موطن الكلدان،وكان الآشوريون يسمونها بلاد(كالدو) حيث كان الكلدانيون هم الجنس الساحق في تلك المناطق ويشغلون مناصب عليا في المدن والدويلات الرافدينية،وعلى مرّ العصور احتفظوا بدرجة كبيرة من الاستقلال عندما امتد النفوذ الآشوري إليهم حيث كان من الصعب على أي جيش يغزو مدنهم أن يسيطر،لذلك أبى الكلدانيون برغم التضحيات والخسائر العظيمة التي كانوا يقدمونها إلا إنهم امتنعوا من تقديم أي خدمة لحكومات آشور،لذلك كان كلما يحاول الآشوريون أن يستعبدوهم ويحدّوا من حريتهم تجد الكلدانيين بين فترة وأخرى يحولون الأرض إلى حرب عصابات ويبدعون في قتال الشوارع وتدبير المكائد السياسية والعسكرية،حتى تزعم الكلدانيون على مرور الأزمان حركات التحرر والاستقلال القومي وفي المقابل ظل الاشوريون يفرضون سلطانهم بالقوة واستخدام أقذر أنواع الحروب والتعذيب ضد محاولات الكلدانيين المستمرة للحفاظ على استقلالهم ونفوذهم
وللحديث عن ذكر الكلدانيين في الألواح المسمارية نستعرض أهم المصادر ومنها ما جاء في حوليات الملك الاشوري اشور ناصربال الثاني عن وجود الكلدان حيث تمت ترجمة مسلة ذلك الملك التي كُتبت بالخط المسماري،يقول الدكتور (هديب غزالة) في كتابه (الدولة البابلية الحديثة) زودت حوليات الملك الآشوري آشور ناصر بال الثاني بوجود الكلديين في جنوب بلاد بابل منذ منتصف القرن التاسع قبل الميلاد وان أرضهم سميت باسم بلاد كلدو وتمثل وجودهم على شكل مجمعات قبلية تسمى بيوتاً أو مشيخات وكان يتزعم كل بيت أو مشيخة زعيم اتخذ لقب ملك وكانت قوة تلك المشيخات تعتمد على قوة شيوخها ونفوذهم(انتهى) ومن الطبيعي إن أي شعب موجود على الكرة الأرضية يجب أن يتألف من بيوتات وعوائل التي تكوّن القبيلة والمملكة،وجاء في كتاب(القبائل الآرامية في الشرق الأدنى)ترجمة حوليات شمسي أدد الخامس،للدكتور(أحمد مشعل) ذكر الكلدان بالتسمية الصريحة حيث يذكر الملك الآشوري شمشي- أدد الخامس في حولياته المسجلة على الموشور الخاص في حملاته العسكرية أن هناك رجل كلداني اسمه (مردوخ- بلسو- إقبي) قاد انتفاضة عسكرية ضد الحكم الآشوري وكانت تلك الانتفاضة تضم جنود من عشائر (الكلدان والآراميين وعيلام) الا أنه وبفضل خطته العسكرية المحكمة انتصر عليهم،والأمر الغريب أنه قتل5000 منهم،وأسر 2000؟ ولك أن تتخيل اعداد العشائر الكلدانية ونسماتهم التي كانت تسكن الوسط والجنوب إلى بلاد البحر ودلمون،ومن الإشارات المهمة في نصوص الملوك الآشوريين إنهم يميزون بين الآراميين والكلدان على إنهم شعوب مختلفة بوجود الواو العاطفة على ما قبلها وهي قرينة لغوية لا تحتمل التأويل على عكس ما يروج له المزورون ومن المحزن أن تجد من ينكر حضارة قائمة وعظيمة كحضارة الكلدان بمجرد أنه جاهل بالتاريخ أو مندفع نفسيا وعاطفيا،وللدلالة على ذكر تسمية الكلدان منذ سالف الأزمان ما جاء في ترجمة حوليات الملك الآشوري سنحاريب حيث يؤكد الدكتور (نائل حنون) في كتاب (حقيقة السومرين) في مقتطف من ترجمة حوليات سنحاريب أنه جاء ذكر الكلدان بصورة مفصلة وواضحة في حملته العسكرية على بلاد الكلدان في وسط وجنوب العراق،فهو قد دون على موشور حولياته أسماء العشائر الكلدانية ورؤسائها،وذكر أقاليم الكلدان وهذه الأحداث تم تدوينها