يوسف يوسف
المقدمة :
يخبرنا الموروث الأسلامي ، في الكثير من تفاصيله حول أن النبوة ختمت بالرسول ، كما جاء في الرواية الواردة في الموقع التالي (( أن محمدا خاتم الأنبياء والمرسلين دل عليها القرآن والسنة وآثار الصحابة وإجماع الأمة . ففي الكتاب قال تعالى : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا / 40 سورة الأحزاب } ، فمحمد خاتم النبيين وبالأولى خاتم المرسلين ، فلقد ختم به النبوة فطبع عليها فلا تفتح لأحد بعده إلى قيام الساعة وختم به النبوة لأنه شرع له من الشرائع ما ينطبق على مصالح الناس في كل زمان وكل مكان ، لأن القرآن ما ترك أما من أمهات المصالح إلا جلاها ولا مكرمة من أصول الفضائل إلا أحياها فتمت الرسالات برسالته إلى الناس أجمعين / نقل بتصرف من موقع طريق الأسلام )) ، وبنفس الصدد جاء في السنة / سنة مقرونة بتهديد لغير المؤمنين بالرسول والوعيد لهم بالنار : ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار/ أخرجه مسلم في صحيحه ) ، وفي النص القرأني ، هناك تأكيد على أنفراد الدين الأسلامي كدين وحيد لدى الله ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ / 19 سورة آل عمران ) ، وأنطلاقا من هذا ، فأن أتباع أي دين أخر غير الأسلام يجعل من الفرد خاسرا لأخرته ، كقوله (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ / 85 سورة آل عمران).
القراءة :
الموروث الأسلامي ، بالموضوعين أعلاه / ختم النبوة وأنفراد الأسلام كدين عند الله ، أرى أن هذا الوضع يولد ويشكل حزمة من الأزمات ، عانى من جرائها كل من المسلمين كأفراد والأسلام كمعتقد ومحمد كرسول ، وسأركز على الأهم منها كقراءة شخصية وعقلانية للموضوع :
1 . الموروث الأسلامي ، وفق مفهومه ودلالاته أوقف التأريخ قبل أكثر من 14 قرنا ، وكأن الحياة حطت أرحالها وأرخت حبالها وأقفلت كل أبواب التطور التأريخي ، بظهور الأسلام وبروز محمد كرسول في الحقبة الجاهلية ، وأن قوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا / 3 سورة المائدة ) ، جاء كمسك ختام للبشرية ، وأن مفهوم هذا الموروث يرتكز على أن المجتمع البشري لا يحتاج لحاجة معينة حتى قيام الساعة ، وذلك لأن الأسلام قد شمل حلولا لكل تساؤلات الحياة الدنيا وكل مضامين الأخرة بنصوصه ! ، فهو شامل كامل جامع تام ، وأنه شرع كم من الشرائع ما ينطبق على أمور الناس في كل زمان وكل مكان وتحت أي ظرف ، ولأن القرآن ما ترك من شاردة أو واردة من تفاصيل الحياة ألا ووجد لها الحل ، لذا كان هو الدواء لكل داء ، وهو الحل والحياة المثلى للعالمين ! ، وهذا الأمر منطقيا ، ضد قوانين الحياة والطبيعة ! ، فالمجتمع البشري / حال وطبائع ومعيشة – في زمن النبوة ، كان ضمن واقع وظرف وبيئة معينة ، تحكمه مجموعة أعراف وتقاليد خاصة ذو سمة قبلية وعصبية ، مجتمع ليس له أي صفة أو ميزة حضارية ، لا تحكمه قوانين ، يقتات على الرعي من جهة ويمتهن الغزو والسبي والنهب والسلب ، وجد الأسلام والرسول في هكذا ظرف وفي هكذا واقع .. والتطور التأريخي سحق كل هذا بعجلته كي يصل الى عالم اليوم ، فمن المستحيل أن ما كان يصلح في تلك الحقبة السحيقة ، أن يجدي نفعا نصا وشرعة بعالم اليوم المتحضر !! .
2 . يقول المفكر والشاعر أدونيس ( أن الأسلام ينفي ما قبله وما بعده ، أذن الفكر متوقف في لحظة الرسالة المحمدية ) ، وهذه معضلة فكرية وعقلية في الوقت ذاته ، وهذه المعضلة بمضامينها تواجه أجماع كل شيوخ المسلمين وعلى مر العقود ، ولكنهم كالنعام / رؤوسهم في الرمال ! ، فليس من الممكن بأي حال من الأحوال ، وليس من المنطق بشئ ، وليس من طبيعة الفكر الأنساني ، أن يتجمد الفكر في حقبة زمنية معينة ، وأن تكون ذات تلك اللحظة الزمنية هي الأقدر تأريخيا في القراءة الفكرية للحياة والأخرة وللواقع بأختلاف الأزمنة ، وأن تكون تلك اللحظة لاغية لكل الحقبات الفكرية الماضوية والمستقبلية معا ، أنه العبث بعينه ، فالفكر يتجدد دوما ولا يمكن أن يبقى جامدا ! لأنه مرتبط بالعقل الأنساني ، الذي بنفس الوقت متطور ومتغير ، وفق قوانين التطور والتغير ذاتها .
