بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني ــ
إنّ كـتاباتـنا ليست تـباهـياً أمام الـقـرّاء ولا طموحاً بمنـصب ولا طمعاً بمكـرَمة أو إنـتـظاراً لكـلمة ( بـراﭭـو ) ، فـقـد تجاوزناها كـلها منـذ زمن ، ولكـنـنا نعـرض الـنيّات الصافـية للـفاعـلين ، مع تأمّلاتهم للصالح العام ونـتائجها عـلى مَـرّ الأيام . فالأفـكار تُـصقـل بإحـتكاكها مع بعـضها وباب الحـوار مفـتـوح لِـمَن يرغـب في مناقـشتها ( كـتابة أو مواجهة ) . فـمَن يراها إيجابـية يستمتع بها ، ومَن يظـنها غـير ذلك يمرّ مرور الكـرام عـليها . وما يَـردُ في هـذا المقال ، ليس عـن جـمعـية محـدّدة ولا في دولة معـيّـنة أو بـلـدة معـروفة ، وإنما أزهار نجـمعها من بساتينها في مزهـرية ، نبتهج بها وقـد نستـفـيـد منها .
إن الهجـرة بعـثـرتْ أبناء الوطن الواحـد بل وأفـراد العائلة نـفـسها ، وأنّ إخـتلاف نمط الحـياة في البـلـد الجـديـد عـمّا هـو في الوطن الأم ، جعـلهم يفـكـرون في أية وسيلة متاحة لِـلـمّ الشمل وتـقـريـب اللحـمة المتباعـدة بقـدر الإمكان وإعادة التـواصل بعـد إنـقـطاعه ، فـتـبـلـورت عـنـدهم فكـرة ( جـمعـية ) لأنها تجـمع ، كل ذلك لأجـل حـياة سعـيدة مشـتركة .
ولما كانت شعـوب بلـدان الهجـرة متـنـوّعة ، فإن حـكـوماتها تـسمح لكل منها بتأسيس تـنـظيماتها الإجـتماعـية ذات ــ هـيئة إدارية وفـق أسس قانونية ــ لمواصلة الحـياة فـيما بـين أعـضائها مع إحـتـرام حـقـوق غـيرها ، كما تـشجّع أنـشطتها وتـدعـمها مادياً لتـطـويرها . لـذلك إنـطلـق بعـض الكلـدان الغـيـورين إلى تأسيس جـمعـية واحـدة للجالية الكـلـدانية تجـمعهم في مناسبات شـتى لغايات تـرفـيهـية ولـتـقـوية روابطها الإجـتماعـية .
إنّ عـملية نـقـد ــ السلـبـيات ــ في أية منـظمة ، ليست إنـتـقاصاً من أحـد وإنما فائـدة للعاملين فـيها من أجـل تجاوزها ثم تـطـويرها . وذكـرنا فـيما مضى أنّ شعـبنا المثـقـف ورث عـن أجـداده الأميّـيـن ( الطاعة العـمياء لـرجـل الـدين ) ولا يجـرؤ عـلى التخـلـص من هـذا الشعـور ! بل ويتخـوّف من كـلمة ــ درغا ــ ويجهـل معـناها بأنها ( درجة أو رتـبة ) وليست قـداسة . وبسبـب هـذا الـمستـوى الثـقافي الساذج ، إرتـضوا أن يكـون رجـل الـدين ــ رئيساً فخـرياً ــ لجـمعـيتهم العـلمانية الكلـدانية ( إحـتـراماً أو تـمـلـّـقاً ) وكأنها أخـوية كـنسية مريمية .
وبمرور الأيام لاحـظوا أن هـذا الرئيس الـفخـري يهـوى الهـيمنة وفـرض الأوامر … (( ولكي لا يُجـزّىء كـهـنـوته )) أعـفيَ عـن الرئاسة الفخـرية . إلّا أن ردّة فِـعـلِه جاءت غـير سـليمة حـيث زرع الـتـفـرقة بـين أبناء الكـنيسة ــ فـرّق تـسـد ــ بتـشجـيعهم عـلى تأسيس جـمعـية مستـقـلة لكل بلـدة ، فـكـثُـرَت الجـمعـيات وتـبعـثـرَت الـنـشاطات ….. مثال : جـمعـية طوكـيو الكلـدانية لجـماعة طوكـيو ، جـمعـية بورما الكلـدانية للجـماعة القادمين من بورما ، جـمعـية مدغـشـقـر الكلـدانية للكلـدان المهاجـرين إلى تلك الجـزيرة ! وهـكـذا صارت كـل جـمعـية تـفـكـر في تمجـيـد ذاتها وليس الإفـتخار بالشعـب الكلـداني عامة ! .
