موضوع منقول من صفحة كاتب المقالة
Leon Barkho
طلع علينا البطريرك ساكو مؤخرا وهو يؤدي قصيدتين، وهما جزء من تراتيل الصباح لدى المشارقة من الكلدان والسريان، والأشوريين. القصيدتان من أشهر وأبدع القريض في تراثنا المشرقي، والاثنتان تعودان، لحنا ونصا، الى القرن الرابع الميلادي.
في مقالي هذا سأتناول بالتحليل النقدي العلمي الرصين (وواحد من اختصاصاتي الجامعية هو التحليل النقدي للخاطب)، فقط الجانب النصي واللحني من القصيدتين وطريقة تأديتهما ونقلهما الى لغة أخرى غير لغتهما الأصلية. بمعنى أخر، أنا لا اتناول أو أقيم الصلاة والدعاء، لأن هذا شأن رب العالمين.
كل ما أقوم به هو تحليل للنص الذي يؤديه البطريرك ساكو مع الذين في معيته وحسب، سعيا لوضعه في سياقه ونقده مستعينا بمعرفتي بتحليل النصوص واطلاعي عن كثب على تراث وآداب المشارقة بصورة عامة وتراث وآدب كنيسة المشرق بصورة خاصة.
وأقوم بذلك استنادا الى كوني أستاذا جامعيا، أحمل درجة الأستاذية في واحدة من أرقى الجامعات السويدية.
بدءا أقول إن النص باللغة العربية نص مشوه ومزور، حيث فيه إضافات غير متوافرة في النصين الأصليين. وأسأل، وسأثير أسئلة كثيرة، هل يليق بمن هو بمنصب البطريرك، ويحمل درجة الكاردينالية، ان يشوه ويزور نصا تراثيا يقع ضمن جواهر الهوية الوطنية والكنسية للمشارقة؟
يقول البطريرك ساكو إنه استعان بترجمة القس يوحنا جولاخ. هذا صحيح الى حد ما، ولكن القس يوحنا جولاغ، وانا من تلامذته، لم يدخل هذه النصوص المترجمة في التراث والطقس الكنسي ولم نقم بأدائها، بل كان يوفرها من أجل ان يقرب النص الأصلي إلينا.
للعلم، يا غبطة البطريرك، فقد كان المرحوم جولاغ من أشد المحافظين على التراث واللغة والفنون الكلدانية وكان مدرسة تخرج على يديه تلاميذ بالمئات بعد أن غرس فيهم العلم والمعرفة باللغة والطقس الكلداني وترك لنا مؤلفات بديعة باللهجة الكلدانية المحكية الساحرة. لماذا لا يحي البطريرك ساكو هذا التراث؟
حقا شتان بين بطريرك يشوه ويزور وينتحل تراث ولغة وفنون وأداب شعبه وكنيسته وقس أفنى عمره في المحافظة عليها وإحيائها.
ومن ثم، حتى ترجمة القس جولاغ ليست سليمة لا سيما من حيث الوزن والبحر الشعري. الترجمة والوزن الشعري يخفقان إخفاقا شديدا في مجاراة النص الأصلي ولهذا اتى الأداء الذي قمت به، يا صاحب الغبطة، مشوها وركيكا.
وأذكر البطريرك، عسى الذكرى تنفع، هل يقبل كردي ان يقوم صاحب شأن من قومه ان يفعل بنص تراثي شعري كردي ويترجمه الى لغة ليست لغته ويؤديه بلحن كردي ويفرضه على الأكراد؟
وأذكر البطريرك، عسى الذكرى تنفع، هل يقبل عربي بذلك، أو أي منتم لهوية وطنية أخرى ويحمل ذرة من الاحترام لهويته الوطنية وقوميته؟
اليوم الأمم تأخذ الألحان من الأخرين، ولكن تبقي على نصوص بلغتها، وهذا ما يفعله العربي والكردي والإنكليزي والسويدي والإيطالي وغيرهم من الأمم، ولكن بطريركينا الجليل هو بنفسه يشوه النصوص بلغتنا المقدسة من خلال تحويلها الى لغة أخرى.