3 . في جانب أخر ، وبزمن الرسول مثلا ، الذي كان معروفا من الرجال كمتعلم / وفق مقادير تلك المرحلة ! ، هو ” أبن عباس ” ، ( المولود 3 قبل الهجرة – المتوفي في 68 هجري ، وكان لقبه البحر ، وحبر الأمة الإسلامية وفقيهها ، وهو إمام التفسير للقرآن ) ، ولهذا فالقضية الفكرية كانت متقوقعة على أفراد محدد عددهم ، وأقتصر فكرهم على الرسالة المحمدية ، من أجل تفعيلها ، والمذكور كان أبرزهم ، بالأضافة الى ذلك ففي الحقبة المحمدية ، كان الشغل الشاغل للقبيلة وعلية القوم هو الغزو والسبي !! ، والحراك الفكري كان مهمل الجانب ، الأمر الذي أختلف في الحقب التأريخية اللاحقة ، فقد ظهر جهابذ فكرهم المعرفي موسوعي ، وعلمهم يفوق ما كان معروفا في زمن الحقبة المحمدية ، فمثلا : أبو بكر الرازي 865 – 923 م ، لُقِّبَ بألقاب عديدة منها جالينوس العرب ورائد المستشفيات الحديثة ، ثم أبن خلدون – 1332 1406 م ، الذي قال عنه أرنولد توينبي ( ابتكر ابن خلدون وصاغ فلسفة للتاريخ هي بدون شك أعظم ما توصل إليه الفكر البشري في مختلف العصور والأمم ) ، مرورا بالدكتور طه حسين1889م – 1973 ، عميدالادب العربي ( أخذ عليه قوله بانعدام وجود دليل على وجود النبيين إبراهيم وإسماعيل فضلا عن زيارتهما الحجاز ورفعهم الكعبة سالكا بذلك المنهج الديكارتي في التشكيك ، ويقول : للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما ولكن هذا لا يكفي لصحة وجودهما التاريخي ) .. وصولا الى شهيد الفكر الحر د . فرج فودة ( كاتب ومفكر علماني ولد في 1945 ، تم اغتياله على يد الجماعة الإسلامية في8 يونيو 1992 في القاهرة ، كانت جبهة علماء الأزهر تشن هجوما كبيرا عليه ، وطالبت لجنة شؤون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه ، بل وأصدرت تلك الجبهة في 1992“بجريدة النور” بياناً بكفره ) ..
لو ألقينا نظرة فاحصة على الأعلام المذكورين ، في أعلاه ، فأننا نلاحظ مدى التطور الفكري والأختلاف والخلاف الذي بينهم ، وفق حقبهم الزمنية والمكانية المختلفة ، وهذا الأمر يوصلنا الى نتيجة مفادها الى أن الفكر يتغير ويتطور ، وهذا التطور يتبع التطور البشري والمجتمعي والتقدم الحضاري العام ووفق أختلاف القوانين والأعراف التقاليد السائدة .
4 . وأشارة الى كون الرسول خاتم الأنبياء – وفق النص القرأني ، فأن الموروث الأسلامي بني وأسس على أن الحقائق التي نقلها محمد هي الحقائق الأخيرة ، حيث أنه مصدر العلم وهو خزانته ، وهذا يتوافق مع الحديث التالي ، ” عن النبي : ( أنا خزانة العلم وعلي مفتاحه ، فمن أراد الخزانة فليأت المفتاح / البحار ، ج 40: ص 200 و201. ) ” ، والتساؤل هو كيف يمكن أن نستدل عقليا من نبي أمي / بدلالة القرأن ، أن تكون الحقائق التي نقلت أو رويت أو سنت عنه هي منتهى التمام والكمال ، وهذه الحقيقة تناقض / بنفس الوقت ، قوله : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا / 85 سورة الأسراء ) ، أي علم الرسول / لأنه بشر ، فهو قليل أيضا – “.. وما أوتيتم من العلم ألا قليلا ” !! ، وذلك لأن الرسول بشر ، لقوله ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا / 110 سورة الكهف ) !! .. من كل ما سبق أرى ، أن الرسول ، بشر سوي عادي / مثلنا ، ولد ومات ودفن وتحللت جثته وأنتهت ، لأجله فأن علمه محدود ، وليس ممكنا أن تكون الحقائق المنقولة عنه أن تكون نهاية الفكر وغاية العقل وكنه الحياة وأن تكون بالنتيجة طريق الخلاص والهداية للبشرية ! .
الخاتمة :
أن الحقبة المحمدية ، أحادية الفكر ، فليس من موضوع في فكرها سوى الدعوة للأسلام ، أما ثقافة الحقبة فكانت ثقافة السيف ، والوعد بحور العين والسبي وملكات اليمين .. ، في وضع مجتمعي تسوده العصبية القبلية ، كل ذلك كان في حقبة تأريخية معينة ، فليس من المنطق والعقلانية أن تلغي هذه الحقبة كل ما سبق من أديان ، وتمحو تعاليم أنبيائها ورسلها كموسى ويوحنا المعمذان والمسيح معتقدا وثقافة ودورا مجتمعيا ، وليس علميا أيضا أن يصادر الأسلام حتى الفكر المستقبلي ، غافلا أن المجتمع البشري دوما في تطور وتغير ، لأن المجتمع عبارة عن منظومة معقّدة غير متوازنة تتغيّر وتتطوّر بأستمرار ، حيث تدفع كل تعقيدات وتناقضات التطور الاجتماعي الى نشوء أفكار مستحدثة تلائم الوضع المتغير دوما ، كل هذا من جانب ، ومن جانب ثان ، كيف الحال مع فكر الأسلام الماضوي المؤسس على ألغاء موروث الماضي ومصادرة أفاق المستقبل !! .