حتى قبل مجيء الملك الكلداني نبوبولاصر وولده نبوخذنصر الثاني فيقول سنحاريب في النص المسماري (في حملتي الثامنة بعد إن تمرد “شوزوب” أبناء مدينة بابل الشياطين الأشرار,بوابات المدينة أقفلوها,عزمت عقولهم على افتعال المعركة،شوزوب الكلداني الفتى الدنيء،سولايا سامو ابن مردوخ ابلا ادينا- بلدان بيت أديني- بيت أموكاني- بيت شلانا- بيت سالا – مدينتي لاراج ولاخيروا – كمبولو – خالاتم- رؤوا- ابولم ملاخو- خندرو – دامونا تحالفا كبيرا، حشد معه جموعهم,سلكت الطريق إلى بلاد أكاد، اقتربوا من بابل،تبادلوا التحايا مع شوزوب الكلداني ملك بابل,وعبأوا حشودهم مثل هجوم جراد كبير في الربيع) ويضيف حنون في الكتاب نفسه أنه تم ذكر الكلدان البابليين الذين قاموا بانتفاضة فردية ضد الآشوريين متمثلة برسالة القائد شمشي- بونايا إلى الملك الاشوري أشوربانيبال وهو يصف له حالة التمرد التي قامت في بابل من قبل عشيرة بيت- دكووري الكلدانية في زمن كتابة الرسالة، وللإضافة في هذا السياق يقول عالم الآثار (ل.ديلايورت)في مؤلفه الموسوم (بلاد ما بين النهرين الحضارتان البابلية والاشورية) أن الكلدان تم غزوهم من قبل سنحاريب وأبعد أكثر من (مائتي الف وثمانية آلاف) من سكان الكلدان وعين الأمير البابلي (بعل-أبني) الذي تربى في بلاط آشور واليا على بابل وقد قام هذا الأمير بعقد الصلح مع الملك البابلي مردوخ بلادان،لكن بعد ثلاث سنوات قام بلادان بتحريض الكلداني(موشوزيب – مردوك) على خلع للأمير الوالي,وبإمكان أي شخص أن يقرأ هذا المصدر وينتبه على تكرار أكثر من شخصية كلدانية فاعلة فهم كانوا موجودين منذ آلاف السنين وهذا كله مدون ومحفوظ في الآثار الآشورية والكلدانية
وكذلك نجد ما تركه المؤرخون الكلدان القدامى الذين كانوا معاصرين للحضارة حيث توّجوا التاريخ بالحقائق ودوّنوا أهم الأحداث والوقائع حفاظا على الإنجازات والتسميات،ومنهم ما جاء في كتابات المؤرخ البابلي الكلداني (بيروسوس) أو كما يُسمى بالكلدانية (برعوثا) الذي كان كاهنا وعالما بالفلك وتاريخ العالم القديم،ويُعد من أهم المؤرخين العراقيين القدامى لكنَّه لم يُسلط عليه الضوء بصورة كافية غير أنه نقلت عنه بعض النقولات في الويكيبيديا وغيرها من الموسوعات العالمية،وُلِد في بابل أثناء حكم الإسكندر وبحسب ما وصل إلينا من سيرته فهو نشأ في أسرة كهنوتية نبيلة وثرية وبقي يعمل في معبد (مردوخ) أعظم آلهة بابل حتى بلغ مرتبة كبير الكهنة ومع انتشار اللغة اليونانية عبر آسيا خلال الفتوحات المقدونية,كانت هناك حركة اهتمام كبيرة بالتاريخ وكان بيروسوس يتقن اللغة اليونانية في فترة الانبعاث الفكري والعلمي والفلسفي عند اليونان وهذا ما شجعه بلا شك على كتابة تاريخ بابل،ويقال إن بيروسوس كان شاباً إبان سنوات حكم الاسكندر في بابل وعاصر أنطيوخوس الأول وتعود شهرته إلى كتابه عن تاريخ بلاد بابل المعروف باسم (البابليّات) أو(الكلدانيات) فكتب مؤلفاته باللغة اليونانية في مطلع عهد أنطيوخوس الأول وأهداه إليه وقد تأثر الأخير به فحسُنت معاملته مع كهنة بابل واهتم بترميم المعابد في بابل،لذلك يعتبر بيروسوس مرجعا مهما لدى الكتّاب والمؤرّخين الكلاسيكيين مثل(بوليستور وأوسيبيوس ويوسيفوس وغيرهم) أما عن كتابه الشهير