قرداغ مجيد كندلانِ
وتحقق مَثـَـل المسيــح الذي قالـه عـن الكرامين الاردياء : ” فلما رأى الكرامون الابـن ، قال بعضهــــم لبعض : هوذا الوارث ، هلم نقتله ونأخذ ميراثه . فأمسكوه وألقوه في خارج الكرم وقتلوه.” ( متى 21: 38 و39 ) ، واضح أن الابن هي إشارة للاعلان عن لاهوته الاقدس وبنوته للاب . أما قوله أخذوه خارج الكرم وقتلوه فكانت قراءة علنية لما خططوه في ضمائرهم ودفاترهم السرية في الظلام . والفضائح التي صنعوها بالمسيح بحسب الانجيل المقدس قبل الصلب يمكن ان تصف جميعها ما بلغه حال الانسان :
* عروهُ ( متى 27: 28 )
* وألبسوه رداءً قرمزياً ( متى 27: 28 ) و( مرقس 15: 17 ) و ( يوحنا 19: 2 )
* ألبسوه إكليلا من شوك ( متى 27: 29 ) و( مرقس 15: 17 ) و ( يوحنا 19: 2 )
* أمسكوه قصبة ( متى 27: 29 )
* وسجدوا له ( متى 27: 29 ) و ( مرقس 15: 18 )
* وبصقوا عليه ( متى 27: 30 ) و ( مرقس 15: 19 )
* وضربوه على رأسه ( متى 27: 30 ) و ( مرقس 15: 19 )
التعرية فقد تمت قبل الجلد ، وفيها مثل المسيح الانسان وقد تعرى من ثوب بر الله بسبب الخطيئة . أما اللباس القرمزي فهو رمز الملوكية ، وفيها لبس الانسان الثوب الذي اشتهاه آدم ان يكون ملكا كالله ! وتاج الشوك فهو سيادة الخطيئة وتملكها على الانسان . أما القصبة في يده كصولجان الملك فهو سلطان البر الذاتي ورمز الأنا التي نفخ فيها الشيطان . والسجود له عوض الكبرياء التي رفعت الانسان فوق أخيه الانسان . والبصاق ثمن الدناءة والنجاسة التي وضعت الانسان تحت مستوى الحيوان . والضرب على الرأس تعبيرا عن سقوط هيبة الانسان .
يتفق الانجيليون الاربعة أن من الساعة السادسة حتى الساعة التاسعة حسب الحساب الزمني لساعات اليهود اي من الساعة الثانية عشر ظهرا وحتى الساعة الثالثة بعد الظهر على اساس الساعة المعمول بها الان في العالم كانت ظلمة على الارض كلها ، ومعنى ذلك أن الابن المرسل إلى العالم وهو نور العالم قد انقطعت صلته بالعالم هذه الثلاث ساعات . دخل فيها معركته الفاصلة مع رئيس هذا العالم ، فساد الظلام :” ولكن هذه ساعتكم ! وهذا سلطان الظلام !”( لوقا 22: 53 ) ، وانتهت بموته على الصليب الذي ظفر به على الرؤساء والسلاطين وأشهرهم جهارا . فبموت المسيح انقشع سلطان الظلمة من عالم الانسان . فهــذه الثلاث ساعات أساس المعركـــة الكبرى التي تمت بين سلطان النــور وسلطان الظلمة ، سادت فيها الظلمة الى ثلاث ساعات واكتسحها النور الى الابد .
