بعد فترة من التساؤلات والجدل بين المهتمين بالشأن الديني والسياسي حول موقف الفاتيكان تجاه البطريرك ساكو والأزمة المحيطة بسحب المرسوم، كشف الفاتيكان عن موقفه بطريقة غير مباشرة لكنها معبّرة. تم استقبال منافس البطريرك في الفاتيكان بحفاوة كبيرة، حيث دخل من نفس البوابة التي يستخدمها موكب البابا وتم توجيه التحية له علنياً.
يستخدم الفاتيكان لغة الرموز والإشارات لتوجيه رسائل سياسية ودينية مُحددة دون اللجوء للتصريح المُباشر، وهذا يُؤكد على دبلوماسيته وحكمته في التعامل مع قضايا حساسة، لذلك، يحمل هذا الموقف يحمل عدة إشارات:
تقدير للخصم: استقبال الفاتيكان للخصم بالطريقة التي وصفت تُظهر إشارة قوية إلى أن الفاتيكان يُقدر الشخصية وربما يرى فيها نهجاً أو رؤية تُعزز من استقرار المشهد المسيحي في العراق. يُحاول الفاتيكان هنا أن يكون محايداً ومُشمولاً في تعامله مع مختلف الأطراف.
رؤية دبلوماسية: يُظهر الفاتيكان بموقفه أن لديه نظرة دبلوماسية واعية تتجاوز النظرة الأحادية أو المُحددة التي يُظهرها البطريرك. يُسلط الضوء على أهمية التفكير الاستراتيجي والشامل بدلاً من الانحياز لجانب واحد.
عدم الرضا عن مواقف البطريرك: الفاتيكان، بموقفه، يُشير إلى عدم ارتياحه للتصريحات المتشنّجة التي صدرت من البطريرك، وهو ما يُظهر عدم موافقته للأساليب التي تُعتبر مُحتدمة أو تُولّد التوتر.
الامتعاض من التوتر: يُظهر الفاتيكان في موقفه انزعاجه من الأجواء المُتوترة التي أثارها البطريرك، ما يُحتم على الأخير أن يُعيد تقييم مواقفه ويُفكر بجدية في تعديل سلوكه.
الحاجة للتغير: وأخيرًا، يُشير الفاتيكان بوضوح إلى أن الوقت قد حان للتفكير في تغيير القيادة أو مُراجعة السياسات، وذلك في ضوء الأزمات الكنسية والسياسية التي تُواجهها الكنيسة والمجتمع.
استقبال الفاتيكان لمنافس البطريرك يُعتبر درساً قاسياً له، مُلقِماً له أن لا يكبر نفسه أكثر من اللازم وأن لا يتفرّد بالقرار داخل الكنيسة. المصلحة العليا للكنيسة تفوق طموحات شخص قد يُعتبر متهوراً في تصرفاته ومُندفعاً في قراراته. كونه كاردينال، واجهة لدولة الفاتيكان التي تُعرف بدبلوماسيتها الرصينة، ينبغي عليه أن يكون أكثر حذراً ورصانة.
الفاتيكان، الذي لاحظت أهمية شخصية المنافس، لم تُضعف موقفها بسبب صراع ثانوي تحريضي من جانب البطريرك. المنافس، من ناحيته، كان أكثر حكمة. لم ينجر للتصعيد الإعلامي أو يلجأ لتدويل القضية، بل توجه للقضاء العراقي الذي أصدر قراراً يدين البطريرك.
البطريرك، الذي ينبغي عليه أن يتذكر أنه في المقام الأول رجل دين، لا ينبغي عليه أن يُشوّه سمعة الحكومة أو يتهم القادة بجرائم لا تُقاس إلا بأمثالها. هذه التصرفات لم تكن محل تقدير من الفاتيكان، التي ابتعدت عن تأييد هذه الأساليب المتهورة والتصعيدية.
ختاماً، أوضح الفاتيكان للبطريرك قائلاً: “نحن لا نشارك في نزاعاتك الفردية. يجب أن تتصرف بروية وعدم جعل الكنيسة وسيلة لتحقيق أغراضك الشخصية. كان من الأفضل لو استعنت برأينا في مثل هذه المسائل بدلاً من الادعاء كذبا بأن لك مركز وزاري في الفاتيكان ليكون أداة للضغط على الحكومة باسمنا، لأن اسم الفاتيكان يتجاوز أن يُستخدم كورقة رابحة في يدك ضد منافسيك، ولن يكون سلاحا تحارب به معارضيك.”
ينبغي على البطريرك مراجعة تقديراته وتحديد حدوده، خصوصاً وأنه تحت الرقابة والإشراف الفاتيكاني. يجب أن يكون مُتحفظاً ودقيقاً في تقييم مواقفه وقراراته، وأن يُحيل كل خطوة يُريد اتخاذها لمراجعة الفاتيكان. الفاتيكان، من جانبه، يُعنى ببناء جسور التوافق والسلام ولا يُفضل النزاع أو التحالف في صراعات.
الاستقبال الرسمي الذي أُعطي لخصم البطريرك في الفاتيكان، بالإضافة إلى اللقاءات التي أُجريت مع الكرادلة والمسؤولين هناك، يُعد إشارة قوية لقرب التوصل إلى تفاهمات تهدف إلى حماية حقوق المسيحيين. الرسالة واضحة للبطريرك: لقد حان الوقت للرحيل. استنفدت كل الأوراق التي كان يُمكن استخدامها، وكثرت الشكاوى من مواقفك وأصبحت عبئاً ليس فقط على الكنيسة والفاتيكان، بل أيضاً على الجمهور والدولة. لذا، من الأفضل أن تتنحى وترحل بهدوء.