تاريخ بابل فقد كان في ثلاثة أجزاء ,الجزء الأول منه يبحث في بدايات الحياة البشرية والخليقة إلى الطوفان ويتضمن وصفاً للبيئة الجغرافية والنباتات في بلاد بابل،أما الجزء الثاني يعرض أسماء الملوك العشرة الأوائل قبل الطوفان متسلسلةً ثم يروي خبر الطوفان ويورد بعدها أسماء ستة وثمانين من الملوك الذين حكموا بعد الطوفان فالسلالات التاريخية التالية حتى عهد نبوخذنصر الثاني ونسب كل أولئك الملوك الذي حكموا العراق إلى الكلدانيين،ويختم في الجزء الثالث عرض للملوك الذين حكموا بعد نبوخذنصر الثاني حتى غزو الاسكندر المقدوني للبلاد،وفيه يذكر سنوات حكم كل منهم وأهم الأحداث التاريخية فيها كما ترد فيه معلومات فلكية عن القمر والكواكب وحساب السنين والأبراج حتى وصفت معلومات المصنَّف على إنها جائت منظومة ببراعة ومتوافقة بكثيرٍ منها مع ما جاء في المصادر المسمارية والكلاسيكية،وبقي كتاب (البابليّات) من أبرز المصادر الرئيسية عن تاريخ بلاد بابل في مطلع العصر السلوقي
وفيما يخص ذكر الكلدان على لسان الرحالة والمؤرخ اليوناني (هيرودوت) الذي دوّن عن بلدان وحضارات العالم وسمي بأبي التاريخ,يذكر كافة التفاصيل عن الكلدانيين في كتابه (تاريخ هيرودوت) يذكرهم بهذه التسمية الصريحة (الكلدان أو الكلدانيين) هيرودوت حضر لبابل قبل انبعاث السيد المسيح وكتب عنها وعن نينوى وتكلم عن علوم الكلدان وفنونهم وعمارتهم،وقد جاء أيضا ذكر الكلدان في (الحوليات الأثرية السورية في المجلد الرابع مطبعة الترقي)في وصف حضارة الكلدان على إنها عرفت قبل حضارة الآشوريين،وكذلك يؤكد المؤرخ (غوستاف لوبون) في كتاب (حضارة بابل وآشور) أن الكلدانيين قبل قيام الامبراطورية الكلدانية الحديثة كانوا موجودين في الزمن السحيق لكنهم كانوا ممالك متناثرة وأسر وولايات مستقلة في العراق،وكانت لهم حركة علمية عظيمة يمتلكون مدارس ومكتبات ومعاجم وتراجم ولغة قبل أن يأتي المسيح بأربعة آلاف عام،فالكلدان هم على أرض العراق منذ بداية الزمان ولا يمكن أن يكونوا مذهب ديني أو طائفة معينة,فقبل مجيء المسيحية كان الكلدانيون بالوجود وذكرتهم أيضا الكتب المقدسة،وبالنهاية نجد كل من هبّ ودبّ يقول إن الكلدانية تسمية مذهبية مسيحية؟ والله انها لفكرة باطلة يُراد منها إخفاء الحقيقة
وللإضافة أيضا أنه عندما جاء الإسلام كان يسكن العراق ثمانية مليون إنسان من الكلدانيين وبعض المكونات الأخرى معظمهم كان على الديانة المسيحية حتى المبشرين للجزيرة العربية واليمن كانت انطلاقهتم من أرض الرافدين,وعند وصول الحجازيين الإسلاميين إلى العراق أصبح هؤلاء المسيحيون على ثلاث أصناف قسم منهم دخل الإسلام وصاروا من الموالين وأصبحوا عربا مستعربين بالقوة،وقسم رحل مع الفرس وقسم منهم بقي على ديانته ورحل إلى شمال العراق وهم الكلدان الأصلاء الحاليين،لأن الكلدان كانوا يسكنون وسط وجنوب العراق في بابل والنجف والناصرية والبصرة إلى أراضي الخليج العربي الذي كان يُسمى (ببحر الكلدان) وما حوله فكثير من العراقيين الآن هم من أصل كلداني فلا يتشدق الواهمون بآراء شخصية مدفوعة بطابع عاطفي وعداوة قديمة،فالكلدانية هوية وليست طائفة،الكلدانية قومية تضم مختلف التوجهات والأديان والمعتقدات منذ النشوء حتى هذا الوقت.