قرداغ مجيد كندلان
الكتاب المقدس هو كتاب يحتوي علاقة الكون بالله خالقه. فالله وحده هو أصل جميع الكائنات ومبدع كل الخلائق، وهو وحده خالق الارض وما فيها من نبات وحيوان، وهو خالق الفلك وما يدور فيه من كواكب ونجوم. ويعلن الكتاب المقدس أن جميع هذه الكائنات حسنة. ثم توج الله عمله بخلق الانسان على صورته ومثاله فيتسلط على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض (تكوين1: 26) تقوم صورة الله في الانسان على اشتراك الانسان في سيادة الله على سائر الخلائق. وتلك السيادة تفرض العقل والحرية والارادة. ويؤكد الكتاب المقدس مساواة الرجل والمرأة:
“فخلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرا وانثى خلقهما” (تكوين1: 27)، “وجبل الرب الإله أدم ترابا من الارض ونفخ في أنفه نسمة حياة. فصار أدم نفسا حية. وأخذ الرب الإله أدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها. وأوصى الرب الإله ادم قائلا: من جميع شجر الجنة تأكل أكلا، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لإنك يوم تأكل منها موتا تموت” (تكوين 2: 7 و 15- 17). أن الاكل من شجرة معرفة الخير والشر هو رمز يدل على رفض الانسان وطلب الاستقلال عن الله والتخلي عن وصاياه. التمرد على وصية الله تعني أن الانسان يرفض ان يكون خليقة، اي كائنا مرتبطا بالله. وبهذا استحق الانسان الموت لمخالفته وصية الله فكان أجرة الخطيئة الموت. وليس القصد من الموت في هذه الجملة هو الموت الجسدي بل هو موت الروح. يقول الرسول بولس: “دخلت الخطيئة الى العالم” (رومية 5: 12). بولس الرسول يقصد عالم الانسان ويبين في كتاباته ان الشر كان موجودا خارج عالم الانسان قبل ان يخطيء الانسان. والشر كان محصورا في عالم الملائكة، بدليل ان الشيطان، وهو المحسوب أحد الملائكة الساقطين، هو الذي سرب الخطيئة للانسان ومنه الى العالم. وجاء في سفر الرؤيا12: 7-9 : “وحدثت حرب في السماء. ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وحارب التنين وملائكته ولم يقوا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء. فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يَضِلُ العالم كله طُرِحَ الى الارض وطرحت معه ملائكته.” الملائكة خلقت اصلا للقيام بخدمة الله وتنفيذ اوامره وهي ارواح خادمة فإذا ما أخطأت فأنها تسقط من درجاتها الملائكية وتصبح شياطين وليس لها خلاص، وانحصرت الشياطين على الارض.
صحيح انها خطيئة ادم الانسان الاول، ولكن الخطيئة ارتبطت بالطبيعة، وسلم ادم لذريته الطبيعة التي زلت وأخطأت وفقدت نعمة وجودها في حضرة الله وفارقتها النعمة الحافظة والمدبرة، فصارت مستهدفة للموت ولمن له سلطان الموت. خطيئة ادم انه مد يده الى ما لايحل له تحت إغواء ومكر الشيطان وتزييف الحقائق والاستهانة بتحذيرات الله. وخطيئة كل ابن لادم وُلد له على الارض هي بعينها، يمد يده الى ما لايحل له تحت غواية الحية، فتسري فيه اللعنة والموت كما سرت اللعنة والموت في أبيه الاول. فالطبيعة هي بعينها، الطبيعة الساقطة، ومع اللعنة والموت الفساد والفناء، اجيال وراء اجيال. وصدور الحكم بالموت انقطع ما كان للانسان من صلات وثيقة بالله من طرف واحد وهو الانسان. وهكذا دخلت الخطيئة الى العالم تحمل في بطنها الموت.
خطايا الانسان ظلت مخفية تعمل دون ان يلحظها احد ودون ان يحصرها الفكر والضمير. ولكن الله يقصد ان يطهر ضمير الانسان من كل الاعمال الشريرة، فكان لابد من ناموس يوضح انواع الخطايا ويكشفها للضمير ويعطي عنها عقوبات رادعة لايقاظ الضمير وإخافته. وهكذا دخل الناموس، شريعة موسى، ليكشف انواع الخطايا العاملة في قلب الانسان وفكره. وهنا يتحتم علينا ان نعلم ان كل التطهيرات والذبائح والقرابين الناموسية كانت تقدم عن خطايا السهو فقط، اما الذي يخطيء عن عمد فليس له ذبيحة بل موتا يموت. وهكذا وقف ناموس موسى امام خطايا العمد بلا حراك وبلا اهلية، تاركا معالجتها للمسيح.