وبالمناسبة ، في أحـد الأيام وبتـوجـيه من الأسـقـف لغاية في نـفـس يعـقـوب ! شكـّـلـوا بما سـمّـوه ظاهـرياً ( إتحاد الجـمعـيات الكلـدانية ، طبعاً العائلية ) وبحـضور رؤسائها ، لكـن غايتها كانـت شـريرة بـدليل أن حـزباً سياسياً معـروفاً إنخـرط معها !!! ولما سُـئِـلَ رئيس إحـدى الجـمعـيات كـيـف وافـقـتم عـلى ذلك ؟؟ قال : صوّتـنا عـلى الموضوع والأغـلـبـية وافـقـت ! فـقال له ناشط كلـداني : ليست كـل الأمور تـقـرر بالتـصويت ، المنـطق أقـوى من التـصويت ، فالحـزب السياسي يكـون مع السياسيّـيـن ، والجـمعـيات العـلمانية مع أصنافها .
وجـديـر بالـذكـر أن تلك الجـمعـيات قـبل تسجـيلها ( لم تـفـرض إشتـراكات سنـوية ) وإنما كان رصيدها ــ البسيط ــ يُجـمَع من أجـور موقـف السيارات عـنـد السفـرات ، ومن أنـشطة التسلية مثل الـدنبلة وغـيرها . وحـين سجّـلوها رسمياً عـند الـدوائر الحكـومية صارت ( العـضوية إشـتراكاً سـنوياً ) والهـيئة الإدارية تُـنـتخَـب بأصوات العلاقات وليس الكـفاءات وــ أغـلبها ــ عاجـزة عـن إستـثمار الـفـرص الحكـومية المجانية لصالح أعـضائها ، وغـير قادرة عـلى تـنـظيم أعـمالها ولا تسجـل مَحاضر إجـتماعاتها ولا تحـتـفـظ بملـف لمتابعـتها ……
والحـق يُـقال !!! فـقـد دُعِي ناشـط كلداني من جـمعـية كلـدانية لا أبالية من هـذه الناحـية ! إلى إجـتماع للهـيئة الإدارية لجـمعـية أخـرى كلـدانية رائعة ، فإنـبهـر من كـفاءة إدارتها وتعـجّـب من دقة تـنـظيمها وتـرتيب سـجلّاتها وإحـتـرام أعـضائها عـنـد مناقـشة حـيـثياتها ، وكـلها موثـقة ومحـفـوظة في مـلـف باللغة العـربـية والإنـﮕـليزية عـنـد سـكـرتيرها ، وكانت جـلستهم أشـبه بالـﭘـرلمان أو مجـلس الـبـلـدية الرسمي . حـبـذا لو أن باقي الهـيئات الإدارية للجـمعـيات الكلـدانية تحـذو حـذوها في نـظامها .
تعـلـيق :
إحـدى الجـمعـيات الكلـدانية وقـبل تسجـيلها ، أقامت عـلى حـساب رصيدها البسيط ومجاناً (1) حـفـلة للأطفال (2) حـفـلة للشباب من كِلا الجـنسَـين (3) سـفـرة للكـبار إلى دير للأقـباط !! أما بعـد تسجـيلها صار الإشتـراك فـرضاً عـلى الأعـضاء فإزداد رصيد الجـمعـية ، ولكـنها لم تـقـدّم لهم نـشاطاً واحـداً مجاناً وإنما صار التباهي بالرصيد لا غـير . وحـسب عِـلمي الأكـيـد أنّ أحـد أعـضائها ــ ناشط كـلـداني ــ تـوقـف عـن دفع الإشتـراك لجـمعـية بـلـدته ! ولكي لا يُـتهَـم بالـبُخـل قال لرئيسها : أنا مستعـد أن أجـلـب صنـدوق مشروبات سعـره أغـلى من قـيمة الإشتـراك ونستمتع بها سوية مع هـيئـتكم الإدارية .
إنـتـظِـروا الحـلـقة الثانية : أمثـلة لقـصص غـريـبة واقعـية في حـياة الجـمعـيات الكلـدانية