والسيد المسيح عند موته على الصليب انشق حجاب الهيكل الى اثنين :” وإذا حجاب المقدس قد انشق شطرين من الاعلى الى الاسفل ، وزلزلت الارض وتصدعت الصخور ، وتفتحت القبور ، فقام من اجساد القديسين الراقدين ، وخرجوا من القبور بعد قيامته فدخلوا المدينة المقدسة وتراءَوا لأِناس كثيرين .” (متى 27: 51-53 ) . فانشقاق الحجاب من فوق الى أسفل يشير بقوة الى الحجاب الحاجز بين الانسان والله ( راجع اشعيا 59: 2 )، وبالصليب انتهى الحجاب . وقد تم لحظة موت المسيح أي لحظة انكسار الجسد أمام الموت . ويصف ذلك سفر العبرانيين لاهوتيا :” ولما كنا واثقين ، ايها الاخوة ، بأن لنا سبيلا الى القدس بدم يسوع ، سبيلا جديدة حية فتحها لنا من خلال الحجاب ، أي جسده . ” (عبرانيين10: 19و20 ) . هذا يعني ان الحجاب الكثيف القائم في ضمير الانسان ووجدانه الذي كان يحيط الله برهبة وخوف ويوحي الى البعد السحيق القائم وعدم القدرة على القرب منه قد انشق أيضا ، وأزيل الحرج والخوف والشعور بالبعد عن الله ، حتى ندخل إليه بدالة دم المسيح وجسده الذي انكسر على الصليب . وهذا عبر عنه المسيح لنا اعظم تعبير :” في ذلك اليوم تسألون باسمي ولا أقول لكم إني سأدعو الاب لكم فإن الاب نفسه يحبكم لأنكم أحببتموني وآمنتم أني خرجت من لدن الله .” (يوحنا 16: 26و27 ) ، ” فلستم إذا بعد اليوم غرباء أو نزلاء بل أنتم من أبناء وطن القديسين ومن أهل بيت الله ” (افسس 2: 19 ) . المعنى هنا أنه قد تمت المصالحة بالصليب والقيامة ، وانفتح الطريق المباشر الى قلب الله ، ونحن لانحتاج بعد أن نصرخ الى المسيح أن يتكلم عنا كما كان يفعل شعب اسرائيل . لقد اكمل المسيح لنا كل صلاحية الدخول اليه والوقوف امامه بلا لوم ، وذلك في دم ذبيحته :” ويُصلح بينهما (يهودا وأمما ) وبين الله فجعلهما جسدا واحدا بالصليب وبه قضى على العداوة . جاء وبشركم بالسلام أنتم الذين كنتم أباعد ، وبشر بالسلام الذين كانوا أقارب ، لان لنا به جميعا سبيلا الى الاب في روح واحد . فلستم إذا بعد اليوم غرباء أو نزلاء ، بل انتم من ابناء وطن القديسين ومن اهل بيت الله . “(افسس 2: 16- 19)
كانت هناك ضرورة حتمية ان يتوسط المسيح بلساننا امام الاب عنا ، وذلك عندما كان حجاب الخطية حاجزا بين قلوبنا وقلب الله . لذلك كان فيلبس على حق ، عندما قال للمسيح:” يارب أرنا الاب وحسبنا” ( يوحنا 14: 8 ) ، لان الاب بغير المسيح ، كان محجوزا عنا ، وكنا نحن محجوزين عنه ، هكذا صرخ أشعيا متوجعا :” إنك لاله محتجب يا إله إسرائيل المخلص .” ( أشعيا 45: 15 ) ، وداود يستصرخ الله: ” لماذا تحجب وجهك وتنسى بؤسنا وضيقنا ؟” { مزمور 44(43) : 25 (24)} ، ولكن الامر لم يَعُد كذلك ، بعد ان ارتفع المسيح بجسده ذاهبا الى الاب :” دخل القدس مرة واحدة ،…، بدمه ، فحصل على فداء أبدي .” ( عبرانيين 9: 12 ). لقد رفع الحاجزالمتوسط ، وأعطانا رتبة البنين ، وأهلنا للدخول بإيمان عن ثقة . بهذا المعنى يقول المسيح : لست أقول لكم إني أنا اسأل الاب من اجلكم ، لان الاب نفسه يحبكم ، اي ان المسيح وكأنه يقول لنا : اطلبوا لاتخافوا ، الاب يسمع لكم ويحبكم ، لاني أكملت كل مايرضيه على الصليب والقيامة .
القيامة من بين الاموات (( بذات الجسد )) الذي صلب ، وبجروحه ، وبطعنة الحربة ، هذا الفعل الذي اجراه المسيح في نفسه ، هو فعل غريب على البشرية . وكلمة القيامة التي دخلت قاموس المسيحية ، ليس اصلا من كلمات بني ادم ، إنها تخص بعمل لايختص بالارض ولا بأية خليقة ، إن في السماء او على الارض . القيامة حدث هبط الينا من السماء ، ومفهومه يفوق العقل والحواس والمشاعر والتفكير واعماق الضمير ، لانه يفوق اللحم والدم ، انه بعدا جديدا سماويا . والرسول بطرس قد اوضح ان المسيح أ ُعطي من الله ان يصير ظاهرا ، بمعنى أنه كان يُظهر ذاته بإرادته للذين انتخبهم ليكونوا شهود قيامته :” هو الذي اقامه الله في اليوم الثالث ، وخوله أن يظهر لا للشعب كله ، بل للشهود الذين اختارهم الله من قبل ، اي لنا نحن الذين اكلوا وشربوا معه بعد قيامته من بين الاموات .” (اعمال10: 40و41 ) .