“فلما تم الزمان، ارسل الله ابنه مولودا لامرأة، مولودا في حكم الشريعة.” (غلاطية4:4) وهكذا تم الزمان يعني انتهاء زمان الانسان، زمان الخطيئة والشقاء واللعنة، ومجيء أيام الله، وهي ايام الخلاص والبر والمصالحة والحياة الجديدة بولادة المخلص. ومما يثير العجب كيف ان إشعيا ( 49: 1 ) بالنبوة يصف تدخل الله في المسيح من بطن أمه هكذا: “ان الرب دعاني من البطن وذكر اسمي من أحشاء أمي” وفعلا خاطب الملاك العذراء القديسة مريم هكذا: “فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم، فقد نلت حظوة عند الله. فستحملين وتلدين ابنا فسميه يسوع. سيكون عظيما وابن العلي يدعى، ويوليه الرب الإله عرش أبيه داود، ويملك على بيت يعقوب أبد الدهر، ولن يكون لملكه نهاية “. ( لوقا 1: 30-33 ).
كيف وصف إشعيا بدقة أن الله فعلا ذكره وهو في البطن ومن احشاء أمه ذكر وعين اسمه! كما ينبغي ان نلتفت كيف ان الملاك قال للأم العذراء إنه (يدعى ابن الله) فهو مولود من امرأة ولكن بدون رجل. وارميا النبي يعطينا فكرة كيف يتدخل الله في ميلاد مختاريه من امرأة: “قبلَ أن أُصَوركَ في البطن عَرَفتُكَ وقبل أن تَخرُجَ من الرحِمِ قَدستُكَ” ( ارميا 1: 5) ان ميلاد المسيح حدث سماوي بالدرجة الاولى، حقق حلم الانسان كما جاء على لسان إشعيا النبي مخاطبا الله: “إنك لإله محتجب يا إله اسرائيل المخلص” (إشعيا 45: 15)، “ليتك تشق السموات وتنزل”(اش 64 : 1). وهو حلم كحلم طفل ان تكتمل عين الانسان برؤية وهو معنا. لذلك اختار الله مريم العذراء ليصير الكلمة جسدا في احشائها ووقف الملاك ليبشرها بهذا الحبل الإلهي والميلاد الملوكي وأخبرها بالنعمة التي وجدتها امام الله: “فقد نلت حظوة عند الله” (لوقا 1: 30)، وملأ قلبها بالفرح قائلا: “افرحي ايتها الممتلئة نعمة” (لوقا 1: 28 )، وكرر باتحاد الله مع البشر إذ قال: “الرب معك” (لوقا 1: 28) وبشر بالبركة قائلا: “مباركة انت في السماء” (لوقا 1: 42) ثم اوضح للبتول ان سر تجسد الكلمة قد اكتمل بحلول الروح القدس عليها: “أن الروح القدس سينزل عليك وقدرة العلي تضللك، لذلك يكون المولود قدوسا وابن الله يدعى” ( لوقا 1: 35 ).
لقد طرح الله السلام على الارض يوم ولد المسيح المخلص في بيت لحم: “وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة” (لوقا2 : 13 و 14). فكان المسيح رئيس السلام حقا: “لانه قد ولد لنا ولد واعطي لنا ابن فصارت الرئاسة على كتفه ودعي اسمه عجيبا مشيرا إلها جبارا، أبا الابد، رئيس السلام” (أشعيا 9: 5)، ويقول الرسول بولس: “فإنه سلامنا …” (أفسس2: 14).
وأول عمل استلمه تلاميذ الرب ليكرزوا به وعلى أساسه هو السلام: “والكلمة الذي أرسله إلى بني إسرائيل مبشرا بالسلام عن يد يسوع المسيح” (اعمال10: 6)، “وإذا دخلتم البيت فسلموا عليه. فإن كان هذا البيت أهلا، فليحل سلامكم فيه، وإن لم يكن اهلا، فليعد سلامكم إليكم” (متى 10: 12 و 13).
السيد الرب نسجد امام بهاء مجدك ونفتح ذراعينا ونتضرع ونصلي ان تضع السلام والامان والاستقرار في ربوع عراقنا الحبيب في هذا الميلاد المجيد، ميلاد المجد والعظمة.
اقدم اخلص التهاني والتبريكات بعيد ميلاد رسول المحبة والسلام يسوع المسيح المخلص الى جميع العراقيين مسيحيين ومسلمين، وكل عام وبركة ونعمة يسوع المسيح مع الجميع.