وكل هذا بجانب، ولكن الجانب الأخر المهم وهو كيف في إمكان أي صاحب شهادة (والبطريرك ساكو يقول إنه يحمل شهادتين للدكتوراة) ان يشوه ويزور نصا رفيعا ونبويا بهذا الشكل السمج ولا يذكر اسم المؤلف الأصلي؟
هل تعلمون لمن تعود هاتين القصيدتين. إنهما لمار أفرام، قديس المشارقة وعميد أدابهم، وركن من أركان هويتهم.
غبطة البطريرك، وأنتم صديق الصبا، ونكن لكم كل الاحترام، أي جراءة، لا بل عدم احترام (مع العذر الشديد) هذه التي تصل ان نقوم بالتزوير والتشويه للتراث بهذا الشكل المهين ونحن لا يرف لنا جفن؟ أين وصل الأمر بكم يا غبطة البطريرك؟
وهنا أقول، وأنا أخاطب المشارقة أولا باختلاف تسمياتهم ومذاهبهم، وأخاطب إخوتي وأشقائي الكلدان خصيصا، أقول إن هذا لا يمكن أن يقبل به أي شعب له حبة خردل من الاحترام لهويته وتراثه ولغته.
لا أريد الاسترسال، ولكن وصل الأمر بغبطتكم الى درجة الاشمئزاز من الأساقفة في السينودس الذين ادوا اناشيد مار أفرام بلغتها ولحنها الأصليين وأوقفتهم وأجبرتهم على قراءة وتلاوة من ما جمعته من هنا وهناك من كلام ونصوص ركيكة سمجة هزيلة ضمن كتاب جديد تفرضه على شعبك وكنيسك بدلا من كتبنا الأصيلة.
وتذهب بعيدا يا غبطة البطريك، حيث تجمع من هنا وهناك وتؤلف ما تقول إنه كتاب وتضع اسمك عليه وكأنك المؤلف وأنت ليس لديك أي مساهمة فيه. ألا يرقى هذا الى الانتحال والتزوير؟
ألم تفعل هذا بواحد من أقدس وأهم وأجل كتب التراث الذي في طياته قصائد وأناشيد وتراتيل ربما هي الأقدم في المسيحية طرا، لا بل قد تكون الأقدم في العالم من حيث الألحان؟
ماذا فعلت يا غبطة لبطريرك بكتابب دقذام ودواثر؟ الم تنسفه وتشوهه وتزوره وجمعت من هنا وهناك بلغة ليست لغتنا ووضعت اسمك عليه وفرضته كقراءات ملزمة للأديرة والكنائس.
أقول بأمانة إن ما تقومون به من”تأوين” يرقى الى خيانة، خيانة التراث، وخيانة الهوية، وخيانة الأمانة التي ائتمنك شعبك وكنيستك عليها، وهي الحفاظ على تراث ولغة وفنون وطقوس وآداب الكلدان وكنيستهم.
الذي لا يؤتمن على لغة وتراث وطقوس وفنون وريازة وهوية شعبه وكنيسته لا يجوز ائتمانه على أي شيء أخر.
كيف سيصدقنا الناس، وماذا سيكون موقعنا، إن كنا نحن للغتنا وتراثنا وطقوسنا وفنونا كارهون ومزورون ومشوهون، وللدخيل والأجنبي محبون ومصفقون؟
وأقول إن كل التبريرات التي تقدمها غبطتك لما تسميه “ألتأوين” باطلة، ولا تنبع إلا من رغبة دفينة لتغريب وتشويه وتزوير واستبدال الأصيل من التراث الكلداني بالهجين والسمج والركيك والغريب.
وختاما، أقول إن ما تقومون لا يمكن أن يفعله أي عربي او كردي او فارسي او تركي وأي شخص من أي هوية كانت على الإطلاق، لأن كل إنسان لا بد وان تكون في داخله بذرة من المحبة للغته وتراثه وفنونه وأشعاره وأدابه، ويبذل جهده لممارستها عندما تسنح الفرصة بذلك ويحث أولا نفسه ومن بمعيته على التشبث بها وممارستها وتدريسها وتعليمها وتعميمها.
وعذرا يا غبطة البطريرك ساكو، وانت صديق الصبا وصديق العمر، أعذرني أن أسأل: “من أي طينة أنتم؟”