القيامة لاتمت الى التأريخ بصلة . فالموت هو ختم نهاية التأريخ لكل انسان ، وليس من بعد الموت تأريخ لانسان قط . فأن يقوم المسيح من الموت حيا بجسده ، وبجروحه القاتلة وطعنة جنبه النافذة ، يتكلم ويُحيي ، ويكشف جروحه في ايديه ورجليه وجنبه ، ويأخذ يد توما ويضعها في مكان الحربة ، فهنا حدث ما فوق التأريخ .
الموت دخل الى المسيح ، فمات المسيح حقا ، وقـُبر ، وبقي ميتا من الثالثة بعد ظهر الجمعة الى فجر الاحد مايقارب 36 ساعة . فالمسيح مات ليقوم ، ويقوم بذات الجسد في ملء كماله وجروحه عليه ، وعلامات الموت صارت برهان وصدق القيامة . والقيامة صارت برهان وصدق التجسد :”في شأن ابنه الذي وُلد من نسل داود بحسب الطبيعة البشرية ، وجُعل ابن الله في القدرة ، بحسب روح القداسة ، بقيامته من بين الاموات ، ألا وهو يسوع المسيح ربنا ” ( رومة 1: 3 و 4 ) ، ومن الجدير بالملاحظة ان الرسول بولس يشدد على الجمع في كلمة (( الاموات )) ، فهو ليس قيامة من الموت وحسب ، لأن هذه تكون صورة فردية لقيامة المسيح محصورة بذاته ، ولكن يجمعها لتكون (بالقيامة من بين الاموات) حتى يمهد الذهن ويحصره لما تؤول إليه قيامته من قيامة الاموات الذين آخاهم كبكر بين إخوة . لذلك يدعوه الرسول بولس :” هو البدء والبكر من بين الاموات ” ( قولسي 1: 18 ).
فمن القبر استـُعلنت القيامة التي هي الركن والسند للإيمان المسيحي ، وكان الملاكان اول من أعلن القيامة :” إنه ليس هنا ، بل قام “(لوقا 24:6) . وفي انجيل يوحنا كان عمل الملاكين هو تحديد مكان وضع الجسد ، واحدا عند رأس المسيح والاخر عند رجليه . وهذا التحديد الملائكي هو بحد ذاته شهادة فائقة ليقين موت ودفن المسيح ويقين القيامة حيث جلوس الملاكين وليس وقوفهما فهو يشير الى انتهاء نوبتهما في الحراسة ، بعد ان قام المسيح وغادر القبر ، فمجرد وجودهما جالسين عند طرفي القبر هو بمثابة إشارة اول من أعلن القيامة ( يوحنا 20: 12 ) . إن وجود الملاكين في قبر المسيح هو مصداق لقول المسيح لبيلاطس : مملكتي ليست من هذا العالم ( يوحنا 18: 36 ) ، فهوذا الجنود يحرسون جسد رب الجنود . لقد رافقوه في ميلاده ( لوقا2: 13) وفي تجربته (متى4: 11) وفي جثسيماني (لوقا22: 43 ) وفي قبره وفي قيامته وفي صعوده ( اعمال1: 10 ) .
الرب يسوع المسيح قام حقا ، المسيح يظهر للمجدلية (يوحنا 20: 11-18 ) ويظهر للتلاميذ في العلية (يوحنا: 20:19-29 و20: 26-28 و21: 1-24 )) وكذلك الصور الانجيلية العامة لظهورات الرب والتسجيلات التي ازدحمت بها اسفار العهد الجديد عن عقيدة القيامة حيث وقف المسيح بين التلاميذ وقال لهم : السلام عليكم (يوحنا 20: 19و20) ، ويظهر للمرأتين وقال لهما يسوع: لاتخافا ، قولا للتلاميذ ان يذهبوا الى الجليل وهناك يرونني (مت 28: 5-10 ) ، ويظهر يسوع لتلميذين على طريق عماوس (لوقا 24: 13-35) ، ويظهر للتلاميذ فقال لهم اذهبو وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس ( متى 28:16-19 ) ويظهر المسيح مدة اربعين يوما (اعمال 1: 1-3 ) ويظهر المسيح دفعة واحدة لاكثر من خمسمائة شخص وليعقوب وللرسول بولس (1قورنتس 15: 3-8) . هكذا أعطى المسيح القائم من الاموات للتلاميذ شركة في روح القيامة التي فيه ونفخ فيهم الروح القدس.
المسيح قام حقا قام ، وكل عام واالعراق بخير وامان وسلام .
2021-04-03