الاب بيتر لورنس
تردد في الأزمنة الحدّيثة كلمة الإصلاح على جميع المحاور، سياسيّة، إقتصاديّة، شرائعيّة، فكريّة… الخ، ومنها كنسيّة أيضاً. بعد الثورة الصّناعيّة في أوروبا، أخذَ العالمُ بالتغيير والعَصرنةِ الحدّيثة، وإنفتاح العالم على التكنولوجيا، مِمَّا أدى بالعالم البشريّ وعلى المستوى الدوليّ إلى التغيَّر على مُستويات عِدةٍ، خَلّفت عدم توازن عِنْدَ بعض الدولِ والأفرادِ لفهم التَّطوّر السّرِيع الذي حدث بالعالم البشريّ. جعل هذا التَّطور إلى ظهورِ تيارات مختلفة منها من يدعي بالتّطوّر، ومنها بالتّجدُّدِ، ومنها بالإصلاحِ، ومنها بالتأوين…إلخ. تستخدم هذه التيارات مهاراتها في تثبيت عقليتها وأفكارها على أرض الواقع وفرضها كأنها حقائق مُثبّة يجب الالتزام بها، وإلا بدونها سوف نصبح مُتخلّفينَ رجعيينَ.
مِن هذا المُنطلق مقالتي اليَوْمَ أطلقتُ عليها اسم (ما بَيْنَ الإصلاح والإصلاح إصلاحٌ). لأنَّ إدّعاءات الإصلاح كثيرة ومتنوعة، لأنَّ في الإصلاح يجب علينا أولاً البحث في الحقائق والأصولِ، وتوظِيف معطياتها بما يتلائم مع فكر عالم اليَوْمِ والتّطوّر المجتمعيّ السّريع في العالم البشريّ. هذا كله ينطبق على المؤسسة الكنَسِيّة أيضاً لأنّها جزءٌ كبيرٌ ومؤثرٌ على العالم.
الكنيسةُ مُتاثّرةٌ بِالتّطوّرِ المجتمعيِّ:
أكبر حدث في الكنيسة الكاثُولِيكيَّةِ من القرن الماضي هو المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1962. به الكنيسة خرجت من العزلة المجتمعيّة نحو الإنفتاح والتّطوّر، وأخذت منحى ظاهريّ فقط في التغيير الفكريّ واللاهوتيّ ودراسة العلوم الانسانيّة بما يتلائم مع منطلقاتها السلطويّة دون المساس بالسُّلطةِ الحبريّة. كأن السُّلطة الحبريّة إلهيّة، ومُنْزَلة من السَّماءِ. اليوم الكنيسة في أزمةٍ مع العالم المجتمعيّ، بسبب تمسّكها بالسُّلطةِ المؤسساتيّة الإداريّة.
كُلُّ شيءٍ مباحٌ وعلى جميع الأصعِدةِ، ما خلا السُّلطة الحبريّة. ممكن ان تفسر الكتب المُقدّسة كما تشاء، وتأوِنَّ وتتلاعب بالطقوس كما يرتأيه ذلك البطريرك أو هذا الكردينال، بحجة التّطوّر المجتمعيّ.
اليومَ لتفسير الكتب المُقدّسة ضوابط علْميّة يجب علينا إِتقانها ضمن إِطارها الدينيّ، والاكتشافات الاثرِيّة التي كشفت لنا الحقائق والاصول لهذه النّصوصِّ الإِيمانيّة، ودراستها بصورةٍ صحيحةٍ ضمن علم الأدْيَانِ. وللطقوس علوم خاصّة بها، لها مُختصّينَ وباحثينَ يُقدّمونَ للكنيسة أروع الاكتشافات الطّقسيّة في منهجها الإنجيليّ الصحيح بما يتلائم مع العصر الحدّيث، وليس ترْقيعاً وتقطيعاً مزاجياً، يتوافقُ مع أصول نصوصها، مُزيَّنة بروحيّةِ آبائنا القديسين، برُوحٍ إنجيليّة تقود إلى الخلاص، وترفع مؤمنيها إلى العَرْشِ السّماويّ.
كُلُّ شيءٍ تغيَّر في الكنيسة، ما عدا السُّلطة، لحد الآن بعدَ 60 سنة من المجمع الفاتيكانيّ الثّانيّ، السُّلطة الحبريّة مُنفرِدة بقانونها وإدَائها وذلك بسبب خوفها للعودة إلى كنيسة المسيح كما أسسها هو بذاته، لأنَّ كنيسة المسيح سوف تفضح حقيقة الكنيسة المؤسساتيّة الحبريّة . فالخوف هو من المسيح، لأنّهُ هو الحقيقةُ التي يصعب مواجهتها.
الإصلاحُ بإصلاحٍ:
الكنيسة المؤسساتيّة الحبريّة اليوم عليها ان تواجه مصيرها المَحتُوم أمام ربّها يسوع المسيح من جهة، وأمام مؤمنيها من جهةٍ أخرى. عليها أنْ تتوب وتندم على مثال صخرتها مار بطرس الرسول، وتواجه رسالة الإنجيل- بشرى الخلاص، حَتَّى تستطيع أنْ تخدم مؤمنيها بإخلاص ٍ وواقعيٍّة، لا أن تطلب من مؤمنيها التَّوبة، وهي بعيدة عنها، والإقتداء بروح الإنجيل، وهي تتحلّى بقشوره. المؤمن يرى أعمالكم الصّالحة أولاً فيمجدوا الله كما يقول الرَّبّ الكنيسة هي جسد المسيح الفعلي وليس السرّيّ كما تعلّمنا باللاهوت، لأنها صورته الحيّة في العالم من تعليم وعمل.
هذا هو الطريق الوحيد للخروج من الإصلاح المُزيّف إلى إصلاحٍ حقيقيٍّ مَلمُويٍ في الواقع البشريّ.
أنا مؤمن أنَّ الرّبّ يسوع المسيح لا يترك كنيسته أبداً. نُصلي كلّ يَومٍ إلى البارِّيّ تعالى أن يرسل لنا (بابا أو كردينالاً، أو بطريركاً، أو اسقفاً، أو كاهناً)، ليخرج كنيسته المُقدّسة من قوقعة سلطتها الحبريّة المؤسساتيّة، إلى كنيسة الْمَسيحِ الرّسُوليّة. هذا هو طريقُنَا، فما بينَ الإصلاحِ والإصلاح إصلاح.